حاولت جاهدًا أن أحسن النيّة حيال الحجج الواهية التي ساقها البعض، وهم ينهالون بالنقد على المسلسل الاجتماعي «العاصوف»، والذي عُرض في شهر رمضان الفارط، فجل نقدهم ارتكز على عرض المسلسل لحادثة اقتحام الحرم المكي الشريف من قبل الهالك جهيمان وزمرته الباغية، فذهب بعضهم إلى أن استعادة تلك الحادثة للذاكرة، إيقاظ للفتنة، وتشنيع بزمرة من «أهل السنة والجماعة»، وتلبيس الباطل بالصحوة، ولا جدوى ترجى من ذلك بزعمهم المتخلف!!
وكل هذا الذي ذكر ينطوي على مخاتلات خطيرة، ويضمر وعيًا زائفًا، ويستند إلى منطق مثقوب، ويستدر عطفًا ملغومًا.. فذهابهم إلى القول بإيقاظ الفتنة عبر تجسيد تلك الحادثة البشعة والمقيتة في عمل درامي، قول مرسل بغير هدًى، ولو كان في استعادة الأحداث إيقاظ للفتن على النحو الذي يشير إليه المنتقدون، لكان التاريخ بكل أسفاره أول موقظ للفتنة، ألم يسجل التاريخ في أضابيره وذاكرته من الفتن التي جرت بين المسلمين في العصر الأوّل من الإسلام، ناهيك عن العصور الأخرى، ما كان حريًّا بالستر والكتمان، على مذهب المنتقدين، ودونكم حادثة الجمل، والحروب التي دارت بين علي ومعاوية، ومقتل الخليفة عثمان وغيرها، فسطور التاريخ ممتلئة بفتن وإحن ومصائب يشيب لها الولدان، فهل نقول إن تدوينها ونشرها ضرب من «إيقاظ الفتنة»، وهل قراءتها واستعادتها في مجالس الذكر والدرس تأتي من هذا القبيل..؟! لا أظن أن عاقلاً يقول بمثل هذه الترهات والأباطيل، فالكل مجمع على أن وقائع التاريخ - بخيرها وشرها - تمثل إحدى حالتين: إما نموذج وضيء حاث على الاحتذاء والتأسي، أو حدث أليم باعث على العبرة واتخاذ الحيطة والحذر حاضرًا ومستقبلاً، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا عبر دراسة معمقة للأحداث وقراءة بصيرة، ودخول إلى حضرة التاريخ بغير فكر مؤدلج سلفًا، أو قلب منحاز بخصائص الميل العاطفي السلبي، فكلتا الحالتين لن تفضيا إلا إلى نتائج كارثية، وتزوير للتاريخ، أو محاولة كتابته بمداد الهوى والغرض البغيض.. وعليه فإن تجسيد المكتوب في عمل درامي لا يعدو أن يكون تنويعًا في أشكال التسجيل والتوثيق، طالما التزم العمل الدرامي الحقيقة، بل إن العمل الدرامي في عصرنا الحاضر الأكثر تأثيرًا وانسجامًا مع الذوق العام ومتطلباته، وهو الأقدر على ترسيخ التاريخ في قلوب الناشئة، بخاصة أن أغلب الناس قد انصرفوا عن قراءة التاريخ، وليت وزارة التعليم تتفطن إلى دور الدراما، فتدرجها ضمن وسائل إيصال المعلومات، لعظم أثرها، وسرعة الاستجابة لها.
ومما يتصل أيضًا بموضوع «إثارة الفتنة»، فقد كان حريًا بمن يسوغون لهذا المنحى لأغراض خبيثة في نفوسهم أن ينظروا إلى الفتنة التي ما زال مجتمعنا يكتوي بها إلى يومنا هذا جراء هذه البذور الشيطانية التي أنتجت جهيمان وزمرته وما زالت تخرج لنا كل يوم ناعقًا ومارقًا ومتطرفًا، يتزيّا باسم الإسلام، ويعيث في الأرض فسادًا، ومن هذا الباب يتعاظم دور هذا المسلسل وعرضه في هذا التوقيت، وقد عقدت دولتنا الفتية العزم بقيادة ربانها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، على اجتثاث هذا الداء من جذوره، وتنظيف أرض بلادنا الطاهرة من بوائقه، وهي غاية تتطلب منّا جميعًا العون والسند، ويقف «العاصوف» اليوم ليعيد للذاكرة تلك البشاعة التي حدثت في أطهر البقاع، لندرك جميعًا مقدار التطرف والغلو والخطل الذي يتوطن نفوس هذه الجماعات ومشايعيها ومن يتعاطفون معها، وحتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم بإذن الله.
