استيقظ فزعاً وقفز كأنه يتفادى الطائرة الحربية الأمريكية التي انطلقت من قاعة العديد للتو ومرت فوق قصره، مصدرةً صوتاً مجلجلاً، ظنّ أنها النهاية، كما يظن صبيحة كل يوم، وكما يرى في أحلامه وكوابيسه كل ليلة، يتعالى صوت إطلاق النار، يقبضون على حراسه، يدخلون غرفته، يكبلونه ويقتادونه إلى السجن!
عدّل الأمير المرعوب من جلسته وراح يسترجع ما حلم به الليلة، كان مشوشا، اختلطت عليه الوقائع والورطات التي ساقت بلاده إلى عزلة موحشة. حلّ الفجر، سمع صوتاً يقرأ تبت يدا أبي لهب وتب، ثمّ.. حمالة الحطب، تذكر أمه وأباه، تذكر كل ما فعلوه به، وكيف جعلوه مهزوزاً مرعوباً ذليلاً، تنهد، نظر حوله، سمع صوت تكبير، إنها تكبيرات عيد الفطر، فقال لنفسه: بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ؟
تذكر بالأمس كيف شاركت بلاده في قمم مكة، وكيف تحدث مع مجلس الحكم لديه، بأنه سيذهب، وكيف ثاروا عليه، وهددوه، وحين أرسلوا رئيس وزرائه، عادوا وانقلبوا على البيان الختامي، حسب ما جاءهم من أوامر من الفرس والأتراك..!
تصاعد صوت تكبيرات العيد، وقف متعباً مرهقاً، سأل نفسه: هل يمكنني أن أرسل برقية إلى الملك وأبارك له العيد؟ قد تكون هذه فرصتي الأخيرة للعودة من طريق الهاوية، والتخلص من تركة «أبي لهب» التي ورثتها رغماً عني! شعر بالخوف والضعف، وأدرك أنه مسلوب الإرادة ولا يستطيع أن يأخذ قراراً صغيراً دون موافقتهم جميعاً، تخيل مجلس الحكم يقفون صفاً واحداً يصرخون بوجهه ويوبخونه، فتراجع متردداً مهزوماً.
بالأمس، تعمد مستشاره «الصهيوني» أن يشاهد حلقات من مسلسل العاشق، وكيف بدا «المقتدر بالله» مسلوب الإرادة مثله، أمه وخالته وخاله وجواري القصر يحكمون الدولة العباسية الهشة، قال المستشار الأحمق، الذي ورثه أيضاً مع التركة: انظر ماذا ينتجون، إنهم يقصدونك، يظنون أننا لا نعرف ماذا يفعلون! فنظر إليه نظرة حانقة وقال في نفسه: والله إنك أنت الذي لا تدري ماذا تفعل، وكل ما نحن فيه من مصائب بسببك وبسبب «شيخ الفتنة» الذي شرّع القتل والإرهاب.
اتجه الأمير المرتعب نحو المرآة، نظر إلى نفسه وسأل: لماذا لا أستطيع توجيه هذا الكلام لهذا المستشار ولشيخ الفتنة ولوالدي وابن خاله الخبيث ولكل مجلس الحكم؟ هل السبب أنهم وضعوني في هذه الحالة بقصد إذلالي لتسهل السيطرة عليّ؟!
يكفي ذلاً، قال الأمير المرتجف لنفسه، وراح يستذكر كل اللحظات المهينة التي تعرض ويتعرض لها يومياً، تذكر يوم استدعاه السلطان العثماني للحضور، وحين وصل هناك، استقبله وزير طاقة، ولم يحظ بالبروتوكولات الرئاسية، وتذكر اللحظة الأشد إهانة حين هرول خلفه كموظف صغير، وكيف تلذذت الكاميرات بالتقاط صور الذل لنشرها في الصحف العالمية، يومها امتُهنت كرامته نهائياً، حاول أن يبرر لكنه لم يجد أي تبرير لتلك الإهانة، سوى رغبة مجلس الحكم بذلك، دخل في صراع مع ذاته وفهم أنه عاجز وعقيم، خجل من نفسه ومن شعبه، يومها راودته فكرة الرحيل عن العرش المتهاوي، لكن «حمالة الحطب» هاجمته بضراوة وقالت له «إن التراجع معناه الموت».
تراجع، اتجه نحو الشرفة، رأى عدداً كبيراً من الجنود الغرباء يملأون حديقة قصره، تمنى لو أنهم يختفون جميعهم ويبقى وحيداً، فكر أنه لا يريد الذهاب إلى صلاة العيد، ثم تذكّر أنه لا يمتلك هذا القرار أيضاً، ابتسم ساخراً من نفسه وحاله، فجأة دخل عليه الخادم وناوله كوباً يعلم ما فيه من مواد، تجرعه بسرعة، انتفض، ولعبت نشوة الخبث في رأسه الصغير.
