لم تكن العلاقة الشعبية مع الأتراك طوال تاريخهم مختلفة عما هي الآن، والتاريخ الشفوي في الجزيرة العربية والشام والعراق ومصر يحكي الكثير من القصص المروعة للجندي والأفندي التركي الذين أذاقوهم صنوف الاحتلال البغيض.
بقي «الترك العثمانيون» طوال 600 سنة بالنسبة لمساحة واسعة من سكان الجزيرة العربية محتلين أفاكين آكلين لقوتهم سارقين لفتات الأرض القاحلة التي تجود بالقليل عليهم.
وما يفعله السعوديون الآن وغيرهم من أحرار العالم العربي هو انعتاق من «الخلافة الثقافية» التي حاول بعض «حريم السلطان» فرضها عليهم وتطبيعها ونشرها في وجدانهم بل وتخوين من يقاومها أو يكشفها.
بالمجمل هذه المحاولة ليست حديثة ويمكن تقسيمها لمرحلتين..
الأولى.. بكائية على «الخلافة العثمانية» المتوهمة، وتصويرها طوال الأعوام المئة الماضية على أنها «خلافة راشدة» وأنها تعرضت لخيانة أدت إلى أفولها.
بالطبع كان ذلك جزءاً من خرافة سوقها «الإسلام السياسي» وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، فالسلاطين العثمانيون أنفسهم لم يدّعوا أنهم خلفاء إلا في أواخر عهدهم بعدما تعرضت إمبراطوريتهم لخسائر وانحسار وتململ من الشعوب التي رزحت تحت احتلالهم، فتم الالتفات للخلافة ليحكموا من خلف الدين إنقاذاً لسلطانهم، وباباً جديداً يدلفون منه للعالم. وهذا ما حدث.
مع ملاحظة أن أي سلطان عثماني لم يحج أبداً لمكة المكرمة، كانوا مشغولين بالقصور شغوفين بالحياة والإماء والصراع على الملك الذي دفعهم لقتل بعضهم البعض إما بالاحتجاز أو الاغتيال أو الإغراق في مياه البسفور، بينما وفي المقابل كان الخليفة العباسي هارون الرشيد يحج سنة ويغزو سنة، هكذا كان يفعل خلفاؤنا الراشدون، وذلك ما فعله خلفاء الإخوان العثمانيون.
الجزء الثاني بدأ مع محاولة «الإسلام السياسي» في العالم العربي احتلال الحكم، وتقديم نموذجهم لخليفة كريزماتي يتم تسويقه في الشارع الإسلامي على أنه أمل الخلافة الجديد.
كان أردوغان هو فرصتهم «الوحيدة» التي تصوروا أنها جاءتهم بعد طول انتظار، ساعدته شخصيته الماكرة وتطبيق تركيا للمعايير الأوروبية في الإدارة والاقتصاد بالإضافة إلى تراجع غربي واختفاء زعامات في الشرق الأوسط.
ومنذ العام 2000 والتنظيم الدولي للإخوان بشقيه السياسي والعسكري يهيئ الفضاء المحيط بتركيا لقبول الخليفة الإخواني أردوغان، بدأت المكينة الإخوانية من رجال دين وإسلامويين الترويج «لتركيا الأردوغانية» وتعظيمها خدمة للمشروع الذي خبّؤوه تحت عباءة فلسطين تارة، وتحت عباءة الإسلام هو الحل، وأخيراً عباءة الديموقراطية بالمقياس «الكهنوتي» ونشر الثورات.
بالطبع في سبيل ذلك اتخذوا أشكالاً متعددة أهمها توطين «الخلافة الثقافية»، وكثفت رسالتها باتجاه السعودية تحديداً كونها حاضنة الحرمين الشريفين، ولا تقوم خلافة بلا حرمين.
محاولة احتلال الشارع السعودي كانت الهدف الرئيس للعثمانيين الجدد، استثمرت فيها دول ومنظمات وأجهزة استخبارات وأفراد سنوات طويلة من العمل والخديعة والمال، وحاولوا خلق حالة من السيولة في المجتمع ليسهل ابتلاعه، وصنعت لأجلها منتجات خاصة بنا وعلى مقاسنا لنصبح مستلبين خائرين خاضعين لسياسة تركية ناعمة، وبلا أي شك كان الهدف النهائي من التطبيع الثقافي والسياسي تهيئة الأرض لاحتلال عسكري عثماني من جديد، قوامها احتلال لشمال سورية، وتواجد عسكري في قطر وجزيرة سواكن السودانية وأجزاء من الصومال.
ما فعله السعوديون كان مفاجئاً جداً لمن خطط وصرف أمواله وتوقع نجاح مشروعه، فقد استطاع «الدهاء» البدوي استيعاب الصدمة، وإنهاء الخرافة العثمانية، والانقضاض على الخصوم وإنهاء مشاريعهم، بدءاً من كنسهم ثقافياً، وانتهاء بترحيلهم من المنطقة إلى تخوم أنضولهم.
