تمثل إدارة مرافق الدولة والبنى التحتية أحد أهم التحديات التي تواجهها الحكومات في شتى أرجاء العالم، ولقد باتت التحديات التي تواجهها الدول- وخاصة في مجال اختيار وتطوير البنى التحتية الملائمة- أكثر تعقيداً وتأثيراً على مستقبل الشعوب ولا سيما على المدى الطويل، ومن هنا برزت أهمية إعادة الهيكلة الإدارية للوزارات بأقسامها المختلفة ووحداتها المحلية المتنوعة، بالتوازي مع أهمية إطلاق حزمة متتالية من السياسات والتشريعات الإصلاحية المختصة بتطوير القطاع الإنشائي والخدمي بالدولة بما يسهم في ترشيد الموارد وتحقيق أهداف الدولة الإستراتيجية.
يضطلع القطاع الحكومي في المملكة بإنشاء الكثير من المرافق العامة كالمستشفيات والمدارس والجسور والأنفاق وتمهيد الطرق، ويقع على عاتق الدولة مهام التخطيط والرقابة لمشروعات البنى التحتية وغيرها، ويعهد بهذه الإنشاءات للقطاع الخاص كشريك في عمليات التنمية، وهي المشروعات التي تحتاج أيضاً لصيانة ومتابعة دورية، ومن الطبيعي أن يتم رصد مبالغ مالية لها تغطي نفقات إنشائها وصيانتها على نحو دوري، وفي الغالب تقوم الوزارات ومؤسسات القطاع العام بتحديد احتياجاتها من المرافق العامة، ومن ثم التنسيق مع وزارة المالية لرصد المبالغ المالية اللازمة لإنشائها، ومن ثم تقوم هذه الوزارات بإعلانات المنافسة لإسنادها لمؤسسات القطاع الخاص لتنفيذها وفق معايير ومواصفات يتم تحديدها من قبل كل وزارة، وهو الأمر الذي قد ينطوي على مشكلات جوهرية أساسية كما سنوضح لاحقاً.
حتى وقت قريب كانت بعض الوزارات تسيء تقدير حاجتها الفعلية لمرافق البنى التحتية وخاصة في فترات الطفرات الاقتصادية، وذلك بسبب توافر الموارد المالية لها؛ حيث تقوم بعض الوزارات بإدراج حاجتها لإنشاء مرافق ومشروعات ضمن خطتها المالية للسنوات المقبلة، وفي واقع الأمر قد لا تكون هناك حاجة فعلية -أو على الأقل ليست هناك حاجة ماسة لإنشاء تلك المرافق والمشروعات- وربما يكون لديها مثل تلك المرافق ولا تحتاج لأكثر من صيانة أو ترميم، ولعل تلك الخطوات كانت أحد أسباب الفساد المالي المقنع والذي -إذا ما أخذنا بمبدأ حسن الظن- يحسب في خانة إهدار للموارد المالية للدولة.
عادة ما يكون لكل وزارة قسم للمشروعات الهندسية والذي يقوم بتحديد مواصفات المرفق المطلوب إنشاؤه، ومن ثم تحديد التكلفة التقديرية الملائمة له، وبعد رصد المبلغ المخصص من قبل وزارة المالية تقوم الجهة بالإعلان عن المنافسة، ومن ثم ترسية العقد على إحدى مؤسسات القطاع الخاص التي ستقوم بتنفيذ المرفق، كما تقوم هذه الجهة نفسها بإجراءات استلام المرفق، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن كل مرحلة من تلك المراحل تمثل بوابة ضخمة للهدر والفساد المالي واستنزاف موارد الدولة.
قد تكون هناك جهات حكومية أخرى تكون بحاجة ماسة للتمويل الذي تحصل عليه الجهة التي لا تحتاج بشكل ملح لإنشاء هذا المرفق، غير أنه للأسف الشديد لا يوجد أي تنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة، وقد لا تتمتع المواصفات الموضوعة للمرافق بالجودة المفترضة، فقد يتم وضع مواصفات شكلية ويترك للمقاول تحديد تفاصيلها، مما يتسبب في حدوث الكثير من المشكلات ولا سيما بعد تسليم المرفق وتشغيله، لأن المواصفات لم تكن واضحة أو محددة تماماً منذ البداية، وهو ما قد يتطور فيما بعد لنزاع قضائي بين الجهة الحكومية من جهة، وبين المقاول من جهة أخرى، مما يعني ضياع الكثير من الوقت والمال والجهد في آن واحد.
