نبتعد اليوم قليلاً عن الوضع الملتهب الراهن بالمنطقة العربية المضطربة، وما يجري فيها من تصعيد عسكري مرعب، وتأهب حربي مفزع، ولنتطرق لموضوع يعتبر وجوده في بعض أرجاء هذه المنطقة، مسبباً رئيساً لما المنطقة فيه من قلاقل (الجزائر والسودان حالياً).
تعتبر الجرائم السياسية أفظع وأبشع أنواع الجرائم على الإطلاق... لأنها غالباً ما تلحق أذى رهيباً بآلاف الناس، ولا يقتصر ضررها على فرد أو أفراد، حال الجرائم العادية. أما «الخطايا»، وهي جمع «خطيئة»، فتعني: ارتكاب فرد أو مجموعة، أو دولة، جريمة كبرى... في حق آخرين، وغالباً عبر العمد والترصد. إن الخطأ غالباً ما يكون غير متعمد. أما الخطيئة، ففي معظم الحالات تكون جرماً عظيماً متعمداً، ينزل ضرراً فادحاً -نسبياً- بضحايا كثر. وبالتالي، تعتبر الخطايا السياسية أشنع من الجرائم السياسية، وأفدح أنواع الخطايا... لأنها تنزل -في الغالب- أضراراً هائلة على آلاف، أو حتى ملايين البشر، ولفترات قد تمتد لعقود، وربما لقرون عدة.
وفي أغلب الحالات، تعتبر الديكتاتورية الجمهورية أكبر الكوارث العامة. إذ يرتكب الديكتاتوريون غالباً الكثير من الأخطاء والجرائم والخطايا في حق شعوبهم، وأممهم. ويقال: إن أغلب أقوال وأفعال معظم هؤلاء هي عبارة عن: جرائم وأخطاء وخطايا سياسية، يرتكبونها بـ«دم بارد»، وكإجراء طبيعي (عادي)... باعتبار استيلائهم على السلطة، وحكمهم بما يخدم مصالحهم الخاصة، ورغبتهم الجامحة في الاحتفاظ بالسلطة لما لا نهاية. وبالتالي، عملهم الدؤوب المتواصل لقمع وإسكات أي رفض، أو معارضة، لتسلطهم.
****
يجمع علماء السياسة، على أن الديكتاتورية الجمهورية شر مستطير على الشعوب التي تبتلى بها، وعلى بقية الدول، وخاصة المجاورة للديكتاتوريات، وأن هذا النوع من الحكومات لا يصلح إلا في حالات معدودة قليلة ومؤقتة. ويقولون: إن أفدح وأخطر أربع خطايا يرتكبها الرؤساء المستبدون ضد شعوبهم وأممهم، هي الخطايا الكبرى المدمرة الأربع المتتالية، التالية:
- الخطيئة الأولى: الاستيلاء على السلطة بالطرق الملتوية، والأساليب غير المشروعة، كالانقلاب والمؤامرات، وتزييف «الانتخابات»... وهي الخطيئة التي تمهد لحصول الخطايا الثلاث التالية. إذ تغتصب حق الشعوب في اختيار رؤسائهم خاصة... وتولي الرئاسة رغماً عن إرادة وموافقة غالبية الشعوب المعنية.
****
- الخطيئة الثانية: فرض صعوبة ودموية إزالة الرئيس الديكتاتور. فالنظام الجمهوري الديكتاتوري لا يقبل أن يرحل، بسلام، أو بعد انتهاء فترته «الدستورية»، بل ويعمل على البقاء في الحكم للأبد، أو لأطول فترة ممكنة... حتى أن معظم «الرؤساء» المستبدين أصبحوا يعملون على «توريث» مناصبهم لأبنائهم أو أصدقائهم. وفي سبيل «استدامة» التسلط، يعمل النظام الجمهوري الديكتاتوري كل ما بوسعه تحقيق هذه الغاية. فيسخِّر موارد وإمكانات ومقدرات البلد لخدمة هذا الهدف. ولا يتورع عن استخدام كل وسائل القمع والإرهاب الممكنة لتكريس تسلطه، واستعباد شعبه لما لا نهاية. وهذا ما يجعل أمر إزاحة هؤلاء باهظ التكلفة، ويتطلب الكثير من الجهد وسفك الدماء والتدمير.
إن رؤساء الجمهوريات الاستبدادية يعملون، بمجرد الانتهاء من ارتكاب الخطيئة الأولى، إلى ارتكاب الخطيئة الثانية... الأمر الذي يعني أن تولي هؤلاء السلطة هو بمثابة كارثة، واستمرارهم فيها كارثة، وإزاحتهم عنها كارثة أيضاً... تلحق بالشعوب الضحية، وتحيل حياتهم إلى بؤس، وإلى كابوس طويل، بالغ السوء والضرر.
