-A +A
صدقة يحيى فاضل
يحبس كل محبي السلام في العالم الآن أنفاسهم، قلقا وخشية وذعرا من احتمال اندلاع حرب كارثية -لا سمح الله- بمنطقة الخليج، بعد كل هذا التصعيد العسكري، والتأهب الحربي الأمريكي الذي تشهده المنطقة، للمرة الرابعة، خلال أربعة عقود فقط، والذي وضعها على شفا حرب ضروس. وهذه الحرب تشبه قتالا بالنيران المشتعلة قرب محطات ومخازن وقود، بل وفي أكبر محطة وقود في العالم...؟! ولهذا الحدث الجلل عدة «أسباب» ودوافع مختلفة، لعل من أهمها: السياسات التوسعية الإيرانية التي أخذ النظام السياسي الإيراني يتبعها تجاه دول الجوار، منذ عام 1979م، والتي من أهم وسائلها: التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستهدفة، إضافة إلى سعي إيران الحثيث لامتلاك أسلحة نووية، لذا يعد امتلاكها لهذا السلاح تهديدا للأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وهذا يكاد يضع إيران في ذات الخانة التي يجب أن توضع فيها إسرائيل.

وكل محبي السلام في العالم كانوا -وما زالوا- يدعون أيضا لحظر انتشار الأسلحة النووية، حظرا رأسيا (في الدول الخمس النووية أصلا) وأفقيا (في غير الدول النووية أصلا) في كل أنحاء العالم، وبخاصة في المناطق المتوترة والمضطربة، حال المنطقة العربية التي يشار إليها بـ«الشرق الأوسط». ولكن إسرائيل تخرق كل القوانين والأعراف والاتفاقات الدولية، إذ لم تكتف باغتصاب فلسطين، وتشريد أهلها واحتلال أراضيهم وبيوتهم، ونشر الفوضى والاضطراب بالمنطقة، بل سعت وتسعى للسيطرة على كل المنطقة. وكان من الطبيعي أن تناصب كل العرب العداء، لأن المشروع الصهيوني يستهدف العرب كلهم، وليس الفلسطينيين، وحسب. فإقامة الدولة العبرية المهيمنة إقليميا (عبر التوسع الجغرافي أو بدونه) يستلزم بالضرورة الاعتداء على عرب الجوار، على الأقل. كما يستلزم امتلاك ترسانة ضخمة من الأسلحة التقليدية والإستراتيجية، لذلك أصبحت إسرائيل من أكبر القوى العسكرية، ولديها أسلحة نووية ضاربة، وكما يقولون: أصبحت إسرائيل جيشا يمتلك دولة، لا دولة تمتلك جيشا.


وقد يتساءل البعض ما علاقة إسرائيل في الحديث عن هذا التصعيد العسكري والحربي الأمريكي الراهن الخطير بالمنطقة؟!

وللإجابة على هذا التساؤل المستغرب، ندعو للتأمل في تطورات هذه الأحداث، منذ أن بدأت تتبلور حتى هذه اللحظة السياسية الأكثر توترا واضطرابا، ذلك سيوضح بجلاء أن لإسرائيل دورا كبيرا، وأنها أحد المسببات الكبرى لكوارث وأزمات المنطقة، بما فيها الأزمة الراهنة. إسرائيل تريد حربا، كم طلبته من راعيها الأول. ولذلك الراعي الآن رئيس شبه صهيوني وساعده الأيمن إسرائيلي صهيوني، يسعى لمحاباة إسرائيل واسترضاء أنصارها، وتلبية كل طلباتها، طمعا في ولاية رئاسية ثانية، وابتزازا للمنطقة، كم كان يردد: أمريكا أولا، وإذا به يحقق شعار: إسرائيل أولا...

****

وتسعى إسرائيل بالطبع لاحتكار امتلاك السلاح النووي بالمنطقة ما استطاعت، لذلك تبذل وأنصارها قصارى الجهد لإجهاض أي برنامج نووي بالمنطقة، ولو كان سلميا، وتوجيه ضربة عسكرية قاصمة ضده. والمثال السابق هو العراق (1981م)، والمثال الراهن هو: إيران... وحرص إسرائيل لقصفها، بسبب إصرارها على امتلاك التقنية النووية المتقدمة.