وقد يتمتع المشروع الإنشائي بالجودة الإنشائية ولكنه يفتقر للمواصفات البيئية المطلوبة وفق المنظور الاستراتيجي للدولة، وقد لا يُراعي في تلك المواصفات المتانة وطول العمر الافتراضي، وهو ما قد يعني تكرار بناء المرفق لأكثر من مرة خلال بضع سنوات، أو زيادة تكلفة صيانته أو ترميمه خلال عمره الإنتاجي المفترض، وقد تكون عملية تحديد التكلفة التقديرية للمرفق مبالغا فيها جهلاً أو عمداً، ولو نظرنا للمرحلة الأخيرة من تأسيس المشروع الإنشائي، وهى مرحلة استلام المرفق، فسنجدها هي أيضاً منطوية على الكثير من المشكلات وتطالها شبهات الفساد المالي، فنتيجة لعدم تمتع الكثير من الوزارات التي تطلب إنشاء تلك المرافق بالكفاءة والخبرات الكافية لاستلامه، فقد يتم استلامه وبه بعض العيوب، وأحياناً يتم الاعتماد على مكاتب استشارية هندسية خارجية، غير أنه لا يمكن التأكد من حيادها أو تمتعها بالموثوقية.
كل ما سبق ذكره قد يتجسد في صورة مشكلات متكررة تنتاب المرفق عقب تسلمه؛ مما يعني دورة لا نهائية من هدر الموارد والفساد المالي، وهو ما يدعو «في اعتقادي الشخصي» لضرورة إنشاء وزارة مختصة بالأشغال العامة، تكون معنية بالتنسيق والتخطيط والإشراف على جميع مشروعات البنية التحتية بالدولة، بحيث ترفع لها كل وزارة طلبها للإنشاءات التي تحتاجها، ومن خلال لجانها المختصة وخبرائها يتم البت -مبدئياً- في جدوى المشروع من عدمه، وبعد التقرير المفصل تتم دراسة المشروع بشكل دقيق، لجميع مراحله وتكاليفه وجدواه، كما تكون معنية بالتنسيق بين احتياجات مختلف الوزارات، وتحديد المرافق الأولى بالإنشاء طبقاً للموارد المالية المتاحة للدولة، كما يتعين عليها التأكد من تطابق مواصفات تلك المشروعات مع الأهداف الاستراتيجية العليا للدولة، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى ترشيد استهلاك موارد الدولة وزيادة كفاءة المشروعات الإنشائية، على أن تتولى هذه الوزارة التنسيق مع الجهة المعنية بإسناد المشروعات إلى مؤسسات القطاع الخاص، والتي ينبغي أن تتمتع بالمصداقية وجودة الأداء، ومن ثم يتم استلام المرفق وفق الضوابط المحددة سلفاً بعد التأكد من تطابق التنفيذ مع المواصفات المطلوبة.
* كاتب سعودي
يضطلع القطاع الحكومي في المملكة بإنشاء الكثير من المرافق العامة كالمستشفيات والمدارس والجسور والأنفاق وتمهيد الطرق، ويقع على عاتق الدولة مهام التخطيط والرقابة لمشروعات البنى التحتية وغيرها، ويعهد بهذه الإنشاءات للقطاع الخاص كشريك في عمليات التنمية، وهي المشروعات التي تحتاج أيضاً لصيانة ومتابعة دورية، ومن الطبيعي أن يتم رصد مبالغ مالية لها تغطي نفقات إنشائها وصيانتها على نحو دوري، وفي الغالب تقوم الوزارات ومؤسسات القطاع العام بتحديد احتياجاتها من المرافق العامة، ومن ثم التنسيق مع وزارة المالية لرصد المبالغ المالية اللازمة لإنشائها، ومن ثم تقوم هذه الوزارات بإعلانات المنافسة لإسنادها لمؤسسات القطاع الخاص لتنفيذها وفق معايير ومواصفات يتم تحديدها من قبل كل وزارة، وهو الأمر الذي قد ينطوي على مشكلات جوهرية أساسية كما سنوضح لاحقاً.
حتى وقت قريب كانت بعض الوزارات تسيء تقدير حاجتها الفعلية لمرافق البنى التحتية وخاصة في فترات الطفرات الاقتصادية، وذلك بسبب توافر الموارد المالية لها؛ حيث تقوم بعض الوزارات بإدراج حاجتها لإنشاء مرافق ومشروعات ضمن خطتها المالية للسنوات المقبلة، وفي واقع الأمر قد لا تكون هناك حاجة فعلية -أو على الأقل ليست هناك حاجة ماسة لإنشاء تلك المرافق والمشروعات- وربما يكون لديها مثل تلك المرافق ولا تحتاج لأكثر من صيانة أو ترميم، ولعل تلك الخطوات كانت أحد أسباب الفساد المالي المقنع والذي -إذا ما أخذنا بمبدأ حسن الظن- يحسب في خانة إهدار للموارد المالية للدولة.