****
- الخطيئة الثالثة: إن تحمُّل أي شعب لاستيلاء الرئيس الديكتاتور على السلطة فيه، وتجرع مرارة استمراره، وتكبد خسائر وجوده، لا يمكن أن يستمر للأبد. فغالباً ما يضطر الشعب للانتفاض -متى واتته الفرصة- بعد سنوات، أو عقود، والثورة، وتجشم الصعاب، واختراق المتاريس، والتضحية بالنفوس والأموال، بهدف التخلص من ذلك المستبد، وإنهاء تسلطه.
- الخطيئة الرابعة: فإن أزيح الرئيس، فإن على الشعب أن يواجه «الخطيئة الرابعة» البالغة الصعوبة، ويتغلب عليها أيضاً... حتى ينهي آثار ذلك الكابوس الرهيب، ويبدأ في ممارسة العيش الكريم، والحياة الطبيعية. ومواجهة هذه الخطيئة/ الصعوبة تعني: إنهاء النظام الرئاسي الديكتاتوري، والتمهيد لإقامة الوضع السياسي التمثيلي البديل، الذي تريده أغلبية الشعب.
فغالباً ما يختصر الرئيس المستبد الدولة في شخصه ونظامه، فيمنع قيام أي نوع من المؤسسات السياسية التي يمكن أن تضمن سير الحياة العامة بشكل منهجي، بصرف النظر عمن هم أشخاص السلطة العليا. حيث إن الرئيس الطاغية غالباً ما يرسي قاعدة «أنا ومن بعدي الطوفان»... وبحيث يجعل تكلفة إزاحته كأعلى ما تكون (نظام القذافي مثالاً).
ولا يمكن لأي شعب مواجهة هذه الخطيئة والتغلب عليها إلا إن توفرت له قيادة مؤقتة حكيمة، وتهيأت له ظروف (داخلية وخارجية) تحول دون وقوع ذلك البلد في دوامة الاضطراب والفوضى والحروب وعدم الاستقرار. وإن سبب وجود هذه العقبة (الخطيئة) هو الرئيس الديكتاتور.. الذي لا تنتهي شروره -عادةً- برحيله... فهو يتحمل -ولا شك- وزر ومسؤولية كل الخطايا، وكل تبعاتها... لأنه هو -ونظامه العميق- من ارتكبها، وتسبب في حدوثها ابتداءً، في حق شعبه وأمته.
****
ولنقف قليلاً عند العقبتين الثالثة والرابعة. فكي يزاح أي رئيس ديكتاتور، وتكتب نهايته، لابد من هبَّة، أو ثورة، شعبية مكثفة ضده. وذلك شرط أساسي في عملية التغيير السياسي هذه. قد تنجح هذه الهبَّة في نهاية المطاف، في إزاحة الرئيس، وتغيير النظام، إن أيد الجيش الهبَّة الشعبية، أو وقف على الحياد تجاهها (تونس 2011 مثالاً). أما إن وقف الجيش في صف الرئيس، فقد يسحق الهبَّة الشعبية، وينهي الصراع -مؤقتاً- لصالح الديكتاتور. وقد لا يتمكن الجيش من إنهاء تلك الهبَّة، فيستمر الصراع والحراب الأهلي، وقد ينتشر القتل والتدمير، ويسود الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار إلى أجل غير مسمى، وحتى «ينتصر» طرف، ويسيطر على السلطة (الصومال مثالاً هنا).
وفي بعض الحالات، قد يبادر بعض قادة الجيش، حتى دون وجود هبَّة شعبية مكثفة، لإزاحة الرئيس. وهنا نكون بصدد انقلاب على انقلاب (سوريا عام 1970م). إذ يستبدل ديكتاتور بآخر. وقد يستمرئ الانقلابيون الأمر، فيتمسكون بالسلطة، ويقيمون -بذلك- حكم قلة عسكرية، وهذا ما يحصل في الغالب. وقد يترجل الجيش لصالح حكم مدني منتخب (كما يريد الجزائريون والسودانيون الآن) فيدخل تاريخ بلاده، كقلة وطنية مخلصة ومصلحة.
وفي كل الأحوال، هناك دائماً صراع، خفي ومعلن، بين الرئيس الجمهوري المستبد، وبين شعبه، غالباً ما يحسمه الشعب أو الجيش، أو الشعب والجيش معاً. هذا إذا استبعدنا المؤثر الخارجي الفعال. لذلك، لا يمكن، في المدى الطويل، حصول استقرار سياسي حقيقي لأي بلد، في ظل حكم رؤساء الجمهوريات المستبدين.