* كاتب سعودي
بقي «الترك العثمانيون» طوال 600 سنة بالنسبة لمساحة واسعة من سكان الجزيرة العربية محتلين أفاكين آكلين لقوتهم سارقين لفتات الأرض القاحلة التي تجود بالقليل عليهم.
وما يفعله السعوديون الآن وغيرهم من أحرار العالم العربي هو انعتاق من «الخلافة الثقافية» التي حاول بعض «حريم السلطان» فرضها عليهم وتطبيعها ونشرها في وجدانهم بل وتخوين من يقاومها أو يكشفها.
بالمجمل هذه المحاولة ليست حديثة ويمكن تقسيمها لمرحلتين..
الأولى.. بكائية على «الخلافة العثمانية» المتوهمة، وتصويرها طوال الأعوام المئة الماضية على أنها «خلافة راشدة» وأنها تعرضت لخيانة أدت إلى أفولها.
بالطبع كان ذلك جزءاً من خرافة سوقها «الإسلام السياسي» وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، فالسلاطين العثمانيون أنفسهم لم يدّعوا أنهم خلفاء إلا في أواخر عهدهم بعدما تعرضت إمبراطوريتهم لخسائر وانحسار وتململ من الشعوب التي رزحت تحت احتلالهم، فتم الالتفات للخلافة ليحكموا من خلف الدين إنقاذاً لسلطانهم، وباباً جديداً يدلفون منه للعالم. وهذا ما حدث.
مع ملاحظة أن أي سلطان عثماني لم يحج أبداً لمكة المكرمة، كانوا مشغولين بالقصور شغوفين بالحياة والإماء والصراع على الملك الذي دفعهم لقتل بعضهم البعض إما بالاحتجاز أو الاغتيال أو الإغراق في مياه البسفور، بينما وفي المقابل كان الخليفة العباسي هارون الرشيد يحج سنة ويغزو سنة، هكذا كان يفعل خلفاؤنا الراشدون، وذلك ما فعله خلفاء الإخوان العثمانيون.
الجزء الثاني بدأ مع محاولة «الإسلام السياسي» في العالم العربي احتلال الحكم، وتقديم نموذجهم لخليفة كريزماتي يتم تسويقه في الشارع الإسلامي على أنه أمل الخلافة الجديد.
كان أردوغان هو فرصتهم «الوحيدة» التي تصوروا أنها جاءتهم بعد طول انتظار، ساعدته شخصيته الماكرة وتطبيق تركيا للمعايير الأوروبية في الإدارة والاقتصاد بالإضافة إلى تراجع غربي واختفاء زعامات في الشرق الأوسط.
ومنذ العام 2000 والتنظيم الدولي للإخوان بشقيه السياسي والعسكري يهيئ الفضاء المحيط بتركيا لقبول الخليفة الإخواني أردوغان، بدأت المكينة الإخوانية من رجال دين وإسلامويين الترويج «لتركيا الأردوغانية» وتعظيمها خدمة للمشروع الذي خبّؤوه تحت عباءة فلسطين تارة، وتحت عباءة الإسلام هو الحل، وأخيراً عباءة الديموقراطية بالمقياس «الكهنوتي» ونشر الثورات.
بالطبع في سبيل ذلك اتخذوا أشكالاً متعددة أهمها توطين «الخلافة الثقافية»، وكثفت رسالتها باتجاه السعودية تحديداً كونها حاضنة الحرمين الشريفين، ولا تقوم خلافة بلا حرمين.
محاولة احتلال الشارع السعودي كانت الهدف الرئيس للعثمانيين الجدد، استثمرت فيها دول ومنظمات وأجهزة استخبارات وأفراد سنوات طويلة من العمل والخديعة والمال، وحاولوا خلق حالة من السيولة في المجتمع ليسهل ابتلاعه، وصنعت لأجلها منتجات خاصة بنا وعلى مقاسنا لنصبح مستلبين خائرين خاضعين لسياسة تركية ناعمة، وبلا أي شك كان الهدف النهائي من التطبيع الثقافي والسياسي تهيئة الأرض لاحتلال عسكري عثماني من جديد، قوامها احتلال لشمال سورية، وتواجد عسكري في قطر وجزيرة سواكن السودانية وأجزاء من الصومال.
ما فعله السعوديون كان مفاجئاً جداً لمن خطط وصرف أمواله وتوقع نجاح مشروعه، فقد استطاع «الدهاء» البدوي استيعاب الصدمة، وإنهاء الخرافة العثمانية، والانقضاض على الخصوم وإنهاء مشاريعهم، بدءاً من كنسهم ثقافياً، وانتهاء بترحيلهم من المنطقة إلى تخوم أنضولهم.
* كاتب سعودي