على مدى أكثر من شهر ظل النفط الإيراني يجوب البحار بحثاً عن وجهة ممكنة أو سوق سوداء تقبل به بأبخس الأثمان. لم تكن ناقلة النفط الإيراني «أدريان داريا1» سوى واحدة من قصص بؤس كثيرة تكشف ما وصلت إليه إيران من عزلة دولية وأوضاع اقتصادية صعبة. استخدمت إيران منذ خضوعها لسلطة الملالي العام 1979 أموالاً طائلة في بناء الأذرع الطويلة، لكن النتيجة كانت أن ضاقت الأرض كلها ببرميل النفط الإيراني، ظنت سلطة الملالي لعقود أن بناء أذرع طويلة في لبنان وسورية والعراق واليمن وغيرها على حساب احتياجات المواطن الإيراني سيمكنها من الوصول إلى مرتبة الوكيل والمتعهد الحصري لثروات وإمكانيات المنطقة العربية، من خلال توظيف هذه المكونات في خلخلة أمن واستقرار هذه المنطقة من العالم، فيما تظل هي في مأمن داخل حدودها الجيو سياسية، غير أن حساباتها لم تكن دقيقة بما يكفي، فها هي قد أصبحت جميع إمكاناتها وبُناها الإستراتيجية اليوم أهدافا مشروعة للقصف. الإفراط في دعم عملية تصدير الثورة بغرض نقل حروبها إلى الخارج، إضافة إلى منظومة الفساد الحاكم، سبب هشاشة في الاقتصاد كما تفيد الشواهد في الداخل الإيراني، وهو أمر بات ينخر في تماسك جبهتها الداخلية بوتيرة أعلى يوماً بعد آخر، فيما يعمل الاستنزاف المستمر في حرب سورية واليمن والعراق وغيرها، إضافة إلى الأثر الثقيل الذي تحدثه العقوبات الاقتصادية الدولية المتصاعدة عوامل من شأنها التسريع بإعادة تصدير الثورة إلى الداخل المحتقن ضد سلطة الملالي. في المقابل تحظى المملكة العربية السعودية بمكانة دولية وازنة وتتحرك عبر كل جهات العالم بكامل الحرية والقبول. الحديث عن المملكة يعني الحديث عن بلد قوي متماسك قادر على حماية أراضيه ومقدراته ومتفرد في امتلاك ما يكفي من عوامل القوة وبناء التحالفات الفاعلة بسلاسة وسرعة في كل اتجاه. تحتفظ المملكة بحق الرد الذي تراه وهي من تقرر متى وأين وكيف؟، حق يكفله القانون الدولي، حق المملكة أن تقرر ما تراه بين الرد السريع أو غير المتعجل تبعاً لحسابات الجدوى والمكسب السياسي المضاف. وحدها إيران من تقلق الآن، والقلق في حسابات الدول أمر مكلف، فمع اقتصاد هش وعزلة وحصار ستزيد إجراءات الوقاية المرتبكة التي ستقوم بها إيران ولا شك من تعقيد أزماتها الداخلية، في حين يمثل تشكل إجماعٍ عالمي على تأديب إيران مكسباً إضافياً في يد السعودية. استهداف الاقتصاد العالمي يضع هيبة وجدية الولايات المتحدة على المحك ويدفع بريطانيا وحلفاءها الأوروبيين إلى اتخاذ موقف جاد وحاسم ويفتح الطريق أمام الروس لتوسيع ملعبهم السياسي على حساب أمريكا والغرب في حال التخاذل. تفاعلات تجري في صالح المملكة، في حين رأت أن الرد العاجل ربما يمثل فرجا أقل كلفة لإيران التي تتلقى ردا عالميا مكلفا كل يوم بل ربما كل ساعة، في ذات الوقت تحتفظ المملكة وفوق كل ذلك بحق الرد بشكل كامل. يبدأ الانهيار بشكل بطيء في الغالب، لكنه عند نقطة ما، يأخذ قيمة تسارع أكبر من ممكنات إيقافه، والمتتبع للمؤشرات السياسية والاقتصادية يمكنه استقراء موعد قريب لتسارع انهيار نظام الملالي في إيران. يمر النظام الإيراني قبل السقوط الأخير كما يبدو بحالة ضيق مزرية بين عزلة عالمية وبوادر انفجار داخلي وشيك وبين سياسة داخلية قمعية وخارجية عدائية، الأمر الذي بات واضحاً معه أن عوامل التسارع في الانهيار بدأت في التجمع. بلد قوي متماسك طويل النفس كالسعودية يملك من القوة والإرادة ما يكفي للقيام برد موجع على طهران، هذا أمر مفروغ منه، لكن على العالم أن يتحرك. تماسك الشعب السعودي وصلابته إزاء ما يتهدد استقرار بلده أمر حتمي وكذلك الالتفاف المصيري العربي، غير أن في يد المملكة أوراقا أخرى إضافية. استهدف الاعتداء الإيراني في 14 سبتمبر الجاري قلب الجسد العالمي للطاقة من خلال عمل حربي بالتعبير الأمريكي والدولي، هذا يعني أن الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية استهدفت في الوقت ذاته شرايين الحياة عبر العالم، ما يعني بالنتيجة أن العالم لن يضع خططه وبرامجه التنموية رهنا للمزاج الإيراني حين تُقْدم قوة ما على تهديد عجلة الاقتصاد العالمي، فإن هذه العجلة ستمزقها أشلاء وتواصل دورانها على أنقاضها، وذلك هو شبح المصير الإيراني الوشيك بحسب مؤشرات المدى المنظور.
* صحفي ومحلل سياسي يمني
* صحفي ومحلل سياسي يمني