ومع كل هذا وعلى الرغم من جميع ما قدمه، وكل ما قدمه طوال هذا الوقت، لم يملأ ما قدمه أو أي شيء آخر مكاناً في عين هذا الكائن الغريب الذي وعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أنه لا يمكن الاستهانة به كمصدر مثير للإزعاج.
ولأنه -وبطبيعة الحال- يجب عليه كأي كائن آخر أن يخضع لعملية التصنيف الأحيائي، إلا أنه وحتى الآن لم ينجح أحد في إضفاء أي وصف صحيح عليه. حتى هذا الكائن نفسه فشل في ذلك، إذ إنهم ينقسمون بسرعة تتجاوز سرعة انقسام خلاياهم. ومستعدون للانتماء إلى أي شيء، فصيل مسلح، شارع فرعي، زقاق، مدينة، قناة تلفزيونية، أي شيء قابل لخلق عشرات الأقسام بينهم.
ورغم أن البيئات الموحلة هي الموطن المفضل له، ربما لقدرتها على تلطيخ ملامحه بشكل ينسيه حقيقته، أو لأن هذه البيئات ذات الطبيعة الطينية تحوي الكائنات التي يفضل أن يقضي معها كائن «الفلس» معظم أوقاته.
وبين كل هذه العراقيل التي تصعب من محاولات فهم طبيعة اجتماعية لهذا الكائن، إلا أن الصوت الذي يخرجه في حالات التوتر والخوف، أو اليأس يشكل صفة مميزة يمكن تعميمها لتفرقه عن بقية المجاميع الأحيائية الأخرى. وقد حصلت لي فرصة سماع هذا الصوت حينما مرت عربة متوسطة الحجم بجانب شارع كان يحوي كمية لا بأس بها منهم، وقد بدأوا يصرخون «القضية.. القضية».
وبشكل معاكس للطبيعة الغريزية في معظم الكائنات الحية الأخرى، التي تقوم كل بطريقتها بالعمل على إيجاد أفضل المصادر التي تغذي سلاستهم، إلا أن هذا لم يحدث معهم.
ما حدث أن لحظة تفشيهم في كل مكان، صادفت جلوس تنين ضخم مستريحا كي يتناول طعامه. التنين وبحكم القدرات المهولة التي حظي بها كان قادراً على جلب الطعام لنفسه، ولعشرات الآخرين ممن حوله، حتى أولئك الذين يبعدون عنه تماماً، كان يرمي لهم من طعامه دون أن يسأل كعادته وبكل كرم، أو يشترط أي شيء، كما يفعل الآخرون من الكائنات الحية الأخرى والتي تحمل قدرات شبيهة.
كائن «الفلس» كان من أولئك المحظوظين برعاية هذا التنين الضخم، وعلى مدى سنوات طويلة جداً، يبدو أنها أنستهم بأن ما يقذفه لهم لم يكن سوى صدقة، وأن تقادم الوقت عليها لا يجعل منها حقاً مكتسباً يجب على هذا التنين أداؤه، بل وعلى العكس من ذلك، كان من المفترض أن يشعروا بالخجل تجاه هذا التنين الطيب، ويفكروا ولو لمرة واحدة بفعل أشيائهم بنفسهم. لكن ما الذي يعرفه كائن «الفلس» على أية حال؟
مرت ظروف معينة على المنطقة، احتاج معها هذا التنين لأن يحلق، وكانت المفاجأة! قامت -وتقوم- أطنان من هذا الكائن ذي الطبيعة الطينية بإخراج هذه الأصوات بشكل مفرط في كل مكان. ولأنه يعلم -كائن الفلس- أن تحليق هذا التنين الطيب تعني نهايته، ولكونه لا يعلم حقاً ما الذي يلزم فعله للبقاء على قيد الحياة، عدا عن التطفل على موائد الكائنات الأخرى. هذه الكائنات الأخرى التي لم تتحمل ارتزاقه، ورفعت عنه يدها منذ فترات طويلة جداً.
ولأنها بدأت برؤية نهايتها الحقيقية بتحليق هذا الكائن الطيب، قامت بتحويله عدوا، اتهمته بأنه يرغب بالتحليق دون أن يضعهم بجواره على أحد أجنحته الضخمة، أو أنه لم يعد يرغب في البقاء بمكانه، هذا البقاء الذي يضمن لهم ما تستطيب نفس هذا التنين بقذفه لهم. ولأنهم لا يملكون أدنى نية بالعمل على أشيائهم الخاصة، أو خلق تطوير يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم في مجابهة الحياة.
كانوا يعلمون فعلاً أنها النهاية، لذلك وفي ظاهرة غريبة تجمعت كميات ضخمة من هذا الكائن وتوحدوا للمرة الأولى في حياتهم المملوءة بالانقسام، وبدأوا بإصدار أصواتهم بشكل مزعج لم يسبق سماعه. غادر التنين مكانه محلقا، وانكشفوا من ورائه؛ كانوا يبدون كائنات ضعيفة، مكسوة بالطين، تصرخ بشكل مزعج بطريقة مميزة تخبر من يسمعها بأنه صراخ الرمق الأخير لكائن «الفلس»، هذا بالضبط ما يحدث الآن.