* روائية وباحثة سياسية إماراتية
عدّل الأمير المرعوب من جلسته وراح يسترجع ما حلم به الليلة، كان مشوشا، اختلطت عليه الوقائع والورطات التي ساقت بلاده إلى عزلة موحشة. حلّ الفجر، سمع صوتاً يقرأ تبت يدا أبي لهب وتب، ثمّ.. حمالة الحطب، تذكر أمه وأباه، تذكر كل ما فعلوه به، وكيف جعلوه مهزوزاً مرعوباً ذليلاً، تنهد، نظر حوله، سمع صوت تكبير، إنها تكبيرات عيد الفطر، فقال لنفسه: بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ؟
تذكر بالأمس كيف شاركت بلاده في قمم مكة، وكيف تحدث مع مجلس الحكم لديه، بأنه سيذهب، وكيف ثاروا عليه، وهددوه، وحين أرسلوا رئيس وزرائه، عادوا وانقلبوا على البيان الختامي، حسب ما جاءهم من أوامر من الفرس والأتراك..!
تصاعد صوت تكبيرات العيد، وقف متعباً مرهقاً، سأل نفسه: هل يمكنني أن أرسل برقية إلى الملك وأبارك له العيد؟ قد تكون هذه فرصتي الأخيرة للعودة من طريق الهاوية، والتخلص من تركة «أبي لهب» التي ورثتها رغماً عني! شعر بالخوف والضعف، وأدرك أنه مسلوب الإرادة ولا يستطيع أن يأخذ قراراً صغيراً دون موافقتهم جميعاً، تخيل مجلس الحكم يقفون صفاً واحداً يصرخون بوجهه ويوبخونه، فتراجع متردداً مهزوماً.
بالأمس، تعمد مستشاره «الصهيوني» أن يشاهد حلقات من مسلسل العاشق، وكيف بدا «المقتدر بالله» مسلوب الإرادة مثله، أمه وخالته وخاله وجواري القصر يحكمون الدولة العباسية الهشة، قال المستشار الأحمق، الذي ورثه أيضاً مع التركة: انظر ماذا ينتجون، إنهم يقصدونك، يظنون أننا لا نعرف ماذا يفعلون! فنظر إليه نظرة حانقة وقال في نفسه: والله إنك أنت الذي لا تدري ماذا تفعل، وكل ما نحن فيه من مصائب بسببك وبسبب «شيخ الفتنة» الذي شرّع القتل والإرهاب.
اتجه الأمير المرتعب نحو المرآة، نظر إلى نفسه وسأل: لماذا لا أستطيع توجيه هذا الكلام لهذا المستشار ولشيخ الفتنة ولوالدي وابن خاله الخبيث ولكل مجلس الحكم؟ هل السبب أنهم وضعوني في هذه الحالة بقصد إذلالي لتسهل السيطرة عليّ؟!
يكفي ذلاً، قال الأمير المرتجف لنفسه، وراح يستذكر كل اللحظات المهينة التي تعرض ويتعرض لها يومياً، تذكر يوم استدعاه السلطان العثماني للحضور، وحين وصل هناك، استقبله وزير طاقة، ولم يحظ بالبروتوكولات الرئاسية، وتذكر اللحظة الأشد إهانة حين هرول خلفه كموظف صغير، وكيف تلذذت الكاميرات بالتقاط صور الذل لنشرها في الصحف العالمية، يومها امتُهنت كرامته نهائياً، حاول أن يبرر لكنه لم يجد أي تبرير لتلك الإهانة، سوى رغبة مجلس الحكم بذلك، دخل في صراع مع ذاته وفهم أنه عاجز وعقيم، خجل من نفسه ومن شعبه، يومها راودته فكرة الرحيل عن العرش المتهاوي، لكن «حمالة الحطب» هاجمته بضراوة وقالت له «إن التراجع معناه الموت».
تراجع، اتجه نحو الشرفة، رأى عدداً كبيراً من الجنود الغرباء يملأون حديقة قصره، تمنى لو أنهم يختفون جميعهم ويبقى وحيداً، فكر أنه لا يريد الذهاب إلى صلاة العيد، ثم تذكّر أنه لا يمتلك هذا القرار أيضاً، ابتسم ساخراً من نفسه وحاله، فجأة دخل عليه الخادم وناوله كوباً يعلم ما فيه من مواد، تجرعه بسرعة، انتفض، ولعبت نشوة الخبث في رأسه الصغير.
* روائية وباحثة سياسية إماراتية