السماح بفعل اجتماعي –أياً كان ذلك الفعل- دون وضع ضوابط وقواعد تنظمه قبل السماح به، تُعتبر خطوة أشبه بالفوضى الخلاقة. وهذه تحدث في حالة أن يكون الفعل جديداً –بشكل مطلق- ونتائجه غير معروفة مسبقاً. ولكن في حالة معرفة الفعل والنتائج، يجب أن توضع له ضوابط وقواعد من البداية. على سبيل المثال، عندما تم السماح للسيدات بقيادة السيارات، تم وضع القواعد والقوانين المنظمة له مسبقاً.. وبعناية.. ولم يترك الفعل للفوضى الخلاقة. الغناء في المطاعم تم السماح به.. ولكن، على العكس، لم توضع له القوانين والأنظمة الكافية. ربما تحديد أوقات الفقرات الغنائية تعتبر خطوة تنظيمية جيدة، ولكنها لا يجب أن تكون الوحيدة. أولاً المطرب يجب أن يكون متخصصاً ودارساً.. بمعيار الحد الأدنى. فحسب الواقع، اكتفت معظم المطاعم بالذائقة الشعبوية والمعيار المنخفض.. وربما استخدمت أحد منسوبيها للقيام بالدور.. فتبدو الفقرة وكأنها كوميديا سوداء. المهم مطرب. إضافة إلى التغاضي عن كثير من مقومات (الغناء في مطعم). من عناصر الغناء الحي في مطعم، على سبيل، أن يتم تحديد مستوى صوت السماعات.. حسب مقاييس عالمية -يعرفها المتخصصون- حتى لا تؤذي آذان المستمعين، وتحديد الحد الأدنى لنوع تلك السماعات.. ونوع المايكروفون المستخدم. هذه أولويات لا يجب التغاضي عنها وإلا فسدت الذائقة.. وتلاشت المتعة.. إن وجدت أصلا. ما تقدمه بعض المطاعم من فقرات غنائية أشبه بالطعام المسمّم.. على شكل سماع مسمّم. يشبّه أحد الكتاب الإنجليز الغناء الرديء في المطاعم -وهي مشكلة تواجهها لندن أيضا- بلحظات استرخاء على شاطئ البحر وقت الغروب في هدوء تام وسماع صوت الأمواج المتناغم، وفجأة يأتي مجموعة من المراهقين يتضاحكون ويتراقصون ويصيحون بطريقة هستيرية تفسد جو المكان ومتعة اللحظة. الصوت المرتفع مزعج بامتياز.. رغم أن المغنين يحبونه عاليا لأنه يخفي سوءة الصوت ونشازه. فالصوت السيئ يصبح أفضل كثيرا.. والنشاز يضيع دمه بين السماعات. ما يجب أن يعرفه أصحاب المطاعم هو أن السماح بالغناء في المطاعم لا يعني الإلزام.. فالناس تذهب للمطعم لتأكل أكلا جيدا مع صحبة أصدقاء أو أقارب.. ويتبادلون الأحاديث اليومية والأخبار الخاصة.. هذه هي الأولوية.. وليس سماع الغناء.. خصوصا لو كان رديئا. مطعم يقدم أكلا جيدا بدون غناء.. أفضل ألف مرة من مطعم يقدم أكلا جيدا وغناء رديئا.. جلوس في مطعم -كهذا الأخير- ليس متعة. الغناء في المطاعم لابد له من ضوابط وأنظمة وقواعد. ملاحظة مسبقة الدفع: عبارة (من لا يُعجبه.. لا يذهب).. هي جملة الضعفاء من أصحاب الفوضى الخلاقة.
* كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com
* كاتب سعودي
anmar20@yahoo.com