لا تتميز المجتمعات المتحضرة بكثرة مبانيها الفارهة والفاخرة، ولا باتساع شوارعها الممهدة والمعبدة، بل تتميز برقي شعبها وبقدرة أفراده على التواصل البناء، كما تمتاز بسيادة لغة الحوار حيث يستمع كل طرف لرأي الطرف الآخر لفهم حججه ومبرراته وداوفعه وليس لمجرد مجادلته أو الانتصار عليه في معركة كلامية لا فائدة منها، وذلك في مسعى لاستيعاب أي فكرة مخالفة أو معارضة ولكن دون انتقاص أو احتقار لها، ودونما تجريح أو سخرية أو مقاطعة لشخص المتكلم.
الحوار المتمدن يتطلب وجود طرفين مختلفين في الرأي وفي المحتوى الفكري، ولكن يسعى كل منهما لتفهم الآخر والوصول لأقرب أرضية فكرية مشتركة بينهما، وعلى الرغم من عدم توافق الأفكار أو اختلافها وتعارض بعضها مع البعض الآخر فإن وتيرة الحوار تظل هادئة مفعمة بالود، ويظل الجميع متحابين دون ضغينة أو عصبية، ودون أن يسعى طرف لتسفيه رأي الطرف الآخر ونعته بالجهل أو الغباء والانحياز الأعمى لأغراض خفية ومريبة!
غير أن الحوار في بعض الأحيان -وفي بعض المجتمعات- يتميز بالحدة والشدة؛ حيث يبدأ بالنقاش المستعر وينتهي بالشجار إلى أن يصل الأمر لحد القطيعة، ويبدأ كل طرف معركته الكلامية باعتباره يملك كل الصواب وخصمه يقع عليه كل الخطأ، وينبثق من فكرة مفادها أن حججه كلها صحيحة صحة مطلقة وكل ما عداه فهو خطأ تام، والأمر لا يحتاج لجدال أو مناقشة وكل ما عليه هو تحجيم الطرف الآخر ولجم لسانه.
من يتابع ما يدور من نقاشات وتعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف منابرها -وخاصة بين أبناء الدول العربية- يلمس هذه الفكرة بوضوح، فالتعليقات متشنجة ولغة التواصل حامية، والسائد هو تسفيه الآراء المخالفة ووسم صاحبها بالجهل أو قلة التدين أو الفسق وأحياناً كثيرة الكفر أيضاً! ومن المؤكد أن لهذه العادات الحوارية القبيحة أكثر من سبب، ولكن لا مجال لتحليلها وذكر تلك الأسباب الآن، ولكن ما يدور في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي يعكس حالة العصبية المبالغ فيها فيما يتعلق بالمجال الفكري في مجتمعنا، ويوضح بدون مجال للشك سعي البعض -وإن كان قلة عددية- لفرض آرائهم بالقوة على الآخرين، مدعين احتكار الصواب دون غيرهم، وبالتالي فلا يستطيع أي طرف انتقادهم أو يجرؤ حتى على مناقشتهم.
من المؤكد أنه كلما ازداد المرء معرفة ازداد تواضعاً، وكلما زاد جهله زاد غروره، وغالبية من يدعون احتكار الحقائق لا تتوفر لديهم الخلفية الكافية على الحكم على أي موضوع من جميع جوانبه، كما أن غالبيتهم يجنحون للظهور أمام الآخرين بمظهر المثقفين العالمين ببواطن الأمور، وهم ربما لم يقرأوا حتى كتاباً واحداً فيما هم بصدد مناقشته، وكل ما يعرفونه هو شذرات متناثرة عن الموضوع اطلعوا عليها من خلال بعض المنتديات أو مواقع الأخبار دون تمحيص أو تروٍّ.
من المؤسف أن تسعى هذه الفئة ضيقة الأفق لتشكيل المجتمع على هواها، وفرض ما تراه من زاويتها المحدودة، وتلك الفئة هي الأكثر رفضاً للتغيير مهما كانت درجة إيجابيته، والأكثر تمسكاً بالتقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان مهما ظلمت فئات مجتمعية كثيرة وحرمتها من حقوقها المشروعة، هذه الفئة تريد للمجتمع أن يتحجر ويظل ثابتاً في مكانه رغم السرعة الهائلة التي يتحرك بها العالم من حولنا.
