«الحصان الراكض في البرية هل يعرف حجم البهجة التي أثارها في الغبار؟!» هذه العبارة للروائي والشاعر والتشكيلي الفلسطيني إبراهيم نصرالله، غرد د. سعد البازعي بهذه العبارة على صفحته في تويتر قبل أيام، وابتهج الدكتور من إعجاب الكثير بها وكأنها «بهجة مبهمة لدى البعض تشبه بهجة الغبار التي أثارها الحصان في البرية» بحسب تعبير البازعي، وذهب الدكتور إلى أبعد من ذلك عندما قرأ تلك البهجة بقوله «في تقديري أن البهجة في نص نصرالله حول الحصان تأتي من الغرابة في نسبة البهجة إلى الغبار، الغبار الذي اعتدنا أن نراه مزعجاً لاسيما حين يقارن بالحصان رمز الجمال عادة، الجمال هنا يأتي من جعل الغبار وليس الحصان مبتهجاً، وبهجة الغبار ناشئة عن انتشاله من خمول التربة إلى الأعالي».
قراءة الدكتور لتلك البهجة أضاءت لي الطريق وسط ذلك الغبارالكثيف لعلي أصل إلى بعض من تلك البهجة المنشودة، فقد حفزتني تلك القراءة الخاطفة للسؤال والبحث عن أي بهجة يثيرها ذلك الغبار؟ وحاولت أن أسلك طرقاً متعددة في محاولة للإمساك أو محاولة للإجابة لماذا كانت تلك العبارة مدهشة ومبهجة؟ وفي ركضنا خلف غبار صنعه حافر خيل يركض في برية فسيحة فيثير بدرامية حركته تلك بهجة في نفوس تنظر لذلك الخيط الرفيع من غبار يشبه البخور لينفث تعاويذه المبهجة في حضور وغياب متكرر للخيل الذي يركض أيضاً بحثاً عن بهجة منشودة! وكأني به يرسم طريق البهجة البعيد الذي يختبئ خلف عوالم من غبار! أو لعل الغبار «بلا أجنحة يطير ساخراً من آلاف الأشياء التي تركها على الأرض» كما قال بذلك الشاعر عدنان الصايغ، وجمالية الصورة «بهجة الغبار» متأسسة على انتساب البهجة إلى الهشاشة وصعوبة الرؤية والتفلت وكل المعاني الظاهرة والمضمرة التي تدل عليها كلمة «غبار» وهذا سر الدهشة ولذة التلقي لدى «القارئ».
ومازال المعراج طويلاً للكشف عن تلك البهجة التي لم يرها أجدادنا الأوائل إلا في «غبار المعركة» فوصفوا الظلام الذي يسببه ذلك الغبار الكثيف والسيوف من خلاله تلمع، والنواصي تغبر، والخيل تعبس، والقتلى تعفَّر! ولكن أي بهجة تلك في هذا المشهد الدامي وسط معركة سيدها الموت! إلا إن كانت البهجة القادمة على رايات نصر ينقشع عنه الغبار فتغني له الليالي فرحاً وتشيع البهجة في النفوس.
في كلمته التي ألقاها عقب فوزه بجائزة البوكر العربية عام 2018م يقول نصرالله «نكتب للتخلُّص من ثقل يُطبقُ علينا» فلعل غباره الذي أثاره ما هو إلا ثقل أزاحه عن صدره فبعث في نفسه ونفوسنا بعضاً من البهجة.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@
قراءة الدكتور لتلك البهجة أضاءت لي الطريق وسط ذلك الغبارالكثيف لعلي أصل إلى بعض من تلك البهجة المنشودة، فقد حفزتني تلك القراءة الخاطفة للسؤال والبحث عن أي بهجة يثيرها ذلك الغبار؟ وحاولت أن أسلك طرقاً متعددة في محاولة للإمساك أو محاولة للإجابة لماذا كانت تلك العبارة مدهشة ومبهجة؟ وفي ركضنا خلف غبار صنعه حافر خيل يركض في برية فسيحة فيثير بدرامية حركته تلك بهجة في نفوس تنظر لذلك الخيط الرفيع من غبار يشبه البخور لينفث تعاويذه المبهجة في حضور وغياب متكرر للخيل الذي يركض أيضاً بحثاً عن بهجة منشودة! وكأني به يرسم طريق البهجة البعيد الذي يختبئ خلف عوالم من غبار! أو لعل الغبار «بلا أجنحة يطير ساخراً من آلاف الأشياء التي تركها على الأرض» كما قال بذلك الشاعر عدنان الصايغ، وجمالية الصورة «بهجة الغبار» متأسسة على انتساب البهجة إلى الهشاشة وصعوبة الرؤية والتفلت وكل المعاني الظاهرة والمضمرة التي تدل عليها كلمة «غبار» وهذا سر الدهشة ولذة التلقي لدى «القارئ».
ومازال المعراج طويلاً للكشف عن تلك البهجة التي لم يرها أجدادنا الأوائل إلا في «غبار المعركة» فوصفوا الظلام الذي يسببه ذلك الغبار الكثيف والسيوف من خلاله تلمع، والنواصي تغبر، والخيل تعبس، والقتلى تعفَّر! ولكن أي بهجة تلك في هذا المشهد الدامي وسط معركة سيدها الموت! إلا إن كانت البهجة القادمة على رايات نصر ينقشع عنه الغبار فتغني له الليالي فرحاً وتشيع البهجة في النفوس.
في كلمته التي ألقاها عقب فوزه بجائزة البوكر العربية عام 2018م يقول نصرالله «نكتب للتخلُّص من ثقل يُطبقُ علينا» فلعل غباره الذي أثاره ما هو إلا ثقل أزاحه عن صدره فبعث في نفسه ونفوسنا بعضاً من البهجة.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@