أما القول إن تلك الفئة المارقة هي من أهل السنة والجماعة، بما يستوجب الستر عليها، والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، فإنه قول ينطوي – في أحسن فرض وأعلى تقدير – على غفلة وسذاجة غير خليقة بذي رأي حصيف، وعقل منير مستنير، فإلى أي سنة وجماعة هذه ينتسب من يروّع الناس في الحرم الشريف، الذي من أولى وأسمى خصائصه الأمن والطمأنينة والسلامة لزائره والطائف في بيت الله الحرام، فهل من يسلب عن الحرم هذه الصفة الإلهية، ويروّع الناس فيه ويقتلهم، ينتسب للسنة والجماعة؟! ألم يقل الله؛ جلّ وعزّ: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم»، إن مثل هذه الغفلة والسذاجة هي التي مكّنت للفكر المتطرف أن يأخذ «راحته» في مجتمعنا، ويطلق حناجره بيننا دون رادع يردعه في ما سلف، فقد وفّرنا له من حسن النّية ما جرّأه علينا، فتجاوز كل الخطوط الحمراء، وعبث بمجتمعنا ونسيجه المتسامح، وشوّه صورة المملكة ردحًا من الزمن في المخيلة العالمية العامة، فمن الواجب علينا العمل بكل جد واجتهاد على مسح تلك الصورة الشائهة، وإظهار صورتنا الحقيقة، التي وسمت مجتمعنا في طبيعته المتسامحة إجمالاً، كغيره من شعوب الأرض. وعطلت مسيرته وقذفت في قلبه الرعب وحرمت عليه كل ما أحله الله لعباده.
إننا في مسيس الحاجة لأكثر من عمل درامي، يعيد لذواكرنا المثقوبة أحداث التاريخ التي سلفت، القريب منها والبعيد، لنستطيع قراءة حاضرنا بوعي، واستشراف مستقبلنا ببصيرة نافذة، وهذا لعمري عين ما يصبو إليه ويسعى ولي عهدنا القوي الأمين من خلال رؤيته الباصرة؛ رؤية المملكة 2030.
* كاتب سعودي
وكل هذا الذي ذكر ينطوي على مخاتلات خطيرة، ويضمر وعيًا زائفًا، ويستند إلى منطق مثقوب، ويستدر عطفًا ملغومًا.. فذهابهم إلى القول بإيقاظ الفتنة عبر تجسيد تلك الحادثة البشعة والمقيتة في عمل درامي، قول مرسل بغير هدًى، ولو كان في استعادة الأحداث إيقاظ للفتن على النحو الذي يشير إليه المنتقدون، لكان التاريخ بكل أسفاره أول موقظ للفتنة، ألم يسجل التاريخ في أضابيره وذاكرته من الفتن التي جرت بين المسلمين في العصر الأوّل من الإسلام، ناهيك عن العصور الأخرى، ما كان حريًّا بالستر والكتمان، على مذهب المنتقدين، ودونكم حادثة الجمل، والحروب التي دارت بين علي ومعاوية، ومقتل الخليفة عثمان وغيرها، فسطور التاريخ ممتلئة بفتن وإحن ومصائب يشيب لها الولدان، فهل نقول إن تدوينها ونشرها ضرب من «إيقاظ الفتنة»، وهل قراءتها واستعادتها في مجالس الذكر والدرس تأتي من هذا القبيل..؟! لا أظن أن عاقلاً يقول بمثل هذه الترهات والأباطيل، فالكل مجمع على أن وقائع التاريخ - بخيرها وشرها - تمثل إحدى حالتين: إما نموذج وضيء حاث على الاحتذاء والتأسي، أو حدث أليم باعث على العبرة واتخاذ الحيطة والحذر حاضرًا ومستقبلاً، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا عبر دراسة معمقة للأحداث وقراءة بصيرة، ودخول إلى حضرة التاريخ بغير فكر مؤدلج سلفًا، أو قلب منحاز بخصائص الميل العاطفي السلبي، فكلتا الحالتين لن تفضيا إلا إلى نتائج كارثية، وتزوير للتاريخ، أو محاولة كتابته بمداد الهوى والغرض البغيض.. وعليه فإن تجسيد المكتوب في عمل درامي لا يعدو أن يكون تنويعًا في أشكال التسجيل والتوثيق، طالما التزم العمل الدرامي الحقيقة، بل إن العمل الدرامي في عصرنا الحاضر الأكثر تأثيرًا وانسجامًا مع الذوق العام ومتطلباته، وهو الأقدر على ترسيخ التاريخ في قلوب الناشئة، بخاصة أن أغلب الناس قد انصرفوا عن قراءة التاريخ، وليت وزارة التعليم تتفطن إلى دور الدراما، فتدرجها ضمن وسائل إيصال المعلومات، لعظم أثرها، وسرعة الاستجابة لها.
