لا أحد ينسى الانهيارات التي حدثت في الأرجاء طوال السنوات الماضية. انقلاب بالجغرافيا، تحول في التاريخ، قادت إلى تشوهات كلية في طبيعة المجتمعات التي تحولت إلى نهش بعضها في وسط حمام كبير من الدم. وفي هذه الأثناء وجدت الأشجار السامة طريقها للتمدد مع كل اتجاه.
قَدَر المملكة العربية السعودية أن كانت في منتصف هذا الجحيم، عن يمينها وشمالها، وحيوانات مسعورة أمامها وخلفها. ولأن أصلها ثابت، وفرعها في السماء -كالنخلة التي تزين شعارها- لم تصب بأذى، ومع ذلك ولطبيعة الأمور التي شهدتها، المعارك التي خاضتها، والتي تدفع المحارب مهما كان صلدا إلى التعب، وتنعدم الرؤية نتيجة لكل هذه الأغبرة والشظايا التي تطايرت في كل مكان.
لم يكن الحال جيدا أبدا والجميع من حولنا يحدق بهذا الفارس المنهك متعطشين لسقوطه، بينما يقف بكامل تعبه ويحاول أن يرى، «يا إلهي، كانت معركة طويلة. ماذا سيحدث الآن؟». أيضا أعداؤه، ومن كان يظن أنهم أبناء عم، وقفوا حوله بوجوه دميمة ويسألون نفس السؤال: «ماذا سيحدث الآن بعد كل هذه المعركة الطويلة؟» يتباشرون بخبث أنه سيقع الآن.
حتى بزوغه لم يكن عاديا. إذ لم يكن لديه أي نشاط ظاهر. هل كان منشغلا بالدراسة في جامعة «سلمان»؟ هل كان منهمكا ببناء السلم؟ في تحضير الترياق الذي سيعيد إلى هذا العملاق روحه؟ يعيده إلى الجري مجددا؟ يمحو خصومه؟
لا أعرف، لكن ما أعرفه يقينا أنه ظهر فجأة، بل نقطة تحوّل قلبت مسار الرواية، أو يمكن تفسير الأمر بأنه دعوة سيدة مسنة تقيّة، حين رفعت يديها إلى السماء ودعت: «اللهم أعز هذه البلاد».
على مر التاريخ؛ جميع من نجحوا في إحداث تغييرات اجتماعية ضخمة، لم يتسن لهم ذلك إلا من خلال إحداث اختلالات مهولة في تركيبة طبقات المجتمع، جعلته يسير بشكل أعرج، أو ينتهي به المطاف إلى ما يسمى بظاهرة الارتداد، والتي قد تعيده إلى أشكال أسوأ مما كان عليه قبل التدخل. التعامل مع المجتمع ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق. كالبئر الغريبة التي تلقي فيها وردة، لترتد عليك مطرقة، أدنى معرفة بعلم الاجتماع توضح مدى عظم المسألة.
على مر ما قرأت، أعلم أن الاقتصاد مهم، بل إنه موجود قبل الحضارة. لكن لم يسبق أن عرفت عن حالة تم فيها إحداث تغييرات اجتماعية عن طريق الاقتصاد! حين أشاهد الصورة الكاملة أشعر بالانبهار من تاريخية المشهد. كيف ينقل المجتمع لما يجب أن يكون عليه -كي يستمر- بكل سلاسة؟ كيف يصيب ما يريد إصابته دون استهدافه؟
كيف نجح في إحداث التغيير الجذري (Paradigm Shift) كما وصفه الفيزيائي كوهن: «بأنه ليس النظرية السائدة الحالية، بل هو الرؤية للعالم، والتي تحتوي على هذه النظرية، وكل المعاني المتضمنة داخل هذه الرؤية». كانت الفكرة دقيقة، لذا وجدت طريقها إلى بقية العلوم، علم الاجتماع من بينها. كيف فعل ذلك دون أن يختل العزف؟ أحدث النقلة دون أن ينشز أي جزء من أجزاء المجتمع؟ بهذا التناغم؟ هكذا بكل سلاسة؟
كيف روض المسوخ من حولنا؟ وهو يبتسم؟ كيف قذف بالمعارك مع أعدائنا لداخل أراضيهم؟ كيف فعل هذا كله بيد واحدة؟ وهو يحمل باليد الأخرى كامل ملفات البلد؟ كيف أنجز ذلك دون أن يرف له جفن؟ وهو لا يزال مبتسما؟
هذا التغيير الجذري تستغرق آثاره سنوات لكي تبدأ بالظهور على الأجزاء المهمة من المجتمع، الصحة، والتعليم والاقتصاد. تليها سنوات طويلة حتى تنعكس هذه التغييرات على مستوى جودة الحياة والرفاهية. لكن الأمير كان له رأي آخر، يبحث عن الاختصارات كما وصف ذلك في لقائه قائلا: «shortcuts». وبمناسبة الحديث عن اللقاءات، لا أحد يتخيل مدى دقة كلام الأمير، لا توجد كلمة واحدة في غير مكانها. حينما ذكر أن «بقية المشاكل سنبتلعها ابتلاعا»، كان يعني ما يقول.
