نختلف أو نتفق مع الشيخ عائض القرني إلا أن التاريخ سيذكره كواحد من أهم رموز الصحوة في السعودية، صاحب حضور ملفت سواء كان ذلك في المملكة أو خارجها، اشتغل بالوعظ وتنقل بين درجاته، له شخصيته التي ميزته عن البقية.
الأوطان مشاريع كبرى، ومن المساهمات الإنسانية المختلفة التي يعمل عليها البشر؛ لذلك لا يستطيع أن يبنيها إلا رجال استثنائيون؛ ومن المهم ونحن نحتفي برؤية المملكة وبرامج التحول التي يقودها الأمير الجسور محمد بن سلمان تحت قيادة الملك سلمان حفظهما الله أن نقبل بعضنا بعضا، وأن يعذر بعضنا بعضا من أجل تحقيق هذه النهضة الموعودة ولا نعرقلها.
عائض القرني عندما كان بين رموز الصحوة حاول أن يأخذ مسارا مختلفا ربما لم يسعفه الحظ وربما لم يتفهمه المجتمع الذي كان مختطفا في أغلبه لأدبيات الصحوة، وأعلن ذات مرة أنه كان منظما لجماعة الإخوان المسلمين خلال المرحلة التعليمية، إلا أنه تركهم لأنه لم يجد في تنظيمهم الحق الذي كان ينشده، يجب أن يتذكر أنه أعلن عن آراء فقهية متسامحة مع كشف الوجه وقيادة النساء السيارة وكذلك مع الغناء في وقت كان مجرد المرور بجانب تلك «المحرمات الصحوية» ولو بالمصادفة جريمة لا تغتفر.
بداية رمضان وفي خطوة شجاعة ومفاجئة أعلن الشيخ القرني اعتذاره باسم الصحوة عن كل ما عاناه المجتمع السعودي من الصحويين باسم الدين خلال الأربعين سنة الماضية، وحددها القرني في ما يلي: «اعتذر للمجتمع السعودي عن الأخطاء في التشديد التي خالفت الكتاب والسنة وخالفت سماحة الإسلام وخالفت الدين المعتدل الوسطي، الذي نزل رحمة للعالمين، وعما ضيقت به على الناس، أعتذر للمجتمع السعودي باسم الصحوة جميعا الحاضر منهم والغائب ويقبلون هذا الاعتذار». وللأمانة فهو أول اعتذار واضح وشجاع يشخص ويحدد بدقة ما فعلته الصحوة عن سبق إصرار وترصد في حق السعوديين الذين كانوا وما زالوا في أعماقهم مسلمين متدينين بالفطرة الوسطية المتسامحة.
نحن اليوم أمام مشهد جديد ومراجعات مثيرة لواحد ممن بنت الصحوة «أسطورتها» التي بدأت منذ منتصف السبعينات وحتى العام 2015، ولذلك من المفيد البناء أن نبني على ما فعله الشيخ ونفتح الباب واسعا أمام مزيد من التراجعات والعودة بالمجتمع كله نحو منطقة الوسط التي عاشها لمئات السنين وتوظيفها لبناء وطن متجانس متماسك، صحيح أن «الصحوة» لم تُنقد بكثافة ولم تتعرض لتشريح اجتماعي يكشف «الاختلالات» الهائلة التي ارتكبتها قصدا في كل شؤون حياتنا، الآن المجتمع كفيل بإعادة تموضعه واكتشاف نفسه، وتجربة التغير التي حصلت بكثافة خلال الأعوام الثلاثة الماضية تؤكد أن السعوديين قادرون على التكيف دون تفريط ولا انهيار.
الشيخ عائض مثله مثل كثير من المثقفين والمفكرين وممتهني الشأن العام، يتعرضون على مدى عمرهم لجملة من التغيرات الفكرية التي تؤثر عليهم وتنقلهم من مسار إلى مسار عبر ما يسمى بـ«الارتحال الفكري»، وهو يعني بدقة تغير الأفكار والآراء حول قضية أو قضايا معينة بتغير الظرف والمعطيات والمعلومات والأفكار، وكلما كان ذلك الارتحال مبررا ومقبولا كان أكثر تأثيراً. ومن المهم قبول تلك التغيرات واستيعابها، والأمثلة تطول في ذلك، فالإمام الشافعي تراجع عن كثير من آرائه الفقهية التي أطلقها عندما كان في العراق إثر انتقاله للعيش في مصر بسبب اختلاف المجتمع المصري عن العراقي وثقافتهم وأسلوب حياتهم والمعلومات التي توفرت له، وكذلك الشيخ ابن تيمية فآراؤه التي قالها وأفتى بها في أول حياته تختلف عنها في آخر حياته.
