-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
أيام ويكتمل وصول وفود الحجاج استعدادا لأداء المناسك بإذن الله وتوفيقه وسط منظومة هائلة ومتكاملة من الخطط والجهود بإشراف مباشر من القيادة حفظها الله، وإدارة حشود الحج التي لا مثيل لها في العالم على مر الأزمان، وبهذا التنظيم المحكم ليست بالسهولة، لنتخيل لو أن الملايين من الحجاج في الزمان والمكان الواحد يتحركون دون تنظيم، كم يكون الواقع خطيرا، وليتخيل أي إنسان في الدنيا، كيف يكون حال هذه الحشود الكبيرة، لو لم تتوفر لهم كل هذه الرعاية والخدمات والمرافق والمشاريع المتطورة وانشغلوا بتدبير حاجاتهم؟.

هنا يكمن شرف المسؤولية واعتزاز المملكة بها والتفاني في الجهد والبذل بسخاء من أجلها، فما الأنظمة والتعليمات الخاصة بالحج وعشرات الآلاف من رجال الأمن بكافة قطاعاتهم والأجهزة الحكومية والأهلية المعنية وسخاء الدولة على مشاريع الحج المتقدمة وخدمات الحجاج، إنما هو لراحتهم وأمنهم وسلامتهم وتوفير أعلى درجات الرعاية ليؤدوا مناسكهم في طمأنينة ويسر وسهولة، ويتفرغوا لأداء عباداتهم وشعائرهم دونما شاغل غيرها.


فإدارة حشود بهذا العدد الهائل في التوقيت الواحد والمكان الواحد في كل شعيرة، حالة تتفرد بها المملكة بخبرات متراكمة على هذه الأرض الطيبة المباركة، وجعلتها أنموذجا للقدرة والمسؤولية والاعتزاز بهذا الشرف العظيم في خدمة ورعاية ضيوف الرحمن وأقدس المقدسات الإسلامية التي تهفو إليها قلوب المسلمين كافة في شتى بقاع الأرض، ولهذا ينظر العالم عامة والأمة خاصة بكل الثقة والتقدير لجهود المملكة ومكانتها ومسؤوليتها تجاه خصوصية الإدارة والرعاية الشاملة لضيوف الرحمن حجاجا ومعتمرين.

الحج مدرسة إيمانية عظيمة في التوحيد ووحدة التلبية، عندما يقف ضيوف الرحمن على اختلاف ألوانهم وألسنتهم على الصعيد الطاهر في زمن ومكان معلومين بلباس واحد خاشعين متضرعين إلى العلي القدير، رجاء في العفو والمغفرة والفوز بالحج المبرور والذنب المغفور. والحج أيضا في مقاصده ومناسكه مدرسة تربوية عظيمة لمن يتدبر رحلة الطهر والإيمان وينهل منها دروسها، ويعلي خُلق التراحم والصبر والتعاون والاستقامة والعزم بتقوى الله في السر والعلن، والالتزام بصحيح المناسك وأدائها في خشوع وسكينة وتوبة صادقة، عندها يدرك زادا عظيما في حياته لرحلة العمر.

نتمنى أن يدرك كل حاج جوهر الأنظمة وحجم الجهود من أجله، وأن الحج مدرسة للالتزام والسكينة والتعاون والصدق، عنوانها المضيء (الحج عبادة وسلوك حضاري) وهي مقاصد الحملة التي حرص سمو الأمير خالد الفيصل على ترسيخها على مدى مواسم متواصلة لتعزيز قيم إيجابية هادفة لوعي الجميع.

السلوك الحضاري فضيلة لحياة إنسانية، وإذا ترسخت الفضائل في التفكير والسلوك والمعاملة، استقامت الحياة وتوفرت أسباب الخير في الدارين، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ففي الأخلاق عبادة، وهي تبني الإنسان كما هو العلم، بل هما متلازمان للارتقاء بالإنسان فكرا وسلوكا.

بقي الجانب الذي لا يمكن التساهل فيه شرعا ومسؤولية، وهو عدم السماح لأي محاولة لاستغلال موسم الحج في إثارة مشكلات ورفع شعارات سياسية ومذهبية وتكدير صفو وخشوع الحجاج بمكائد لا مكان ولا مجال لها في الحج، وهو ما لا تسمح به المملكة مطلقا وتنبه إلى ذلك دائما وأكدت عليه مجددا.. الحج نبع صافٍ من منابع الأخلاق والالتزام، وفرصة لكل ذي عزيمة لتغيير إيجابي نحو السلوك القويم في الحياة للإنسان والمجتمع والأمة.

* كاتب سعودي