محاولات حثيثة على مدى عقود بذلتها جهات كثيرة لتحريك النصف الآخر من المجتمع، باءت بالفشل. كان معضلة حقيقية تواجه البلد، حتى أن إحدى المحاولات السابقة واليائسة دفعت المرأة دفعا إلى سوق العمل، وتم التدخل فيه -سوق العمل- من أجل إجباره على قبولها. الآن، ونتيجة لتغييرات الرجل الذي يمسك بالاقتصاد كمشرط بكل دقة، حدث ما ذكره، تجاوزنا هذه المشكلة دون أن ننتبه، في لحظة أصبح نصف المجتمع ينافس منافسة شرسة في سوق العمل، هكذا، بكل سلاسة!
إنه سيد قطع الدومينو بلا منازع! لاعب الشطرنج الذي حول الرقعة أمامه إلى وزراء يتحركون في كل اتجاه. رائد الأعمال الأفخم على الإطلاق والذي نقل المفهوم إلى مستوى الدول بكل شجاعة، كما لم يفعل -ولن يفعل- أحد من قبل.
لذلك يجب أن يعلم على الرغم من الأصوات المزعجة التي أثارها نهوض المارد الضخم الذي سينهي تطفلهم. يجب أن يعلم الأمير أن الشباب الذين يتزاحمون أمام كل خطوة يبدأها، هي طريقتهم لإخباره بأننا نشعر بالثقة. ويجب أن يعلم كذلك أن المواطنين الذي نهضوا ويعملون كخلية نحل، يحاولون بذلك إيصال مدى إيمانهم برؤيته. أن يعلم -أيضا- أن الشاب الذي يلتقيه العائد من السفر في المطار مرحبا ببشاشة، هي محاولة منه لإخبارك بأنه مستعد كي يكون جزءاً من واجهة البلد القادم والذي يصنعه الأمير.
ركز في ابتسامة سلمان بن عبدالعزيز المطمئنة والتي تكسو ملامحه طوال الوقت، وستفهم سر السكينة التي تبدو عليه، وهو يعلم على ماذا تتكئ المملكة العربية السعودية الآن، وعن المستقبل التي تذهب إليه. أنا كذلك تغمرني الطمأنينة حينما أتذكر ذراع «محمد» التي يستند عليها هذا المكان.
كاتب سعودي *
Mr.shamaly@hotmail.com
قَدَر المملكة العربية السعودية أن كانت في منتصف هذا الجحيم، عن يمينها وشمالها، وحيوانات مسعورة أمامها وخلفها. ولأن أصلها ثابت، وفرعها في السماء -كالنخلة التي تزين شعارها- لم تصب بأذى، ومع ذلك ولطبيعة الأمور التي شهدتها، المعارك التي خاضتها، والتي تدفع المحارب مهما كان صلدا إلى التعب، وتنعدم الرؤية نتيجة لكل هذه الأغبرة والشظايا التي تطايرت في كل مكان.
لم يكن الحال جيدا أبدا والجميع من حولنا يحدق بهذا الفارس المنهك متعطشين لسقوطه، بينما يقف بكامل تعبه ويحاول أن يرى، «يا إلهي، كانت معركة طويلة. ماذا سيحدث الآن؟». أيضا أعداؤه، ومن كان يظن أنهم أبناء عم، وقفوا حوله بوجوه دميمة ويسألون نفس السؤال: «ماذا سيحدث الآن بعد كل هذه المعركة الطويلة؟» يتباشرون بخبث أنه سيقع الآن.
حتى بزوغه لم يكن عاديا. إذ لم يكن لديه أي نشاط ظاهر. هل كان منشغلا بالدراسة في جامعة «سلمان»؟ هل كان منهمكا ببناء السلم؟ في تحضير الترياق الذي سيعيد إلى هذا العملاق روحه؟ يعيده إلى الجري مجددا؟ يمحو خصومه؟
لا أعرف، لكن ما أعرفه يقينا أنه ظهر فجأة، بل نقطة تحوّل قلبت مسار الرواية، أو يمكن تفسير الأمر بأنه دعوة سيدة مسنة تقيّة، حين رفعت يديها إلى السماء ودعت: «اللهم أعز هذه البلاد».
على مر التاريخ؛ جميع من نجحوا في إحداث تغييرات اجتماعية ضخمة، لم يتسن لهم ذلك إلا من خلال إحداث اختلالات مهولة في تركيبة طبقات المجتمع، جعلته يسير بشكل أعرج، أو ينتهي به المطاف إلى ما يسمى بظاهرة الارتداد، والتي قد تعيده إلى أشكال أسوأ مما كان عليه قبل التدخل. التعامل مع المجتمع ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق. كالبئر الغريبة التي تلقي فيها وردة، لترتد عليك مطرقة، أدنى معرفة بعلم الاجتماع توضح مدى عظم المسألة.
