المشهد في اليمن الشقيق ومنذ ثلاثة عقود تقريباً يمكن تلخيصه أن هناك دولة هشة لها سلطة شرعية مركزية لم تحسن العمل السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي طوال تلك العقود ولم تستفد من كل ثروات بلادها ولا حتى المساعدات التي يبذلها لها الجيران وغيرهم ولاتحويلات الملايين من عمالتها الوطنية في الخارج، واستمرت في اللعب على حالات التناقض الجهوية والقبلية فأدى ذلك مع مرور الوقت إلى حالات التشظي والنزاعات الجهوية والطائفية في كل أنحاء الدولة وأطرافها، هذه الدولة في شكلها الحديث كانت في الأساس دولتين بعاصمتين (صنعاء وعدن) ثم اتحدتا في دولة وعاصمة واحدة، ثم خاضتا حرباً انفصالية بعد بضع سنوات قليلة من وحدتهما، ثم بقيتا متحدتين في ظل ظروف سياسية غير مستقرة انتهت في لحظة فارقة بانقلاب على السلطة الشرعية التي تمثل رغم كل ما قيل ويقال وحدة البلاد وصمام أمانها لصالح مليشيات طائفية قادمة من القرون الوسطى بإنقلاب فاشي همجي تم تسهيل وصوله بفضل حالة الحقد والتنافس بين الأطراف المتنازعة على السلطة لتصبح الشرعية ليست خارج السلطة فقط بل خارج البلاد أيضاً.
المتغير الوحيد الذي طرأ على الحالة الشرعية اليمنية بعد أن فقدت كل شيء، هو نجدة أشقاء اليمن عسكرياً بقيادة المملكة العربية السعودية معلنة تحالفاً عربياً يعيد لليمن سلطته الشرعية وللشعب اليمني دولته وخياراته المستقبلية بعد أن استنفدت المملكة كل الطرق الدبلوماسية لإصلاح الشأن اليمني عبر عدة مبادرات سياسية حظيت باتفاق وتوقيع الفرقاء في اليمن ثم انقلب عليها الكثير وجردوها من مضمونها..
أطلقت عاصفة الحزم وساهمت دول عربية فيها وأهمها دولة الإمارات العربية وأطلقت ليس بعيدا عنها إعادة الأمل، أنشئت جيوش يمنية من الصفر ومساعدات إنسانية وغذائية ودوائية لشعبنا الشقيق في اليمن، وبذلت التضحيات الجسام واختلطت الدماء العربية على أرض اليمن العربي، وهيأت المملكة المكان والمكانة المناسبة للقيادة الشرعية لأخذ دورها وممارسة مهامها ولكن الحقيقة أن النزاعات الجهوية والمناطقية قد أخذت في الاتساع وزاد من ذلك بعض القرارات غير الموفقة التي أصدرتها الشرعية من الرياض وكأنها تبدل أولوياتها، ولاتعرف شيئاً عن الجروح غير الملتئمة منذ عقود فمنحت الوطنية لبعض الفرقاء، وحجبتها عن البعض رغم أن الجميع مفترض فيه أنه يحرر أرضه ويقاوم الانقلاب الحوثي، ثم التفتت يميناً ويساراً فبدأت بعض عياراتها الطائشة وخصوصاً من بعض قوى الإصلاح الإخوانية في التوجه للتحالف نفسه الذي ضحى لأجل اليمن ولأجلها بما يطاق ولا يطاق فبدأ اللمز في موقف المملكة العربية السعودية والتصريح بالعداء للإمارات العربية المتحدة..!
وغاب اليمن وغابت قضية شعبه الأساسية ليبدأ صراع جهوي آخر بين ما يسمى وحدات من الجيش الشرعي ووحدات أخرى من المجلس الانتقالي وجميعهما ينزع من كل طرف ثياب الوطنية.
الشرعية تكيل التهم للانتقالي وتقول عنهم إنهم انفصاليون انقلابيون استغلوا فراغ السلطة لبعث نزعات انفصالية، فيما يرى الانتقالي أنه أنجز مهمته الأهم مع التحالف العربي وكانوا صادقين وافين وحرروا الأرض والعرض وكل المحافظات الجنوبية بينما يتربص به بعض من يمثل الشرعية الدوائر وبدلاً من أن يحرروا محافظة شمالية واحدة على الأقل توجهت جيوشهم بقضها وقضيضها للمكان والزمان الخطأ.
