إن من مفاهيم ومرتكزات علم الإدارة الحديث؛ الجنوح والميل نحو تقصير الظل الإداري، سعياً نحو إكساب الجهة المدارة ديناميكية وحيوية تتوافق ومتطلبات إيقاع الحركة النشط والمتسارع، الذي يشهده العالم المتطور والمتواثب لآفاق بعيدة ورحبة.. والمقصود بتقليص الظل الإداري تخفيف الأعباء الإدارية بتحديد مهام وظيفية محددة للجهة المعينة، بحيث يتيح لمن يتولى إدارتها إحكام السيطرة عليها، ليس بمفهوم السلطة، ولكن عبر إدارة الموارد المتاحة، سواءً كانت مادية أو بشرية، بما يحقق أقصى متطلبات الجودة، مع سرعة الإنجاز، وتحقيق الأهداف الموضوعة، يستوي في ذلك ما إذا كانت الجهة المشار إليها خدمية، أو إنتاجية، فكلتاهما تحتاج إلى نمط إداري رشيق، يقوم على التخصصية ما أمكن ذلك، والبعد عن الترهل الإداري، الذي عادة ما يرتبط باتساع دائرة الأعباء، وتعدد المهام والأنشطة، وتباين الوظائف والاتجاهات..
أقول هذا؛ وفي خاطري ما طالعته في مقال السيد الدكتور عبدالله دحلان في «عكاظ» بعنوان «وزارة التعليم.. بعد وزارة الصناعة»، ولو أن الدكتور الدحلان تأخّر قليلاً لكنت سابقه في طرح تأييدي لما أقدمت عليه قيادتنا الرشيدة من إفراد للطاقة بوزارة قائمة بذاتها، وتخليصها من الاقتران بالصناعة والثروة المعدنية، وهو قرار يتسق تمام الاتساق مع معطيات الحاضر، وتحديات المستقبل، فالواقع اليوم يشير بوضوح إلى أن الطاقة أصبحت عنصر الصراع العالمي بامتياز، بما يستوجب المحافظة عليها، وتنميتها وتنويع مصادرها، فلم تعد الطاقة التقليدية وافية بمتطلبات الحاضر، فالأبحاث العلمية، والجهود ماضية نحو استحداث مصادر بديلة للطاقة، مقروناً مع صداقتها للبيئة، واتسامها بأقصى درجات الأمان والسلامة، بما يحقق الأمان الاقتصادي المنشود، ومن هذا الباب يأتي إفراد الطاقة بوزارة منفصلة متوائماً ومتسقاً مع متطلبات الحاضر، ورؤية المستقبل؛ بما يتيح فرصة تقليص الظل الإداري، وفصل التخصصات، وتركيز المهام..
وفي المقابل هناك وزارة للتعليم تنوء بحمل ثقيل حمولته ملايين الطلبة والطالبات في مراحلهم الدراسية المختلفة، بعد أن تم دمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التعليم لتوحيد الجهود للوصول إلى التكامل في العملية التعليمية، ولكن زيادة عدد الجامعات وتمدد عدد المدارس على مساحة الوطن لتشمل السهل والجبل والقرية والمدينة والوادي إضافة إلى سباق المجتمع إلى الاندماج في مسيرة التعليم للحصول على وظيفة مستقبلية والانخراط في عملية التنمية والبناء بما يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات، يقول ولي العهد محمد الخير حفظه الله «إن ما نطمح إليه ليس تعويض النقص في المداخيل فقط أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم بالتعليم والتأهيل وبالفرص التي تتاح للجميع»، والناظر بعين باصرة إلى رؤية المملكة 2030 سوف يجد أن قطاع التعليم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور المجتمع وتحقيق رؤيته الطموحة هذه، ودفع عملية الاقتصاد الوطني والإسهام في تحويل الاقتصاد من الاعتماد على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد يعتمد على العقول ذات المهارة العالية والطاقات البشرية المبدعة والمنتجة. فلأجل أن تكون المخرجات التعليمية على قدر وطموح الرؤية ومستقبل الوطن فلابد أن يتم وعلى غرار