صدق القائل «من يجهل واقع الأمر سيضرك من حيث أراد أن ينفعك»، فهذه المقولة تعبر تماما عن واقع ما تسمى بـ«سقيا وإطعام الحاج»، حيث إنها تمثل ذات الواقع السلبي الحاصل بالنسبة لإفطار الصائم برمضان، حيث في كلتا المناسبتين كل سنة تسجل المقاطع المتداولة واقع هدر وإهانة فاحشة للنعمة دون أن يستفاد منها بلقمة أو شربة، وهذا الأمر فوق كونه يمثل محظورا دينيا لكونه من التبذير والإسراف وامتهان النعمة المحرم وفوق كونه يبدد موارد الجمعيات الخيرية التي تتكفل بتوفير وإيصال سقيا وإطعام الحاج إلى المشاعر، وكان الأولى إنفاقها في أوجه الحاجات الماسة الأخرى، كما أن إلقاء الكراتين الممتلئة بعبوات الماء وما شابهه بطريق الناس يشكل حجر عثرة بطريقهم يجعلهم يتعثرون ويسقطون بذروة الازدحام، فهو أيضا فوق كل هذا يمثل عبئا على الجهات المعنية بخدمة المشاعر ليس فقط لجهة تنظيفها، إنما أيضا التخلص منها سواء بإعادة التدوير أو دفنها وهو الغالب، وهناك دراسات ميدانية للجهات المعنية مثل «معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة» حول وسائل ليس فقط إعادة تدوير تلك الفضلات لحماية البيئة من ضررها إنما الأهم التقليل من المخلفات والفائض من الأصل، وذلك بتطبيق توصيات دراساتهم بخصوص أسباب هذا الواقع السلبي، وقد تم بالفعل تطبيقها بشكل تجريبي على أرض الواقع في حج السنة الماضية، فيما أسموه بـ«الحج الأخضر» الذي يهدف للحد من الضرر البيئي الناتج عن مخلفات وبقايا «سقيا وإطعام الحاج» وحقق نجاحا شجع على التوسع بتطبيق «الحج الأخضر» هذه السنة. ونجاح هذه المبادرة الرائدة يعتمد على تجاوب الحجاج وهذا يتضمن صعوبات كبرى لتفاوت خلفيات الحجاج وعدم وجود وعي بيئي لدى كثير منهم، ولهذا يبقى التعويل الأكبر بهذا المجال هو على التنسيق الملزم للجهات الخيرية التي تساهم بـ«سقيا وإطعام الحاج»، بالإضافة لمؤسسات الطوافة والحج والحملات لتتقيد بتوصيات الأبحاث والدراسات التي جرت بهذا الخصوص لترشيد أنماط وكيفية ونوعية «سقيا وإطعام الحاج» بما يقلل من الهدر والتلوث البيئي الناتج عنه، بالإضافة للافتات الإرشاد البيئي بالمشاعر، وإشراك جمعيات «حفظ النعمة/ بنك الطعام» لتعيد توزيع الفائض للمحتاجين، وليس مجديا قصر تناول الموضوع لجهة الشكوك حول الدعاية المكثفة التي يقوم بها البعض لجمع التبرعات لـ«سقيا وإطعام الحاج» بأن لهم عمولة مالية، مع العلم أن هناك مشكلة مزمنة كل موسم حج بتراكم النفايات بشوارع مكة، وعموما لعل الوعي البيئي يكون فائدة إضافية يرجع بها الحجاج إلى أوطانهم.
bushra.sbe@gmail.com
bushra.sbe@gmail.com