انتشار وتداول مقاطع التحرش في الأماكن العامة في السعودية ليس فقط ساهم بكشف هذه الظاهرة وساعد السلطات في القبض على الجناة إنما أيضاً مثل كشفاً مؤسفاً لمنظومة الثقافة العامة الأخلاقية والتي تتضح في حقيقة أنه في جميع مقاطع التحرش المتداولة لم يبرز ولا رجل واحد قام بالتصدي للمتحرش ولو بكلمة إنما الذي حصل أن التحرش الفردي سرعان ما تحول لتحرش جماعي بانضمام كل من مرت بهم المرأة أثناء محاولتها الهرب من المتحرش حتى صار يلاحقها قطيع من المتحرشين! ومن لم ينضم إليهم كان منشغلاً بتصوير التحرش وهو يضحك، قارنت ذلك بحلقات من برنامج التحقيقات الأخبارية الأمريكي الشهير «What Would You Do/ABC - ماذا كنت ستفعل» الذي يجري تجارب اجتماعية ويستضيف العلماء لتقييمها وبيان أسباب أنماط سلوك الناس فيها، حيث يضع كاميرات مخفية ويوظف أشخاصاً ليمثلوا دور حالة معينة ويتم تصوير ردة فعل الناس عليها ودراستها وبيان أسبابها، وفي الحلقات التي كانت عن التحرش بالمرأة على اختلاف السيناريوهات التي أعدوا بها تجربة التحرش كان ملفتاً أنه سرعان ما قام الرجال الذين لاحظوا التحرش بالتدخل وردع المتحرش وحماية المرأة سواء أكان سيناريو التحرش أن المتحرش معروف للمرأة مثل أن يكون رئيسها بمكان عملها أو مجهولا في الشارع أو في محل تجاري، والسؤال الذي يطرح نفسه على ضوء هذه المقارنة ماهي نوعية برمجة الثقافة الاجتماعية العامة التي جعلت الرجال لدينا لا تأخذهم نخوة ولا شهامة عند رؤية امرأة تتعرض للتحرش بل تجعلهم ينضمون للمتحرش ويشاركونه بالتحرش؟ وبماذا تختلف عن نوعية برمجة الثقافة الاجتماعية العامة في المجتمع الأمريكي التي جعلت الرجال تأخذهم النخوة والشهامة لردع المتحرش؟ ولمزيد من الموضوعية فبمقارنة مقاطع التحرش بالمجتمع المصري تظهر مفارقة ملفتة وهي أنه عندما يكون التحرش بمناطق شعبية سرعان ما يتدخل الرجال لردع المتحرش وضربه بشكل مبرح، بينما عندما يكون التحرش بمناطق الطبقة الوسطى فالذي يحصل لديهم هو مثل الذي حصل بمقاطع التحرش في السعودية وهو أن الذكور انضموا للمتحرش حتى صاروا قطيعاً مسعوراً من المتحرشين، وهذا يظهر أن العلة تكمن في أن وسائل صناعة الثقافة الجماعية من مناهج ومواد ترفيه محلية وثقافة وعظية منحازة ذكورياً والتي لا يتعرض لها الناس في البيئات الشعبية ساهمت بتشويه الشهامة والنخوة الفطرية النبيلة تجاه المرأة لأنها تحمل المرأة المسؤولية عن إجرام الذكور بحقها وتجعل الذكور معفيين من المسؤولية الذاتية عن ضبط أنفسهم ونظرائهم.
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com