ما حدث من فصل للصناعة وجعلها وزارة مستقلة بذاتها لأن المرحلة تتطلب ذلك، فوزارة التعليم المثقلة بمسؤوليات التعليم الجامعي والتدريب المهني والتعليم العام بمراحله الثلاث هي الأولى بهذا الفصل فكل قطاع تعليمي يحتاج إلى وزارة مستقلة لإدارته، فجامعاتنا التي أصبحت 28 جامعة تغطي مناطق المملكة المختلفة، تحتاج إلى وزارة مستقلة ترعى شؤون المنتسبين لها وطرق ابتعاثهم، وتلبية مطالبهم وأوراق بحوثهم العلمية وتحصيلهم الدراسي وإسهاماتهم في المجتمع وآخر المستجدات في تخصصاتهم ومواءمتها مع سوق العمل وهي مسؤولية كبيرة وعظيمة، والتعليم العام بمراحله المختلفة هو الآخر في حاجة إلى وزارة خاصة تتولى إدارته بكل ما فيه من مشاكل طلابية ومناهج دراسية وتربية نفسية وسلوكيات وحجم المشاكل وتعقيداتها وصعوبة التعامل مع الفئة العمرية لهذه المراحل (وتنمرهم) وتطلعاتهم التي لا حدود لها وصعوبة التعامل مع ستة ملايين طالب وطالبة ونصف مليون معلم ومعلمة فالعبء ثقيل والمهمة صعبة أن يكون هذا الكم الهائل تحت وزارة واحدة تزاحمهم الجامعات والمعاهد الفنية والتقنية (كان الله في عون وزيرها ومسؤوليها).
مؤيداً ما ذهب إليه السيد الدكتور دحلان من اقتراح قيم بأن تكون وزارة التعليم العالي مسؤولة عن الجامعات والابتعاث فقط وأن تكون هناك وزارة خاصة بالتعليم لمراحله المختلفة، وإعادة المؤسسة العامة للتعليم المهني والتدريب لوزارة العمل، فسوق العمل بتغيراته الأخيرة يحتاج إلى الأيدي العاملة المدربة، وعلى وزارة العمل أن ترسخ قيم العمل باعتباره قيمة إنسانية وتعزيز ثقافة العمل المهني واعتباره جزءا أساسيا وضروريا يجعل الفرد أكثر مهنية في سوق العمل.
إن قرار إفراد الطاقة بوزارة خاصة، يعمّق قناعتنا الراسخة ببعد النظر وسلامة التوجّه الذي يقود خطى قيادتنا الرشيدة، ولعل قراءة متطلبات رؤية 2030 بقلب واع يدرك أنها رؤية ماضية نحو هذه المسلمات وتحريك الساكن وخلع العباءات المقيدة وفتح الآفاق المتراحبة فمن باب المصلحة العامة أن يتم فصل كل قطاع من قطاعات التعليم لتنفرد به وزارة قائمة بذاتها فالتعليم هو الأهم في بناء جيل المستقبل الذي سيقود مخرجات الرؤية لتحقيق التنمية الشاملة للوطن المستظل بهذا العهد الزاهر.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
أقول هذا؛ وفي خاطري ما طالعته في مقال السيد الدكتور عبدالله دحلان في «عكاظ» بعنوان «وزارة التعليم.. بعد وزارة الصناعة»، ولو أن الدكتور الدحلان تأخّر قليلاً لكنت سابقه في طرح تأييدي لما أقدمت عليه قيادتنا الرشيدة من إفراد للطاقة بوزارة قائمة بذاتها، وتخليصها من الاقتران بالصناعة والثروة المعدنية، وهو قرار يتسق تمام الاتساق مع معطيات الحاضر، وتحديات المستقبل، فالواقع اليوم يشير بوضوح إلى أن الطاقة أصبحت عنصر الصراع العالمي بامتياز، بما يستوجب المحافظة عليها، وتنميتها وتنويع مصادرها، فلم تعد الطاقة التقليدية وافية بمتطلبات الحاضر، فالأبحاث العلمية، والجهود ماضية نحو استحداث مصادر بديلة للطاقة، مقروناً مع صداقتها للبيئة، واتسامها بأقصى درجات الأمان والسلامة، بما يحقق الأمان الاقتصادي المنشود، ومن هذا الباب يأتي إفراد الطاقة بوزارة منفصلة متوائماً ومتسقاً مع متطلبات الحاضر، ورؤية المستقبل؛ بما يتيح فرصة تقليص الظل الإداري، وفصل التخصصات، وتركيز المهام..
