-A +A
عبدالرحمن الجديع
في ضوء التطورات المتسارعة للأزمات المتتالية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، والتي تضاعفت بعد الأحداث التي واكبت ما بات يعرف اصطلاحاً بالربيع العربي منذ عام 2011، أصبحت دول المنطقة في مواجهة تحديات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار والسلام فيها، خصوصاً أنّ هذه التطورات ما فتئت تتجدد من منطلق المكانة والاعتبارات الجيوسياسية والإستراتيجية لهذه المنطقة الحيوية من العالم.

وبمتابعة هذه التطورات يلاحظ المراقب بروز مقاربات وأنساق جديدة وجهود دولية للتفاعل مع هذه الأحداث، لعل من أبرزها تدخل اليابان مؤخراً في الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، في إطار ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية preventive diplomacy وهي وجه من أوجه الدبلوماسية المعاصرة التي تشتمل على جميع الإجراءات والمساعي السلمية لحل المنازعات الدولية، ومنع تصعيد الأزمات القائمة، وينسحب ذلك على كافة الإجراءات الوقائية البنيوية للصراعات الكامنة.


لقد رأى النظام الإيراني في التدخل الياباني فرصة سانحة لحلحلة الأمور، لاسيما أنّ اليابان محط ثقة الولايات المتحدة، وتتمتع وترتبط بعلاقة متينة واستثنائية معها، وهي فرصة تعوّل عليها طهران بالرغم من مكابرتها ومحاولة لعب دور التصدي والوقوف أمام السياسة الأمريكية التي تحاول احتواء إيران وردعها بعد قرار الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. أضف إلى ذلك سعي الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران لكبح برنامجها النووي، والحد من الصواريخ البالستية، ومنعها من التدخل في شؤون الآخرين، ودعمها للإرهاب والمليشيات الخارجة عن القانون.

أضحى معروفاً للقاصي والداني أنّ الممارسات الإيرانية تمثل سياسات غير ودية في محيطها، وتتناقض مع المبادئ والأعراف الدبلوماسية وقواعد حسن الجوار، سواء من حيث التدخلات السافرة والمستمرة في شؤون المنطقة الخليجية، أو تصدير أفكار الثورة الخمينية العقيمة، أو تسليح الجماعات الإرهابية التخريبية لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

ومثل هذه الممارسات الشنيعة تترجم، بلا ريب، أبعاد السياسة الإيرانية والنوايا الظاهرة والمبيتة لها، وهو ما لا يمكن أن يؤدي إلى تنمية المصالح المشتركة بين نظام الملالي وبين جيرانه، ولا حتى بينه وبين شعبه الذي يذوق الأمرّين ويدفع أثماناً باهظة بسبب سياسات قادته الهوجاء المتغطرسة.

على إيران إدراك أنّ سعيها لتوظيف الدبلوماسية اليابانية دون تقديم تنازلات جذرية لن يحقق الأهداف التي تعول عليها، وربما قام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بمصارحة الإيرانيين بهذه الأمور خلال زيارته طهران ومقابلة الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي. هذه الزيارة تعد الأولى منذ السبعينات، وتأتي، كما هو معلن، بهدف تخفيف حدة التوتر، والعمل على تعزيز فرص الحوار بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، حيث يحاول اليابانيون ومن قبلهم الألمان، وبعض الدول في العالم، تأمين سلّم لإنزال القادة الإيرانيين عن الشجرة، وإخراجهم من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه بسبب تعنتهم وتهورهم، وهي محاولات تهدف في مجملها لإيجاد صيغة حل دبلوماسي للأزمة القائمة، وتجنيب المنطقة ويلات التوتر ودقّ طبول الحرب.

الظروف الراهنة في المنطقة تؤكد خطورة الأوضاع، لا سيما بعد التطورات الأخيرة والاعتداء، صباح الخميس، على ناقلتي نفط يابانية ونرويجية في ثاني حادثة خطيرة من نوعها خلال شهر تتعرض فيها ناقلات نفط لهجوم قرب مضيق هرمز الإستراتيجي، الذي يمر عبره خُمس النفط في العالم.

مساعي الدبلوماسية الوقائية تتميز باحتواء النزاعات، والتوسط، والتفاعل الإيجابي والبنّاء مع الأحداث، ووجود مبادرات تقوم بها قيادات فاعلة وشخصيات دولية مهمة لمعالجة المشاكل وحلحلة الأزمات، وإبعاد المنطقة عن حافة الحرب والدمار، ومعالجة الأزمات بأسلوب الحكمة والتبصر، لا الصلف والاستكبار والعنجهيات الفارغة.

* كاتب سعودي