* كاتب سعودي
تعتبر الجرائم السياسية أفظع وأبشع أنواع الجرائم على الإطلاق... لأنها غالباً ما تلحق أذى رهيباً بآلاف الناس، ولا يقتصر ضررها على فرد أو أفراد، حال الجرائم العادية. أما «الخطايا»، وهي جمع «خطيئة»، فتعني: ارتكاب فرد أو مجموعة، أو دولة، جريمة كبرى... في حق آخرين، وغالباً عبر العمد والترصد. إن الخطأ غالباً ما يكون غير متعمد. أما الخطيئة، ففي معظم الحالات تكون جرماً عظيماً متعمداً، ينزل ضرراً فادحاً -نسبياً- بضحايا كثر. وبالتالي، تعتبر الخطايا السياسية أشنع من الجرائم السياسية، وأفدح أنواع الخطايا... لأنها تنزل -في الغالب- أضراراً هائلة على آلاف، أو حتى ملايين البشر، ولفترات قد تمتد لعقود، وربما لقرون عدة.
وفي أغلب الحالات، تعتبر الديكتاتورية الجمهورية أكبر الكوارث العامة. إذ يرتكب الديكتاتوريون غالباً الكثير من الأخطاء والجرائم والخطايا في حق شعوبهم، وأممهم. ويقال: إن أغلب أقوال وأفعال معظم هؤلاء هي عبارة عن: جرائم وأخطاء وخطايا سياسية، يرتكبونها بـ«دم بارد»، وكإجراء طبيعي (عادي)... باعتبار استيلائهم على السلطة، وحكمهم بما يخدم مصالحهم الخاصة، ورغبتهم الجامحة في الاحتفاظ بالسلطة لما لا نهاية. وبالتالي، عملهم الدؤوب المتواصل لقمع وإسكات أي رفض، أو معارضة، لتسلطهم.
****
يجمع علماء السياسة، على أن الديكتاتورية الجمهورية شر مستطير على الشعوب التي تبتلى بها، وعلى بقية الدول، وخاصة المجاورة للديكتاتوريات، وأن هذا النوع من الحكومات لا يصلح إلا في حالات معدودة قليلة ومؤقتة. ويقولون: إن أفدح وأخطر أربع خطايا يرتكبها الرؤساء المستبدون ضد شعوبهم وأممهم، هي الخطايا الكبرى المدمرة الأربع المتتالية، التالية:
- الخطيئة الأولى: الاستيلاء على السلطة بالطرق الملتوية، والأساليب غير المشروعة، كالانقلاب والمؤامرات، وتزييف «الانتخابات»... وهي الخطيئة التي تمهد لحصول الخطايا الثلاث التالية. إذ تغتصب حق الشعوب في اختيار رؤسائهم خاصة... وتولي الرئاسة رغماً عن إرادة وموافقة غالبية الشعوب المعنية.
****
- الخطيئة الثانية: فرض صعوبة ودموية إزالة الرئيس الديكتاتور. فالنظام الجمهوري الديكتاتوري لا يقبل أن يرحل، بسلام، أو بعد انتهاء فترته «الدستورية»، بل ويعمل على البقاء في الحكم للأبد، أو لأطول فترة ممكنة... حتى أن معظم «الرؤساء» المستبدين أصبحوا يعملون على «توريث» مناصبهم لأبنائهم أو أصدقائهم. وفي سبيل «استدامة» التسلط، يعمل النظام الجمهوري الديكتاتوري كل ما بوسعه تحقيق هذه الغاية. فيسخِّر موارد وإمكانات ومقدرات البلد لخدمة هذا الهدف. ولا يتورع عن استخدام كل وسائل القمع والإرهاب الممكنة لتكريس تسلطه، واستعباد شعبه لما لا نهاية. وهذا ما يجعل أمر إزاحة هؤلاء باهظ التكلفة، ويتطلب الكثير من الجهد وسفك الدماء والتدمير.
إن رؤساء الجمهوريات الاستبدادية يعملون، بمجرد الانتهاء من ارتكاب الخطيئة الأولى، إلى ارتكاب الخطيئة الثانية... الأمر الذي يعني أن تولي هؤلاء السلطة هو بمثابة كارثة، واستمرارهم فيها كارثة، وإزاحتهم عنها كارثة أيضاً... تلحق بالشعوب الضحية، وتحيل حياتهم إلى بؤس، وإلى كابوس طويل، بالغ السوء والضرر.