* كاتب سعودي
ولأنه -وبطبيعة الحال- يجب عليه كأي كائن آخر أن يخضع لعملية التصنيف الأحيائي، إلا أنه وحتى الآن لم ينجح أحد في إضفاء أي وصف صحيح عليه. حتى هذا الكائن نفسه فشل في ذلك، إذ إنهم ينقسمون بسرعة تتجاوز سرعة انقسام خلاياهم. ومستعدون للانتماء إلى أي شيء، فصيل مسلح، شارع فرعي، زقاق، مدينة، قناة تلفزيونية، أي شيء قابل لخلق عشرات الأقسام بينهم.
ورغم أن البيئات الموحلة هي الموطن المفضل له، ربما لقدرتها على تلطيخ ملامحه بشكل ينسيه حقيقته، أو لأن هذه البيئات ذات الطبيعة الطينية تحوي الكائنات التي يفضل أن يقضي معها كائن «الفلس» معظم أوقاته.
وبين كل هذه العراقيل التي تصعب من محاولات فهم طبيعة اجتماعية لهذا الكائن، إلا أن الصوت الذي يخرجه في حالات التوتر والخوف، أو اليأس يشكل صفة مميزة يمكن تعميمها لتفرقه عن بقية المجاميع الأحيائية الأخرى. وقد حصلت لي فرصة سماع هذا الصوت حينما مرت عربة متوسطة الحجم بجانب شارع كان يحوي كمية لا بأس بها منهم، وقد بدأوا يصرخون «القضية.. القضية».
وبشكل معاكس للطبيعة الغريزية في معظم الكائنات الحية الأخرى، التي تقوم كل بطريقتها بالعمل على إيجاد أفضل المصادر التي تغذي سلاستهم، إلا أن هذا لم يحدث معهم.
ما حدث أن لحظة تفشيهم في كل مكان، صادفت جلوس تنين ضخم مستريحا كي يتناول طعامه. التنين وبحكم القدرات المهولة التي حظي بها كان قادراً على جلب الطعام لنفسه، ولعشرات الآخرين ممن حوله، حتى أولئك الذين يبعدون عنه تماماً، كان يرمي لهم من طعامه دون أن يسأل كعادته وبكل كرم، أو يشترط أي شيء، كما يفعل الآخرون من الكائنات الحية الأخرى والتي تحمل قدرات شبيهة.
كائن «الفلس» كان من أولئك المحظوظين برعاية هذا التنين الضخم، وعلى مدى سنوات طويلة جداً، يبدو أنها أنستهم بأن ما يقذفه لهم لم يكن سوى صدقة، وأن تقادم الوقت عليها لا يجعل منها حقاً مكتسباً يجب على هذا التنين أداؤه، بل وعلى العكس من ذلك، كان من المفترض أن يشعروا بالخجل تجاه هذا التنين الطيب، ويفكروا ولو لمرة واحدة بفعل أشيائهم بنفسهم. لكن ما الذي يعرفه كائن «الفلس» على أية حال؟
مرت ظروف معينة على المنطقة، احتاج معها هذا التنين لأن يحلق، وكانت المفاجأة! قامت -وتقوم- أطنان من هذا الكائن ذي الطبيعة الطينية بإخراج هذه الأصوات بشكل مفرط في كل مكان. ولأنه يعلم -كائن الفلس- أن تحليق هذا التنين الطيب تعني نهايته، ولكونه لا يعلم حقاً ما الذي يلزم فعله للبقاء على قيد الحياة، عدا عن التطفل على موائد الكائنات الأخرى. هذه الكائنات الأخرى التي لم تتحمل ارتزاقه، ورفعت عنه يدها منذ فترات طويلة جداً.
ولأنها بدأت برؤية نهايتها الحقيقية بتحليق هذا الكائن الطيب، قامت بتحويله عدوا، اتهمته بأنه يرغب بالتحليق دون أن يضعهم بجواره على أحد أجنحته الضخمة، أو أنه لم يعد يرغب في البقاء بمكانه، هذا البقاء الذي يضمن لهم ما تستطيب نفس هذا التنين بقذفه لهم. ولأنهم لا يملكون أدنى نية بالعمل على أشيائهم الخاصة، أو خلق تطوير يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم في مجابهة الحياة.
كانوا يعلمون فعلاً أنها النهاية، لذلك وفي ظاهرة غريبة تجمعت كميات ضخمة من هذا الكائن وتوحدوا للمرة الأولى في حياتهم المملوءة بالانقسام، وبدأوا بإصدار أصواتهم بشكل مزعج لم يسبق سماعه. غادر التنين مكانه محلقا، وانكشفوا من ورائه؛ كانوا يبدون كائنات ضعيفة، مكسوة بالطين، تصرخ بشكل مزعج بطريقة مميزة تخبر من يسمعها بأنه صراخ الرمق الأخير لكائن «الفلس»، هذا بالضبط ما يحدث الآن.
* كاتب سعودي