ومما يتصل أيضًا بموضوع «إثارة الفتنة»، فقد كان حريًا بمن يسوغون لهذا المنحى لأغراض خبيثة في نفوسهم أن ينظروا إلى الفتنة التي ما زال مجتمعنا يكتوي بها إلى يومنا هذا جراء هذه البذور الشيطانية التي أنتجت جهيمان وزمرته وما زالت تخرج لنا كل يوم ناعقًا ومارقًا ومتطرفًا، يتزيّا باسم الإسلام، ويعيث في الأرض فسادًا، ومن هذا الباب يتعاظم دور هذا المسلسل وعرضه في هذا التوقيت، وقد عقدت دولتنا الفتية العزم بقيادة ربانها، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، على اجتثاث هذا الداء من جذوره، وتنظيف أرض بلادنا الطاهرة من بوائقه، وهي غاية تتطلب منّا جميعًا العون والسند، ويقف «العاصوف» اليوم ليعيد للذاكرة تلك البشاعة التي حدثت في أطهر البقاع، لندرك جميعًا مقدار التطرف والغلو والخطل الذي يتوطن نفوس هذه الجماعات ومشايعيها ومن يتعاطفون معها، وحتى لا تقوم لهم قائمة بعد اليوم بإذن الله.
أما القول إن تلك الفئة المارقة هي من أهل السنة والجماعة، بما يستوجب الستر عليها، والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، فإنه قول ينطوي – في أحسن فرض وأعلى تقدير – على غفلة وسذاجة غير خليقة بذي رأي حصيف، وعقل منير مستنير، فإلى أي سنة وجماعة هذه ينتسب من يروّع الناس في الحرم الشريف، الذي من أولى وأسمى خصائصه الأمن والطمأنينة والسلامة لزائره والطائف في بيت الله الحرام، فهل من يسلب عن الحرم هذه الصفة الإلهية، ويروّع الناس فيه ويقتلهم، ينتسب للسنة والجماعة؟! ألم يقل الله؛ جلّ وعزّ: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم»، إن مثل هذه الغفلة والسذاجة هي التي مكّنت للفكر المتطرف أن يأخذ «راحته» في مجتمعنا، ويطلق حناجره بيننا دون رادع يردعه في ما سلف، فقد وفّرنا له من حسن النّية ما جرّأه علينا، فتجاوز كل الخطوط الحمراء، وعبث بمجتمعنا ونسيجه المتسامح، وشوّه صورة المملكة ردحًا من الزمن في المخيلة العالمية العامة، فمن الواجب علينا العمل بكل جد واجتهاد على مسح تلك الصورة الشائهة، وإظهار صورتنا الحقيقة، التي وسمت مجتمعنا في طبيعته المتسامحة إجمالاً، كغيره من شعوب الأرض. وعطلت مسيرته وقذفت في قلبه الرعب وحرمت عليه كل ما أحله الله لعباده.
إننا في مسيس الحاجة لأكثر من عمل درامي، يعيد لذواكرنا المثقوبة أحداث التاريخ التي سلفت، القريب منها والبعيد، لنستطيع قراءة حاضرنا بوعي، واستشراف مستقبلنا ببصيرة نافذة، وهذا لعمري عين ما يصبو إليه ويسعى ولي عهدنا القوي الأمين من خلال رؤيته الباصرة؛ رؤية المملكة 2030.
* كاتب سعودي