لقد انتهت بحمد الله مرحلة احتكار القلة لمجتمع كامل بجميع فئاته وشرائحه، وانتهى عصر التشنج الفكري، لقد بدأ المجتمع يتنفس من جديد ودبت فيه روح الحياة مرة أخرى، وقد آن الآوان لاندثار هذه الفئة المحتكرة لتحل محلها فئة أخرى مستنيرة، تعلي من قيمة الحوار وتؤسس لمفهوم التواصل البشري والإنساني بين جميع أفراد المجتمع.
* كاتب سعودي
الحوار المتمدن يتطلب وجود طرفين مختلفين في الرأي وفي المحتوى الفكري، ولكن يسعى كل منهما لتفهم الآخر والوصول لأقرب أرضية فكرية مشتركة بينهما، وعلى الرغم من عدم توافق الأفكار أو اختلافها وتعارض بعضها مع البعض الآخر فإن وتيرة الحوار تظل هادئة مفعمة بالود، ويظل الجميع متحابين دون ضغينة أو عصبية، ودون أن يسعى طرف لتسفيه رأي الطرف الآخر ونعته بالجهل أو الغباء والانحياز الأعمى لأغراض خفية ومريبة!
غير أن الحوار في بعض الأحيان -وفي بعض المجتمعات- يتميز بالحدة والشدة؛ حيث يبدأ بالنقاش المستعر وينتهي بالشجار إلى أن يصل الأمر لحد القطيعة، ويبدأ كل طرف معركته الكلامية باعتباره يملك كل الصواب وخصمه يقع عليه كل الخطأ، وينبثق من فكرة مفادها أن حججه كلها صحيحة صحة مطلقة وكل ما عداه فهو خطأ تام، والأمر لا يحتاج لجدال أو مناقشة وكل ما عليه هو تحجيم الطرف الآخر ولجم لسانه.
من يتابع ما يدور من نقاشات وتعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف منابرها -وخاصة بين أبناء الدول العربية- يلمس هذه الفكرة بوضوح، فالتعليقات متشنجة ولغة التواصل حامية، والسائد هو تسفيه الآراء المخالفة ووسم صاحبها بالجهل أو قلة التدين أو الفسق وأحياناً كثيرة الكفر أيضاً! ومن المؤكد أن لهذه العادات الحوارية القبيحة أكثر من سبب، ولكن لا مجال لتحليلها وذكر تلك الأسباب الآن، ولكن ما يدور في أروقة مواقع التواصل الاجتماعي يعكس حالة العصبية المبالغ فيها فيما يتعلق بالمجال الفكري في مجتمعنا، ويوضح بدون مجال للشك سعي البعض -وإن كان قلة عددية- لفرض آرائهم بالقوة على الآخرين، مدعين احتكار الصواب دون غيرهم، وبالتالي فلا يستطيع أي طرف انتقادهم أو يجرؤ حتى على مناقشتهم.
من المؤكد أنه كلما ازداد المرء معرفة ازداد تواضعاً، وكلما زاد جهله زاد غروره، وغالبية من يدعون احتكار الحقائق لا تتوفر لديهم الخلفية الكافية على الحكم على أي موضوع من جميع جوانبه، كما أن غالبيتهم يجنحون للظهور أمام الآخرين بمظهر المثقفين العالمين ببواطن الأمور، وهم ربما لم يقرأوا حتى كتاباً واحداً فيما هم بصدد مناقشته، وكل ما يعرفونه هو شذرات متناثرة عن الموضوع اطلعوا عليها من خلال بعض المنتديات أو مواقع الأخبار دون تمحيص أو تروٍّ.
من المؤسف أن تسعى هذه الفئة ضيقة الأفق لتشكيل المجتمع على هواها، وفرض ما تراه من زاويتها المحدودة، وتلك الفئة هي الأكثر رفضاً للتغيير مهما كانت درجة إيجابيته، والأكثر تمسكاً بالتقاليد البالية التي ما أنزل الله بها من سلطان مهما ظلمت فئات مجتمعية كثيرة وحرمتها من حقوقها المشروعة، هذه الفئة تريد للمجتمع أن يتحجر ويظل ثابتاً في مكانه رغم السرعة الهائلة التي يتحرك بها العالم من حولنا.
لقد انتهت بحمد الله مرحلة احتكار القلة لمجتمع كامل بجميع فئاته وشرائحه، وانتهى عصر التشنج الفكري، لقد بدأ المجتمع يتنفس من جديد ودبت فيه روح الحياة مرة أخرى، وقد آن الآوان لاندثار هذه الفئة المحتكرة لتحل محلها فئة أخرى مستنيرة، تعلي من قيمة الحوار وتؤسس لمفهوم التواصل البشري والإنساني بين جميع أفراد المجتمع.
* كاتب سعودي