تقوم العلاقات الدولية على عدة مبادئ واعتبارات. بيد أنّ مبدأ المصالح يمثل الرؤية المعيارية للعلاقات الدولية بين الدول، انطلاقاً من المقولة المشهورة لرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل: في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة.
لقد أضحى هذا المعطى مرتكزاً لتقييم العلاقات السياسية بين الدول، بعيداً عن أية ثوابت أو قيم أو مثاليات أو أخلاق، حيث تتراجع كلها أمام المصالح في علم السياسة، سواء أكانت سياسية، أم إستراتيجية، أم اقتصادية، أم تجارية، أم غيرها.
ومع التسليم بمفهوم المصالح، واعتماداً على هذه المنطلقات، فإنّ مصالح الدول الأوروبية المتعددة أعمق وأوسع مع الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون خاصة من تلك التي ترتبط بها مع إيران على الصعد كافة وفي مختلف الميادين. فعلى سبيل المثال يمثل الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً مهماً مع دول المجلس، ويرتبط بعلاقات تجارية وثقافية واقتصادية متينة، وعلاقات شراكة إستراتيجية بالغة الأهمية. وبلغ حجم التبادل التجاري عام 2017 على سبيل المثال 143 مليار دولار، وتزيد الاستثمارات على نسبة 25% من الاستثمارات الأجنبية.
إزاء هذه العلاقات المتميزة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي، يلاحظ المراقب للتطورات السياسية والتفاعلات الدولية أنّ دول الاتحاد انبرت للعمل بكل السبل والوسائل للحفاظ على الاتفاق النووي (JCPOA) الذي وقع في فيينا في 14 تموز 2015 بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (P5+1).
وبقي سعي دول الاتحاد الأوروبي متواصلاً لإنقاذ الاتفاق، رغم انسحاب الإدارة الأمريكية منه، ثم فرض واشنطن عقوبات ضيّقت الخناق الاقتصادي على طهران، بما في ذلك تصفير تصدير نفطها، للضغط على النظام الإيراني، والحدّ من تطوير قدراته النووية، وتغيير سياساته الخارجية، ولجم برنامجه للصواريخ الباليستية ودعمه للإرهاب.
فتارة تعمل دول الاتحاد الأوروبي على إيجاد أنماط وآليات لتقويض فعالية العقوبات الأمريكية عبر الالتفاف عليها بخلق آلية للتبادل المالي والتجاري مع إيران عبر ما عرف بـ (Instex) إنستكس، التي ضمت في عضويتها كبريات الدول الأوروبية: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتارة أخرى تسعى فرنسا لإطلاق مبادرة تتمثل بمنح إيران خمسة عشر مليار دولار للحد من دورها الإقليمي المزعزِعِ للاستقرار وبرنامجها الصاروخي الباليستي. هذه المساعي تمثل البحث عن صيغ ومخارج لفك العزلة الدولية والتسويق للنظام الإيراني. ولعل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المفاجئة لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى مدينة بياتريس؛ حيث عقدت قمة مجموعة السبع اجتماعاتها يوم السبت 24 أغسطس، تعد تطوراً خطيراً في التحركات الأوروبية لدعم إيران.
وتشير وسائل الإعلام الغربية إلى أنّ فرنسا ما انفكت تعمل في هذا الاتجاه، حتى إنها قادت حملة تهدف إلى إقناع قيادات دول السبع أثناء الاجتماع بتخفيض العقوبات، وإيجاد مخارج للتفاوض مع إيران حيال التفاهم حول صيغة جديدة معدلة للاتفاق ترضي الولايات المتحدة ولا تغضب طهران.
هذه الدعوة لوزير خارجية إيران، وهو شخصية تخضع للعقوبات، والحملة لدعم إيران، تعكس ذهنية دول الفرنجة تجاه طهران. ولعل خطورة مثل هذه التحركات من قبل دول فاعلة كفرنسا تثير الاستغراب؛ فحرص باريس واندفاعها وحماستها المفرطة يعطي انطباعاً خاطئاً للنظام الإيراني، ويمنحه إحساساً بأنّ تصرفاته وممارساته في خلق التوتر، وزعزعة الأمن في المياه الدولية مرضيّ عنها وتؤدي إلى نتيجة، خصوصاً إذا لم تشرك دول المنطقة في أية مفاوضات جديدة، تفادياً لإعادة التجربة السابقة في استبعاد دول المنطقة، من الاتفاق المبرم. وبالتالي فإنّ أي مفاوضات مستقبلية لا بد أن تأخذ رؤية دول المجلس، وإخضاع سياسات إيران للامتثال لميثاق الأمم المتحدة، واحترام المواثيق الدولية، وتحريم العبث في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
هذه الهرولة لكسب ود إيران تبدو غريبة وغير مستساغة في ضوء الفقه السياسي، خصوصاً أنّ ثمة دعوات تروِّج للقاء محتمل بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي تعد مناسبة سنوية لتواجد مختلف قادة العالم. وبلا ريب أنّ واشنطن ربما لا تمانع اللقاء الموعود من أجل مقاربة أمريكية إيرانية ما، رغم اشتراطات ترامب بأنّ على الإيرانيين أن يكونوا «لاعبين جيدين» قبل أن يوافق على عقد اجتماع معهم!
وإزاء هذه التطورات، يتعيّن أخذ زمام المبادرة والتحرك لحث القوى الفاعلة في المجتمع الدولي والمؤثرة في السياسة العالمية للحد من نفوذ وتصرفات إيران في المنطقة، وعدم تجاهل أو إبعاد دول المنطقة عن أي اتفاق أو بروتكول يتم في هذا الشأن، بغية التقليل من أثر أي اتفاقات قد تضر بالمصالح المشتركة، وتقوض الأمن والاستقرار في المنطقة.