عادة ما يكون لكل وزارة قسم للمشروعات الهندسية والذي يقوم بتحديد مواصفات المرفق المطلوب إنشاؤه، ومن ثم تحديد التكلفة التقديرية الملائمة له، وبعد رصد المبلغ المخصص من قبل وزارة المالية تقوم الجهة بالإعلان عن المنافسة، ومن ثم ترسية العقد على إحدى مؤسسات القطاع الخاص التي ستقوم بتنفيذ المرفق، كما تقوم هذه الجهة نفسها بإجراءات استلام المرفق، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن كل مرحلة من تلك المراحل تمثل بوابة ضخمة للهدر والفساد المالي واستنزاف موارد الدولة.
قد تكون هناك جهات حكومية أخرى تكون بحاجة ماسة للتمويل الذي تحصل عليه الجهة التي لا تحتاج بشكل ملح لإنشاء هذا المرفق، غير أنه للأسف الشديد لا يوجد أي تنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة، وقد لا تتمتع المواصفات الموضوعة للمرافق بالجودة المفترضة، فقد يتم وضع مواصفات شكلية ويترك للمقاول تحديد تفاصيلها، مما يتسبب في حدوث الكثير من المشكلات ولا سيما بعد تسليم المرفق وتشغيله، لأن المواصفات لم تكن واضحة أو محددة تماماً منذ البداية، وهو ما قد يتطور فيما بعد لنزاع قضائي بين الجهة الحكومية من جهة، وبين المقاول من جهة أخرى، مما يعني ضياع الكثير من الوقت والمال والجهد في آن واحد.
وقد يتمتع المشروع الإنشائي بالجودة الإنشائية ولكنه يفتقر للمواصفات البيئية المطلوبة وفق المنظور الاستراتيجي للدولة، وقد لا يُراعي في تلك المواصفات المتانة وطول العمر الافتراضي، وهو ما قد يعني تكرار بناء المرفق لأكثر من مرة خلال بضع سنوات، أو زيادة تكلفة صيانته أو ترميمه خلال عمره الإنتاجي المفترض، وقد تكون عملية تحديد التكلفة التقديرية للمرفق مبالغا فيها جهلاً أو عمداً، ولو نظرنا للمرحلة الأخيرة من تأسيس المشروع الإنشائي، وهى مرحلة استلام المرفق، فسنجدها هي أيضاً منطوية على الكثير من المشكلات وتطالها شبهات الفساد المالي، فنتيجة لعدم تمتع الكثير من الوزارات التي تطلب إنشاء تلك المرافق بالكفاءة والخبرات الكافية لاستلامه، فقد يتم استلامه وبه بعض العيوب، وأحياناً يتم الاعتماد على مكاتب استشارية هندسية خارجية، غير أنه لا يمكن التأكد من حيادها أو تمتعها بالموثوقية.
كل ما سبق ذكره قد يتجسد في صورة مشكلات متكررة تنتاب المرفق عقب تسلمه؛ مما يعني دورة لا نهائية من هدر الموارد والفساد المالي، وهو ما يدعو «في اعتقادي الشخصي» لضرورة إنشاء وزارة مختصة بالأشغال العامة، تكون معنية بالتنسيق والتخطيط والإشراف على جميع مشروعات البنية التحتية بالدولة، بحيث ترفع لها كل وزارة طلبها للإنشاءات التي تحتاجها، ومن خلال لجانها المختصة وخبرائها يتم البت -مبدئياً- في جدوى المشروع من عدمه، وبعد التقرير المفصل تتم دراسة المشروع بشكل دقيق، لجميع مراحله وتكاليفه وجدواه، كما تكون معنية بالتنسيق بين احتياجات مختلف الوزارات، وتحديد المرافق الأولى بالإنشاء طبقاً للموارد المالية المتاحة للدولة، كما يتعين عليها التأكد من تطابق مواصفات تلك المشروعات مع الأهداف الاستراتيجية العليا للدولة، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى ترشيد استهلاك موارد الدولة وزيادة كفاءة المشروعات الإنشائية، على أن تتولى هذه الوزارة التنسيق مع الجهة المعنية بإسناد المشروعات إلى مؤسسات القطاع الخاص، والتي ينبغي أن تتمتع بالمصداقية وجودة الأداء، ومن ثم يتم استلام المرفق وفق الضوابط المحددة سلفاً بعد التأكد من تطابق التنفيذ مع المواصفات المطلوبة.
* كاتب سعودي