على مر ما قرأت، أعلم أن الاقتصاد مهم، بل إنه موجود قبل الحضارة. لكن لم يسبق أن عرفت عن حالة تم فيها إحداث تغييرات اجتماعية عن طريق الاقتصاد! حين أشاهد الصورة الكاملة أشعر بالانبهار من تاريخية المشهد. كيف ينقل المجتمع لما يجب أن يكون عليه -كي يستمر- بكل سلاسة؟ كيف يصيب ما يريد إصابته دون استهدافه؟
كيف نجح في إحداث التغيير الجذري (Paradigm Shift) كما وصفه الفيزيائي كوهن: «بأنه ليس النظرية السائدة الحالية، بل هو الرؤية للعالم، والتي تحتوي على هذه النظرية، وكل المعاني المتضمنة داخل هذه الرؤية». كانت الفكرة دقيقة، لذا وجدت طريقها إلى بقية العلوم، علم الاجتماع من بينها. كيف فعل ذلك دون أن يختل العزف؟ أحدث النقلة دون أن ينشز أي جزء من أجزاء المجتمع؟ بهذا التناغم؟ هكذا بكل سلاسة؟
كيف روض المسوخ من حولنا؟ وهو يبتسم؟ كيف قذف بالمعارك مع أعدائنا لداخل أراضيهم؟ كيف فعل هذا كله بيد واحدة؟ وهو يحمل باليد الأخرى كامل ملفات البلد؟ كيف أنجز ذلك دون أن يرف له جفن؟ وهو لا يزال مبتسما؟
هذا التغيير الجذري تستغرق آثاره سنوات لكي تبدأ بالظهور على الأجزاء المهمة من المجتمع، الصحة، والتعليم والاقتصاد. تليها سنوات طويلة حتى تنعكس هذه التغييرات على مستوى جودة الحياة والرفاهية. لكن الأمير كان له رأي آخر، يبحث عن الاختصارات كما وصف ذلك في لقائه قائلا: «shortcuts». وبمناسبة الحديث عن اللقاءات، لا أحد يتخيل مدى دقة كلام الأمير، لا توجد كلمة واحدة في غير مكانها. حينما ذكر أن «بقية المشاكل سنبتلعها ابتلاعا»، كان يعني ما يقول.
محاولات حثيثة على مدى عقود بذلتها جهات كثيرة لتحريك النصف الآخر من المجتمع، باءت بالفشل. كان معضلة حقيقية تواجه البلد، حتى أن إحدى المحاولات السابقة واليائسة دفعت المرأة دفعا إلى سوق العمل، وتم التدخل فيه -سوق العمل- من أجل إجباره على قبولها. الآن، ونتيجة لتغييرات الرجل الذي يمسك بالاقتصاد كمشرط بكل دقة، حدث ما ذكره، تجاوزنا هذه المشكلة دون أن ننتبه، في لحظة أصبح نصف المجتمع ينافس منافسة شرسة في سوق العمل، هكذا، بكل سلاسة!
إنه سيد قطع الدومينو بلا منازع! لاعب الشطرنج الذي حول الرقعة أمامه إلى وزراء يتحركون في كل اتجاه. رائد الأعمال الأفخم على الإطلاق والذي نقل المفهوم إلى مستوى الدول بكل شجاعة، كما لم يفعل -ولن يفعل- أحد من قبل.
لذلك يجب أن يعلم على الرغم من الأصوات المزعجة التي أثارها نهوض المارد الضخم الذي سينهي تطفلهم. يجب أن يعلم الأمير أن الشباب الذين يتزاحمون أمام كل خطوة يبدأها، هي طريقتهم لإخباره بأننا نشعر بالثقة. ويجب أن يعلم كذلك أن المواطنين الذي نهضوا ويعملون كخلية نحل، يحاولون بذلك إيصال مدى إيمانهم برؤيته. أن يعلم -أيضا- أن الشاب الذي يلتقيه العائد من السفر في المطار مرحبا ببشاشة، هي محاولة منه لإخبارك بأنه مستعد كي يكون جزءاً من واجهة البلد القادم والذي يصنعه الأمير.
ركز في ابتسامة سلمان بن عبدالعزيز المطمئنة والتي تكسو ملامحه طوال الوقت، وستفهم سر السكينة التي تبدو عليه، وهو يعلم على ماذا تتكئ المملكة العربية السعودية الآن، وعن المستقبل التي تذهب إليه. أنا كذلك تغمرني الطمأنينة حينما أتذكر ذراع «محمد» التي يستند عليها هذا المكان.
كاتب سعودي *
Mr.shamaly@hotmail.com