لم يعد بلاء العرب من خارج ديارهم بل من داخلها، ولم يعد خوفهم من المتربص البعيد بقدر ما هو من الخائن القريب، وقد كانت الخيانة في وقت مضى سرية مستترة لكنها أصبحت الآن علنية مكشوفة، يجهر بها أصحابها وكأنهم يقومون بعمل شريف وليس خيانة وطنية وضيعة.
ربما يكون رمز الخيانة الوطنية المؤسسية الأبرز خلال العقود الماضية القريبة هو نموذج حزب الله وزعيمه حسن نصر الله، يطفو هذا الشخص وحزبه كلما حدثت أزمة في لبنان ليذكرنا بكل الجنايات التي اقترفها بحق لبنان وخروجه من مخبئه بعد كل جناية ليلقي خطابا مطولا مكتنزا بالكذب والمغالطات والتزوير والفحش الأخلاقي دون أن يرف له جفن بينما حشوده يهتفون له أمام شاشة ضخمة مرددين الشعارات السخيفة الجوفاء بحماسة مصطنعة، وقد كانت حادثة هجوم الطائرتين المسيرتين الأخيرة على الضاحية الجنوبية حلقة جديدة في مسلسل الخراب الذي يمارسه حزب الله ضد لبنان، ومحفزاً لحسن نصر الله، كالعادة، لإلقاء خطاب لا يبعث في سامعه شيئا سوى المقت له والحزن على لبنان.
يتحدث عن العروبة وهو يلهج بالولاء لإيران، يدعو للمقاومة ضد اسرائيل وهو يعقد معها الصفقات، يهدد بردع المعتدين على لبنان وهو ينسف أمنه وسيادته ويدمره سياسيا واقتصاديا، يمارس السطو والبلطجة على مؤسسات لبنان بما فيها مؤسسة الجيش والأمن ويتحول إلى كائن جبان مذعور عندما تبعث له إسرائيل رسالة تهديد بسيطة. إنه نموذج صارخ ومقزز لأسوأ أشكال العمالة والخيانة ورغم ذلك ما زال يتحدث عن الوطنية.
وعندما نقول إن حزب الله هو النموذج الأقدم للخيانة الوطنية المؤسسية فلأن التنظيمات التي جاءت بعده سارت على نهجه شكلاً ومضموناً ولو اختلفت في فكرها وأيديولوجيتها وأهدافها وتكتيكاتها. منظمة حماس في بقايا فلسطين، أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، الحشد الشعبي في العراق، ولا يختلف عنهم في جوانب كثيرة تنظيم الإخوان الذي كان يمكن اعتباره الأقدم لولا أنه نشأ واستمر إلى وقت قريب تنظيماً سريا.
المشكلة أن هذه التنظيمات تشترك مع بعضها البعض وأيضا مع بقية التنظيمات الإرهابية في استخدام اسم (الله) وامتطاء الدين لممارسة الخيانة والتخريب وسفك الدماء، وذلك أقبح ما تمارسه.