* كاتب سعودي
لقد أضحى هذا المعطى مرتكزاً لتقييم العلاقات السياسية بين الدول، بعيداً عن أية ثوابت أو قيم أو مثاليات أو أخلاق، حيث تتراجع كلها أمام المصالح في علم السياسة، سواء أكانت سياسية، أم إستراتيجية، أم اقتصادية، أم تجارية، أم غيرها.
ومع التسليم بمفهوم المصالح، واعتماداً على هذه المنطلقات، فإنّ مصالح الدول الأوروبية المتعددة أعمق وأوسع مع الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون خاصة من تلك التي ترتبط بها مع إيران على الصعد كافة وفي مختلف الميادين. فعلى سبيل المثال يمثل الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً مهماً مع دول المجلس، ويرتبط بعلاقات تجارية وثقافية واقتصادية متينة، وعلاقات شراكة إستراتيجية بالغة الأهمية. وبلغ حجم التبادل التجاري عام 2017 على سبيل المثال 143 مليار دولار، وتزيد الاستثمارات على نسبة 25% من الاستثمارات الأجنبية.
إزاء هذه العلاقات المتميزة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي، يلاحظ المراقب للتطورات السياسية والتفاعلات الدولية أنّ دول الاتحاد انبرت للعمل بكل السبل والوسائل للحفاظ على الاتفاق النووي (JCPOA) الذي وقع في فيينا في 14 تموز 2015 بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (P5+1).
وبقي سعي دول الاتحاد الأوروبي متواصلاً لإنقاذ الاتفاق، رغم انسحاب الإدارة الأمريكية منه، ثم فرض واشنطن عقوبات ضيّقت الخناق الاقتصادي على طهران، بما في ذلك تصفير تصدير نفطها، للضغط على النظام الإيراني، والحدّ من تطوير قدراته النووية، وتغيير سياساته الخارجية، ولجم برنامجه للصواريخ الباليستية ودعمه للإرهاب.
فتارة تعمل دول الاتحاد الأوروبي على إيجاد أنماط وآليات لتقويض فعالية العقوبات الأمريكية عبر الالتفاف عليها بخلق آلية للتبادل المالي والتجاري مع إيران عبر ما عرف بـ (Instex) إنستكس، التي ضمت في عضويتها كبريات الدول الأوروبية: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتارة أخرى تسعى فرنسا لإطلاق مبادرة تتمثل بمنح إيران خمسة عشر مليار دولار للحد من دورها الإقليمي المزعزِعِ للاستقرار وبرنامجها الصاروخي الباليستي. هذه المساعي تمثل البحث عن صيغ ومخارج لفك العزلة الدولية والتسويق للنظام الإيراني. ولعل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المفاجئة لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى مدينة بياتريس؛ حيث عقدت قمة مجموعة السبع اجتماعاتها يوم السبت 24 أغسطس، تعد تطوراً خطيراً في التحركات الأوروبية لدعم إيران.
وتشير وسائل الإعلام الغربية إلى أنّ فرنسا ما انفكت تعمل في هذا الاتجاه، حتى إنها قادت حملة تهدف إلى إقناع قيادات دول السبع أثناء الاجتماع بتخفيض العقوبات، وإيجاد مخارج للتفاوض مع إيران حيال التفاهم حول صيغة جديدة معدلة للاتفاق ترضي الولايات المتحدة ولا تغضب طهران.
هذه الدعوة لوزير خارجية إيران، وهو شخصية تخضع للعقوبات، والحملة لدعم إيران، تعكس ذهنية دول الفرنجة تجاه طهران. ولعل خطورة مثل هذه التحركات من قبل دول فاعلة كفرنسا تثير الاستغراب؛ فحرص باريس واندفاعها وحماستها المفرطة يعطي انطباعاً خاطئاً للنظام الإيراني، ويمنحه إحساساً بأنّ تصرفاته وممارساته في خلق التوتر، وزعزعة الأمن في المياه الدولية مرضيّ عنها وتؤدي إلى نتيجة، خصوصاً إذا لم تشرك دول المنطقة في أية مفاوضات جديدة، تفادياً لإعادة التجربة السابقة في استبعاد دول المنطقة، من الاتفاق المبرم. وبالتالي فإنّ أي مفاوضات مستقبلية لا بد أن تأخذ رؤية دول المجلس، وإخضاع سياسات إيران للامتثال لميثاق الأمم المتحدة، واحترام المواثيق الدولية، وتحريم العبث في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
هذه الهرولة لكسب ود إيران تبدو غريبة وغير مستساغة في ضوء الفقه السياسي، خصوصاً أنّ ثمة دعوات تروِّج للقاء محتمل بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي تعد مناسبة سنوية لتواجد مختلف قادة العالم. وبلا ريب أنّ واشنطن ربما لا تمانع اللقاء الموعود من أجل مقاربة أمريكية إيرانية ما، رغم اشتراطات ترامب بأنّ على الإيرانيين أن يكونوا «لاعبين جيدين» قبل أن يوافق على عقد اجتماع معهم!
وإزاء هذه التطورات، يتعيّن أخذ زمام المبادرة والتحرك لحث القوى الفاعلة في المجتمع الدولي والمؤثرة في السياسة العالمية للحد من نفوذ وتصرفات إيران في المنطقة، وعدم تجاهل أو إبعاد دول المنطقة عن أي اتفاق أو بروتكول يتم في هذا الشأن، بغية التقليل من أثر أي اتفاقات قد تضر بالمصالح المشتركة، وتقوض الأمن والاستقرار في المنطقة.
* كاتب سعودي