وأقول لإخواني في الشرعية وضعكم في الأصل لم يكن مثالياً وإلا لما تمكنت مليشيا من اختراق صعدة وعمران والوصول إلى قصر الرئاسة في صنعاء جهاراً نهاراً، العقل والواقع يحتمان عليكم بتناسي كل الجزئيات بمشاكلها وتعقيداتها، والتركيز على السبب الأساسي الذي جعلكم في «الرياض» منذ خمس سنوات بدلاً من أن تكونوا في صنعاء العاصمة! أليس هو الانقلاب الحوثي فلماذا تطيش بنادقكم تجاه أطراف أخرى مهما كان الخلاف معهم، فالمشكل الأساسي يظل قائماً في أن الدولة اليمنية بسلطتها وشرعيتها اختطفت ولم تعد ولن تعود ما لم تتوجهوا لعدوكم الأساسي، فإذا تمت استعادة صنعاء وتعز وإب والحديدة فلن يستطيع انتقالي أو غيره أن يفرض أمراً واقعاً خارج سلطة الدولة والقوانين الدولية وسيقف معكم الجميع مصفقاً ومؤيداً لكل ما يخدم اليمن ويرتضيه شعبه وفق منطق الدولة والنظام والقوانين المرعية في مشاكل مماثلة لما تتعرضون له، أما تضييع الوقت وتمييع القضية الأساسية فلن يقبله التحالف منكم أو من غيركم، وها هو اجتماع «جدة» على الأبواب وهو فرصة لإثبات نيتكم وصدقكم مع اليمن وشعبه قبل التحالف لتحرير العاصمة السليبة من براثن التسلط الكهنوتي، كما أن للضيف وطالب النصرة حقا على المضيف وناصره فإن عليه واجبات وصفات عليه أن يقوم ويتحلى بها والسعودية هي من اختارت الدفاع عنكم وعن قضيتكم ولاتحتاج منكم أن تدافعوا عنها بقدر ما تحتاج أن تحبوا يمنكم وأن تكونوا مخلصين لهذا البلد العريق وشعبه الشقيق وأنا واثق أنه متى ما أراد اليمنيون صنعاء وصلوها ولو كان دونها مصاعب الدنيا كلها.
أما المجلس الانتقالي بقيادته وجيشه فالجميع يثمن كل تضحيات شعب وقبائل المحافظات الجنوبية وشجاعتها وبسالتها في عدن وشبوة وغيرهما حتى طرد آخر فلول للحوثي فقد أنجزتم مهمتكم بكل شجاعة شهادة للتاريخ ولكن تذكروا أنه لولا دعم التحالف العربي وتضحياته ووقوفه في اللحظة الحرجة مع الحق الشرعي ومعكم ما كان للانتقالي أو لغيره أن تتحرر كل الأرض التي تحت أقدامكم الآن، ولايمكن لهذا التحالف أن ينقلب على شرعية السلطة وإلا لضاع اليمن شمالاً وجنوباً في صراعات دموية لن تنتهي ولو بعد عقود وأول من سيعاني منها هو أنتم، وأي قضية مهما كبرت أو صغرت تحل في إطار الدولة الشرعية والنظام السياسي بصيغه المتعددة للحكم مسنوداً بالقانون الدولي وليس لكم مأمن في وجود الحوثي في صنعاء وإن طال الزمن فلاتحدثوا ما يشغل السلطة والتحالف عن تحقيق الهدف الرئيسي من كل هذه التضحيات التي بذلت من أجلكم.
* كاتب سعودي
المتغير الوحيد الذي طرأ على الحالة الشرعية اليمنية بعد أن فقدت كل شيء، هو نجدة أشقاء اليمن عسكرياً بقيادة المملكة العربية السعودية معلنة تحالفاً عربياً يعيد لليمن سلطته الشرعية وللشعب اليمني دولته وخياراته المستقبلية بعد أن استنفدت المملكة كل الطرق الدبلوماسية لإصلاح الشأن اليمني عبر عدة مبادرات سياسية حظيت باتفاق وتوقيع الفرقاء في اليمن ثم انقلب عليها الكثير وجردوها من مضمونها..
أطلقت عاصفة الحزم وساهمت دول عربية فيها وأهمها دولة الإمارات العربية وأطلقت ليس بعيدا عنها إعادة الأمل، أنشئت جيوش يمنية من الصفر ومساعدات إنسانية وغذائية ودوائية لشعبنا الشقيق في اليمن، وبذلت التضحيات الجسام واختلطت الدماء العربية على أرض اليمن العربي، وهيأت المملكة المكان والمكانة المناسبة للقيادة الشرعية لأخذ دورها وممارسة مهامها ولكن الحقيقة أن النزاعات الجهوية والمناطقية قد أخذت في الاتساع وزاد من ذلك بعض القرارات غير الموفقة التي أصدرتها الشرعية من الرياض وكأنها تبدل أولوياتها، ولاتعرف شيئاً عن الجروح غير الملتئمة منذ عقود فمنحت الوطنية لبعض الفرقاء، وحجبتها عن البعض رغم أن الجميع مفترض فيه أنه يحرر أرضه ويقاوم الانقلاب الحوثي، ثم التفتت يميناً ويساراً فبدأت بعض عياراتها الطائشة وخصوصاً من بعض قوى الإصلاح الإخوانية في التوجه للتحالف نفسه الذي ضحى لأجل اليمن ولأجلها بما يطاق ولا يطاق فبدأ اللمز في موقف المملكة العربية السعودية والتصريح بالعداء للإمارات العربية المتحدة..!