* كاتب سعودي
الأوطان مشاريع كبرى، ومن المساهمات الإنسانية المختلفة التي يعمل عليها البشر؛ لذلك لا يستطيع أن يبنيها إلا رجال استثنائيون؛ ومن المهم ونحن نحتفي برؤية المملكة وبرامج التحول التي يقودها الأمير الجسور محمد بن سلمان تحت قيادة الملك سلمان حفظهما الله أن نقبل بعضنا بعضا، وأن يعذر بعضنا بعضا من أجل تحقيق هذه النهضة الموعودة ولا نعرقلها.
عائض القرني عندما كان بين رموز الصحوة حاول أن يأخذ مسارا مختلفا ربما لم يسعفه الحظ وربما لم يتفهمه المجتمع الذي كان مختطفا في أغلبه لأدبيات الصحوة، وأعلن ذات مرة أنه كان منظما لجماعة الإخوان المسلمين خلال المرحلة التعليمية، إلا أنه تركهم لأنه لم يجد في تنظيمهم الحق الذي كان ينشده، يجب أن يتذكر أنه أعلن عن آراء فقهية متسامحة مع كشف الوجه وقيادة النساء السيارة وكذلك مع الغناء في وقت كان مجرد المرور بجانب تلك «المحرمات الصحوية» ولو بالمصادفة جريمة لا تغتفر.
بداية رمضان وفي خطوة شجاعة ومفاجئة أعلن الشيخ القرني اعتذاره باسم الصحوة عن كل ما عاناه المجتمع السعودي من الصحويين باسم الدين خلال الأربعين سنة الماضية، وحددها القرني في ما يلي: «اعتذر للمجتمع السعودي عن الأخطاء في التشديد التي خالفت الكتاب والسنة وخالفت سماحة الإسلام وخالفت الدين المعتدل الوسطي، الذي نزل رحمة للعالمين، وعما ضيقت به على الناس، أعتذر للمجتمع السعودي باسم الصحوة جميعا الحاضر منهم والغائب ويقبلون هذا الاعتذار». وللأمانة فهو أول اعتذار واضح وشجاع يشخص ويحدد بدقة ما فعلته الصحوة عن سبق إصرار وترصد في حق السعوديين الذين كانوا وما زالوا في أعماقهم مسلمين متدينين بالفطرة الوسطية المتسامحة.
نحن اليوم أمام مشهد جديد ومراجعات مثيرة لواحد ممن بنت الصحوة «أسطورتها» التي بدأت منذ منتصف السبعينات وحتى العام 2015، ولذلك من المفيد البناء أن نبني على ما فعله الشيخ ونفتح الباب واسعا أمام مزيد من التراجعات والعودة بالمجتمع كله نحو منطقة الوسط التي عاشها لمئات السنين وتوظيفها لبناء وطن متجانس متماسك، صحيح أن «الصحوة» لم تُنقد بكثافة ولم تتعرض لتشريح اجتماعي يكشف «الاختلالات» الهائلة التي ارتكبتها قصدا في كل شؤون حياتنا، الآن المجتمع كفيل بإعادة تموضعه واكتشاف نفسه، وتجربة التغير التي حصلت بكثافة خلال الأعوام الثلاثة الماضية تؤكد أن السعوديين قادرون على التكيف دون تفريط ولا انهيار.
الشيخ عائض مثله مثل كثير من المثقفين والمفكرين وممتهني الشأن العام، يتعرضون على مدى عمرهم لجملة من التغيرات الفكرية التي تؤثر عليهم وتنقلهم من مسار إلى مسار عبر ما يسمى بـ«الارتحال الفكري»، وهو يعني بدقة تغير الأفكار والآراء حول قضية أو قضايا معينة بتغير الظرف والمعطيات والمعلومات والأفكار، وكلما كان ذلك الارتحال مبررا ومقبولا كان أكثر تأثيراً. ومن المهم قبول تلك التغيرات واستيعابها، والأمثلة تطول في ذلك، فالإمام الشافعي تراجع عن كثير من آرائه الفقهية التي أطلقها عندما كان في العراق إثر انتقاله للعيش في مصر بسبب اختلاف المجتمع المصري عن العراقي وثقافتهم وأسلوب حياتهم والمعلومات التي توفرت له، وكذلك الشيخ ابن تيمية فآراؤه التي قالها وأفتى بها في أول حياته تختلف عنها في آخر حياته.
* كاتب سعودي