وما فتئت الإدارات الأمريكية تحاول جهدها التجاوب مع هذه الرغبة الإسرائيلية حباً وكرامة للكيان الصهيوني... الذي من أجله تقصف دول، وتقهر شعوب، وتحتل بلاد، ويقتل الآلاف من الأبرياء. ومن أجل سواد عيونه تحاك المؤامرات والدسائس ضد من «يجرؤ» على معاداة الصهيونية، أو الإشارة إلى جرائمها وأكاذيبها، وأباطيلها. ورغم أن هذا الحب الأمريكي القاتل (والأعمى) يعود لعقود خلت، إلا أن أكثر «الإدارات» الأمريكية عشقاً وولهاً بالصهيونية كانت هي إدارة بوش الابن السابقة. فتلك «الإدارة» تفانت في دعم العدوان الصهيوني المشهود، وحاولت جهدها «تبرير» جرائمه اليومية ضد الشعب الفلسطيني، وضد المنطقة ككل. ويكفي أن نذكر «مثالاً» واحداً على ذلك: أن غزو واحتلال وتدمير العراق، من قبل أمريكا، تم لعدة أسباب، من أهمها -إن لم يكن أهمها- إنهاء ما قد يشكله العراق (بما كان له من ثقل سكاني وعلمي) من «خطر» على إسرائيل، وسياساتها، وتسهيل فرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ولكن إدارة الرئيس دونالد ترمب تفوقت على إدارة بوش الابن بمراحل في دعمها لإسرائيل، مما أصبح معروفا لدى جميع المعنيين.

****

لقد عانى العرب بخاصة من السياسات التوسعية الإيرانية، ومن سياسات التحالف «الإمبريالي – الصهيوني»، مر الأمرين. وحتى الآن، ظل العرب عاجزين عن اتخاذ سياسة محددة وفعالة لمواجهة هذين التحديين الكبريين، ناهيك عن وضع «إستراتيجية»عربية موحدة لمواجهة آثار وتداعيات هذين التحديين الكبريين، وغيرهما، بالغة السلبية على الأمن القومي العربي، والمصالح العربية العليا. أمست إسرائيل تمتلك ترسانة ضاربة من السلاح النووي، موجهة -أصلا- ضد التجمعات السكانية العربية، وتستخدمها إسرائيل على مدار الساعة لردع وإرهاب وابتزاز العرب. وتعمل لاحتكار السلاح النووي، وعدم السماح لأي طرف عربي أو إسلامي بامتلاك هذا الرادع. ومن الناحية الأخرى، فإن قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم مودعة في صدور علمائها النوويين، وهم الآن كثر، وهذا ما قد يجعل إيران قاب قوسين أو أدنى من عضوية «النادي النووي».

وبالنسبة لمهاجمة إيران، سبق أن أعدت أمريكا وحلفاؤها، في عهد الرئيس السابق أوباما، العدة لتوجيه ضربة عسكرية كاسحة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وبخاصة أهم ثمانية مواقع نووية، في طول إيران وعرضها. ووضعت «خطة» لهجوم عسكري صاروخي شامل، من الجهات الأصلية الأربع، وبمشاركة إسرائيلية كاملة في العمليات اللوجستية، بل أجريت «بروفات» شبه نهائية للضربة، بعد أن تم اختراق معظم المواقع الإيرانية المستهدفة، وتصويرها، وإلصاق مواد ببعض أجزائها، لجذب الصواريخ المهاجمة.

وسبق أن حبس العالم أنفاسه أيضا، خوفاً وهلعاً من حدوث كارثة ذلك الهجوم.. لأن شنه ربما كان سيقود العالم إلى حرب عالمية، ودمار اقتصادي شامل.. يلحق بمعظم أرجاء العالم، بما فيه أمريكا، لذلك كان المراقبون يستبعدون ذلك الهجوم، لعدة «أسباب»، منها: رد الفعل المتوقع، الذي قد يحيل الهجوم إلى كارثة إقليمية/‏ عالمية.. وبالفعل، تم استبعاد هذا الخيار العسكري. ولكن الأخذ به أصبح الآن أمراً وارداً ومحتملاً، بعد أن قرر ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإرسال جيش أمريكي للمنطقة، تحضيرا لهذه الحرب، وتحقيقا لرغبة الصهاينة.

****

يتوقع البعض اندلاع حرب شعواء لا تبقي ولا تذر. ويتوقع آخرون أن تتراجع أمريكا عن الهجوم، إن وافقت إيران على إعادة التفاوض على برنامجها النووي، وقبلت الشروط الأمريكية الاثني عشر، أو بعضها. وهناك من يعتقد أن الحشد الحالي سينتهي بلا حرب، ولا اتفاق، ولكن الاحتمال الأكثر ورودا (حتى هذه اللحظة) هو قبول النظام الإيراني (قبولا مشروطا) بإعادة التفاوض على برنامجه النووي. ورغم كل ذلك، تظل المنطقة على صفيح ساخن متواصل.. طالما بقيت «أسباب» اضطرابها وعدم استقرارها (الذاتية والخارجية) قائمة ومستشرية..

* كاتب سعودي