رجال أعمال وتجار وصناع كبار وصغار معرضون لمواجهة أزمات مالية وعواصف اقتصادية قد تؤدي بهم للسجن في أقصى عقوبتها، وهي عقوبة منصوص عليها في الأنظمة والقوانين التجارية التي وضعها المشرع لحماية الحقوق والمحافظة على سلامة البيع والشراء الآجل والتمويل والاقتراض، ولولا هذه الضوابط لانعدمت الثقة في التعامل بين التجار والممولين والمقترضين؛ سواء أكان اقتراضاً مالياً أو سحب بضائع ومواد خام على الحساب الآجل، أو أموالاً مدفوعة للاستثمار من مودعين لدى أحد المستثمرين بدون ترسيم هذه الاستثمارات من الأجهزة المعنية في الدولة؛ مثل إنشاء صناديق استثمارية غير مسجلة نظاما أو مرخص لأصحابها لإنشائها، ورغم قناعتي بأهمية تطبيق النظام الخاص بالجزاءات، وعلى وجه الخصوص نظام الشيكات المرتجعة لعدم وجود رصيد، وإن كان هذا النظام قد حمى الشيكات السعودية من التلاعب وأعاد ثقة التعامل بها، إلا أن البعض استخدمها وسيلة لتصيد أخطاء الآخرين، حيث فرض على البعض كتابة الشيك رغم علمهم بعدم وجود رصيد يغطي قيمة هذا الشيك؛ وهو إجراء غير نظامي وإنما أخذت كضمان للسداد الآجل، ويقدمها الطرف الآخر قبل أوانها لإصدار أمر تنفيذ يحتفظ به الدائن، وهو أمر، وإن كان يجيزه النظام، إلا أنه استهداف مبكر لسوء نية مبطنة ويحصل في النهاية على أمر التنفيذ بالدفع أو السجن. ورغم أنني أحترم النظام وأطالب بتطبيقه، إلا أنني أتمنى أن يعاد النظر في طريقة التطبيق، وأحمد الله أنه مؤخرا اتخذت السجون في المملكة طريقة وأسلوباً حضارياً في التعامل مع سجناء الحقوق المالية وعلى وجه الخصوص مع المساجين من رجال الأعمال، ويعود الفضل في هذا لسمو وزير الداخلية ولمدير عام السجون في المملكة، حيث أحدث نقلة نوعية وفريدة من نوعها في سجون المملكة، حيث تم الفصل بين مساجين القضايا الجنائية ومساجين الديون من رجال الأعمال، والحقيقة من غير المنطق واللائق وضع جميع المساجين؛ سواء قضايا جنائية مثل قتل ومخدرات وقضايا أخلاقية مع مساجين الديون من رجال الأعمال وهم أشخاص غير مجرمين وقعوا في أخطاء أو واجهوا كوارث مالية واقتصادية سواءً إفلاس أو تعثر لأي سبب من الأسباب وانتهى بهم الحال للسجن، وكثير منهم من أبناء عوائل محترمة وقبائل أصيلة، والإفلاس أو الانهيار المالي والتجاري معرض له أي رجل أعمال كبير أو صغير، وأحمد الله بعد قرار مدير عام السجون أصبح لرجال الأعمال المسجونين مكتب خاص بهم يستطيعون مزاولة أعمالهم التجارية ومتابعة حقوقهم من مكاتب مجهزة بوسائل التواصل على مدار الساعة لمباشرة ومتابعة أعمالهم وإعطائهم جوالاتهم الشخصية وتأمين أجهزة كومبيوتر وخدمات الإنترنت، وهذا هو الإجراء الصحيح والحضاري لأنه في الماضي يوضع سجين المال في السجن العام ويحرم من التواصل مع أي أحد من شركته وتحكم الرقابة على اتصالاته حتى يلجأ بعضهم لاستخدام جوالات مهربة للسجون للتواصل مع موظفيه لتوجيههم في متابعة أعماله، وهو إجراء كان فيه إجحاف على رجال الأعمال، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يزاولون أعمالهم بأنفسهم، والأصعب والأمرّ هو رحلة حضور السجين من السجن للمحكمة مع حراسة مشددة وهو مكبل اليدين والرجلين بكلبشات وقيود أمام ملأ الحضور، ولا تخلو المحاكم من المعارف والأصدقاء والمراجعين ليروا هذا المنظر المؤثر عليهم والمدمّر لنفسية رجال الأعمال سجناء الديون المالية وأبنائهم وذويهم. ولو جاز لي الاقتراح لطلبت من المدعي العام فك أسر سجناء الديون بعد وضع الإسورة الأمنية التي تحدد موقعه وحركة تنقلاته وتسمح له بالعودة بمزاولة عمله أو متابعة عمله وحقوقه عند الغير وإلزامه بالحضور للمحكمة وقت طلبه، وأجزم أنه لا يجرؤ أحد الهروب من الجهات الأمنية أو الهروب خارج الدولة، لأن وسائل الرصد والتحفظ عليه في العصر الحديث عديدة ومتطورة. وحتى يطبق نظام (الأساور الأمنية) أتمنى أن ترفع السلاسل من أيدي وأرجل رجال الأعمال المسجونين عند الذهاب للمحكمة للمرافعة ومقابلة القاضي أو مراجعة المستشفيات. وكما أسلفت أن هناك تطورا كبيرا في الأنظمة والقوانين واللوائح القضائية التنفيذية، وهناك تطور في السجون بصفة عامة ولرجال الأعمال بصفة خاصة بعد فصلهم وتأمين جميع وسائل التواصل والعمل لهم من مباني سجون متخصصة وحديثة ولائقة حتى لزيارة أهاليهم وذويهم. علما بأن نظام الأساور الأمنية قد صدر ولم يبق سوى سرعة تطبيقه، ورغم صدور تعديل اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ الذي أتى ليعالج بعض حالات الحبس ويجعل حبس المدين ضمن صلاحيات قاضي التنفيذ وداخل سلطته التقديرية فيما عدا الحالات المنصوص عليها في تعديل المواد التنفيذية للمادة (83) من النظام وهو قرار تشكر عليه وزارة العدل ويؤكد تفهمها واطلاعها المباشر على العديد من الحالات الإنسانية لسجناء الشريحة الثانية (شريحة الديون الاستهلاكية) إلا أن هذا التعديل غير منفذ كثيراً لكثرة أحكام السجن فيها.
* كاتب اقتصادي سعودي
* كاتب اقتصادي سعودي