يراقب المهتمون بالشأن السعودي الأوامر الملكية بشكل مكثف نظرا لما يمكن قراءته في اتجاه البوصلة للدولة. وجاءت الأوامر الملكية الأخيرة كتأكيد واستمرارية في النهج الإصلاحي الذي تسير عليه في السنوات الأخيرة، وتكريس العمل المؤسساتي وتزكية بناء المنظومة الإدارية المتكاملة لأجهزة الدولة، وكذلك تأسيس الأسلوب الرقابي وبالتالي المحاسبي عبر تقوية وتمكين أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد. فهذه المسائل المحورية هي أهم من أخبار أسماء بعينها تحظى بمنصب ما أو تعفى منه. وقد كان لافتا في الأوامر الملكية الأخيرة إنشاء وزارة مستقلة ومنفصلة للصناعة والثروة المعدنية، والوزير الجديد أمامه تحديات استثنائية في القطاعين. القطاع الصناعي في السعودية «متعب» ويئن لأسباب كثيرة ومختلفة؛ واحد منها «الإغراق» الهائل الحاصل في السلع المنافسة من المنتجات الآسيوية والتي تسببت (مع غيرها من الأسباب) في إغلاق عدد غير بسيط من المصانع الوطنية، وإذا كانت أمريكا (الاقتصاد الأكبر في العالم) قررت اتخاذ إجراءات احترازية حمائية للحفاظ على تنافسية مصانعها، وكذلك فعلت الهند وبريطانيا والبرازيل لها توجهات شبيهة فلن يعيب السعودية القيام بذات الشيء. وأعتقد أن عضوية السعودية في منظمة التجارة العالمية يجب أن لا تكون حاجزا أمام إجراءات لحماية صناعات صرفت عليها مئات الملايين من الريالات وأثمرت مردودا جيدا ووظفت المئات من المواطنين. الصناعة متألمة وبحاجة لوقفة جادة يتم فيها الوصول لحلول خارج الصندوق. أما الثروة المعدنية فهي قطاع واعد ظلم على حساب النفط لسنوات طويلة، وهناك العديد من الإنجازات التي من الممكن تحقيقها، وكل الأمل أن يتم فتح المجال للاستثمار الوطني والأجنبي للقطاعين الخاص والعام بشكل تكون فيه الفرص عادلة ومتكافئة. ولعل من أهم توجهات بوصلة الدولة في السعودية هو تعزيز دور القضاء كمؤسسة مستقلة ومرجعية عامة، بحيث تكون أحكامها نافذة على كافة القطاعات وذلك لأجل إنجاز العدالة ومن خلال ذلك التضييق على منافذ «المحسوبية» و«الفساد» وعليه الأمل أن يتم اللجوء إلى القضاء فقط في حالة وجود مطالبة مالية من جهة حكومية على مؤسسة أو شركة أو فرد مستقل، حيث إن هناك سلطات غير محدودة لعدد كبير من الوزارات والهيئات الحكومة للقيام «بالمعاقبة المالية الفورية» على شكل عقوبات وغرامات دون أن يكون هناك حق الاعتراض الاستباقي والادعاء القضائي للنظر بشكل مستقل في قول المدعي على المدعى عليه، وأن يتم اللجوء إلى منهجية قضائية متكاملة للفصل في المسألة. بهذا الشكل يتم تعزيز مناخ الاستثمار والأعمال وتقوية واستقلال مؤسسة القضاء واحترام دولة القانون وتقليص فرص الفساد والارتجال والمحسوبية. كل خطوة إصلاحية في السعودية هي لصالح بناء الدولة المستدامة والتطوير المستمر في المسيرة الإصلاحية مسألة تستحق أن تدعم.
* كاتب سعودي
* كاتب سعودي