****
- الخطيئة الثالثة: إن تحمُّل أي شعب لاستيلاء الرئيس الديكتاتور على السلطة فيه، وتجرع مرارة استمراره، وتكبد خسائر وجوده، لا يمكن أن يستمر للأبد. فغالباً ما يضطر الشعب للانتفاض -متى واتته الفرصة- بعد سنوات، أو عقود، والثورة، وتجشم الصعاب، واختراق المتاريس، والتضحية بالنفوس والأموال، بهدف التخلص من ذلك المستبد، وإنهاء تسلطه.
- الخطيئة الرابعة: فإن أزيح الرئيس، فإن على الشعب أن يواجه «الخطيئة الرابعة» البالغة الصعوبة، ويتغلب عليها أيضاً... حتى ينهي آثار ذلك الكابوس الرهيب، ويبدأ في ممارسة العيش الكريم، والحياة الطبيعية. ومواجهة هذه الخطيئة/ الصعوبة تعني: إنهاء النظام الرئاسي الديكتاتوري، والتمهيد لإقامة الوضع السياسي التمثيلي البديل، الذي تريده أغلبية الشعب.
فغالباً ما يختصر الرئيس المستبد الدولة في شخصه ونظامه، فيمنع قيام أي نوع من المؤسسات السياسية التي يمكن أن تضمن سير الحياة العامة بشكل منهجي، بصرف النظر عمن هم أشخاص السلطة العليا. حيث إن الرئيس الطاغية غالباً ما يرسي قاعدة «أنا ومن بعدي الطوفان»... وبحيث يجعل تكلفة إزاحته كأعلى ما تكون (نظام القذافي مثالاً).
ولا يمكن لأي شعب مواجهة هذه الخطيئة والتغلب عليها إلا إن توفرت له قيادة مؤقتة حكيمة، وتهيأت له ظروف (داخلية وخارجية) تحول دون وقوع ذلك البلد في دوامة الاضطراب والفوضى والحروب وعدم الاستقرار. وإن سبب وجود هذه العقبة (الخطيئة) هو الرئيس الديكتاتور.. الذي لا تنتهي شروره -عادةً- برحيله... فهو يتحمل -ولا شك- وزر ومسؤولية كل الخطايا، وكل تبعاتها... لأنه هو -ونظامه العميق- من ارتكبها، وتسبب في حدوثها ابتداءً، في حق شعبه وأمته.
****
ولنقف قليلاً عند العقبتين الثالثة والرابعة. فكي يزاح أي رئيس ديكتاتور، وتكتب نهايته، لابد من هبَّة، أو ثورة، شعبية مكثفة ضده. وذلك شرط أساسي في عملية التغيير السياسي هذه. قد تنجح هذه الهبَّة في نهاية المطاف، في إزاحة الرئيس، وتغيير النظام، إن أيد الجيش الهبَّة الشعبية، أو وقف على الحياد تجاهها (تونس 2011 مثالاً). أما إن وقف الجيش في صف الرئيس، فقد يسحق الهبَّة الشعبية، وينهي الصراع -مؤقتاً- لصالح الديكتاتور. وقد لا يتمكن الجيش من إنهاء تلك الهبَّة، فيستمر الصراع والحراب الأهلي، وقد ينتشر القتل والتدمير، ويسود الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار إلى أجل غير مسمى، وحتى «ينتصر» طرف، ويسيطر على السلطة (الصومال مثالاً هنا).
وفي بعض الحالات، قد يبادر بعض قادة الجيش، حتى دون وجود هبَّة شعبية مكثفة، لإزاحة الرئيس. وهنا نكون بصدد انقلاب على انقلاب (سوريا عام 1970م). إذ يستبدل ديكتاتور بآخر. وقد يستمرئ الانقلابيون الأمر، فيتمسكون بالسلطة، ويقيمون -بذلك- حكم قلة عسكرية، وهذا ما يحصل في الغالب. وقد يترجل الجيش لصالح حكم مدني منتخب (كما يريد الجزائريون والسودانيون الآن) فيدخل تاريخ بلاده، كقلة وطنية مخلصة ومصلحة.
وفي كل الأحوال، هناك دائماً صراع، خفي ومعلن، بين الرئيس الجمهوري المستبد، وبين شعبه، غالباً ما يحسمه الشعب أو الجيش، أو الشعب والجيش معاً. هذا إذا استبعدنا المؤثر الخارجي الفعال. لذلك، لا يمكن، في المدى الطويل، حصول استقرار سياسي حقيقي لأي بلد، في ظل حكم رؤساء الجمهوريات المستبدين.
* كاتب سعودي