وغاب اليمن وغابت قضية شعبه الأساسية ليبدأ صراع جهوي آخر بين ما يسمى وحدات من الجيش الشرعي ووحدات أخرى من المجلس الانتقالي وجميعهما ينزع من كل طرف ثياب الوطنية.
الشرعية تكيل التهم للانتقالي وتقول عنهم إنهم انفصاليون انقلابيون استغلوا فراغ السلطة لبعث نزعات انفصالية، فيما يرى الانتقالي أنه أنجز مهمته الأهم مع التحالف العربي وكانوا صادقين وافين وحرروا الأرض والعرض وكل المحافظات الجنوبية بينما يتربص به بعض من يمثل الشرعية الدوائر وبدلاً من أن يحرروا محافظة شمالية واحدة على الأقل توجهت جيوشهم بقضها وقضيضها للمكان والزمان الخطأ.
وأقول لإخواني في الشرعية وضعكم في الأصل لم يكن مثالياً وإلا لما تمكنت مليشيا من اختراق صعدة وعمران والوصول إلى قصر الرئاسة في صنعاء جهاراً نهاراً، العقل والواقع يحتمان عليكم بتناسي كل الجزئيات بمشاكلها وتعقيداتها، والتركيز على السبب الأساسي الذي جعلكم في «الرياض» منذ خمس سنوات بدلاً من أن تكونوا في صنعاء العاصمة! أليس هو الانقلاب الحوثي فلماذا تطيش بنادقكم تجاه أطراف أخرى مهما كان الخلاف معهم، فالمشكل الأساسي يظل قائماً في أن الدولة اليمنية بسلطتها وشرعيتها اختطفت ولم تعد ولن تعود ما لم تتوجهوا لعدوكم الأساسي، فإذا تمت استعادة صنعاء وتعز وإب والحديدة فلن يستطيع انتقالي أو غيره أن يفرض أمراً واقعاً خارج سلطة الدولة والقوانين الدولية وسيقف معكم الجميع مصفقاً ومؤيداً لكل ما يخدم اليمن ويرتضيه شعبه وفق منطق الدولة والنظام والقوانين المرعية في مشاكل مماثلة لما تتعرضون له، أما تضييع الوقت وتمييع القضية الأساسية فلن يقبله التحالف منكم أو من غيركم، وها هو اجتماع «جدة» على الأبواب وهو فرصة لإثبات نيتكم وصدقكم مع اليمن وشعبه قبل التحالف لتحرير العاصمة السليبة من براثن التسلط الكهنوتي، كما أن للضيف وطالب النصرة حقا على المضيف وناصره فإن عليه واجبات وصفات عليه أن يقوم ويتحلى بها والسعودية هي من اختارت الدفاع عنكم وعن قضيتكم ولاتحتاج منكم أن تدافعوا عنها بقدر ما تحتاج أن تحبوا يمنكم وأن تكونوا مخلصين لهذا البلد العريق وشعبه الشقيق وأنا واثق أنه متى ما أراد اليمنيون صنعاء وصلوها ولو كان دونها مصاعب الدنيا كلها.
أما المجلس الانتقالي بقيادته وجيشه فالجميع يثمن كل تضحيات شعب وقبائل المحافظات الجنوبية وشجاعتها وبسالتها في عدن وشبوة وغيرهما حتى طرد آخر فلول للحوثي فقد أنجزتم مهمتكم بكل شجاعة شهادة للتاريخ ولكن تذكروا أنه لولا دعم التحالف العربي وتضحياته ووقوفه في اللحظة الحرجة مع الحق الشرعي ومعكم ما كان للانتقالي أو لغيره أن تتحرر كل الأرض التي تحت أقدامكم الآن، ولايمكن لهذا التحالف أن ينقلب على شرعية السلطة وإلا لضاع اليمن شمالاً وجنوباً في صراعات دموية لن تنتهي ولو بعد عقود وأول من سيعاني منها هو أنتم، وأي قضية مهما كبرت أو صغرت تحل في إطار الدولة الشرعية والنظام السياسي بصيغه المتعددة للحكم مسنوداً بالقانون الدولي وليس لكم مأمن في وجود الحوثي في صنعاء وإن طال الزمن فلاتحدثوا ما يشغل السلطة والتحالف عن تحقيق الهدف الرئيسي من كل هذه التضحيات التي بذلت من أجلكم.
* كاتب سعودي