وفي المقابل هناك وزارة للتعليم تنوء بحمل ثقيل حمولته ملايين الطلبة والطالبات في مراحلهم الدراسية المختلفة، بعد أن تم دمج وزارة التعليم العالي مع وزارة التعليم لتوحيد الجهود للوصول إلى التكامل في العملية التعليمية، ولكن زيادة عدد الجامعات وتمدد عدد المدارس على مساحة الوطن لتشمل السهل والجبل والقرية والمدينة والوادي إضافة إلى سباق المجتمع إلى الاندماج في مسيرة التعليم للحصول على وظيفة مستقبلية والانخراط في عملية التنمية والبناء بما يلبي كل الطموحات ويحقق جميع الأمنيات، يقول ولي العهد محمد الخير حفظه الله «إن ما نطمح إليه ليس تعويض النقص في المداخيل فقط أو المحافظة على المكتسبات والمنجزات، ولكن طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم بالتعليم والتأهيل وبالفرص التي تتاح للجميع»، والناظر بعين باصرة إلى رؤية المملكة 2030 سوف يجد أن قطاع التعليم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور المجتمع وتحقيق رؤيته الطموحة هذه، ودفع عملية الاقتصاد الوطني والإسهام في تحويل الاقتصاد من الاعتماد على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد يعتمد على العقول ذات المهارة العالية والطاقات البشرية المبدعة والمنتجة. فلأجل أن تكون المخرجات التعليمية على قدر وطموح الرؤية ومستقبل الوطن فلابد أن يتم وعلى غرار ما حدث من فصل للصناعة وجعلها وزارة مستقلة بذاتها لأن المرحلة تتطلب ذلك، فوزارة التعليم المثقلة بمسؤوليات التعليم الجامعي والتدريب المهني والتعليم العام بمراحله الثلاث هي الأولى بهذا الفصل فكل قطاع تعليمي يحتاج إلى وزارة مستقلة لإدارته، فجامعاتنا التي أصبحت 28 جامعة تغطي مناطق المملكة المختلفة، تحتاج إلى وزارة مستقلة ترعى شؤون المنتسبين لها وطرق ابتعاثهم، وتلبية مطالبهم وأوراق بحوثهم العلمية وتحصيلهم الدراسي وإسهاماتهم في المجتمع وآخر المستجدات في تخصصاتهم ومواءمتها مع سوق العمل وهي مسؤولية كبيرة وعظيمة، والتعليم العام بمراحله المختلفة هو الآخر في حاجة إلى وزارة خاصة تتولى إدارته بكل ما فيه من مشاكل طلابية ومناهج دراسية وتربية نفسية وسلوكيات وحجم المشاكل وتعقيداتها وصعوبة التعامل مع الفئة العمرية لهذه المراحل (وتنمرهم) وتطلعاتهم التي لا حدود لها وصعوبة التعامل مع ستة ملايين طالب وطالبة ونصف مليون معلم ومعلمة فالعبء ثقيل والمهمة صعبة أن يكون هذا الكم الهائل تحت وزارة واحدة تزاحمهم الجامعات والمعاهد الفنية والتقنية (كان الله في عون وزيرها ومسؤوليها).
مؤيداً ما ذهب إليه السيد الدكتور دحلان من اقتراح قيم بأن تكون وزارة التعليم العالي مسؤولة عن الجامعات والابتعاث فقط وأن تكون هناك وزارة خاصة بالتعليم لمراحله المختلفة، وإعادة المؤسسة العامة للتعليم المهني والتدريب لوزارة العمل، فسوق العمل بتغيراته الأخيرة يحتاج إلى الأيدي العاملة المدربة، وعلى وزارة العمل أن ترسخ قيم العمل باعتباره قيمة إنسانية وتعزيز ثقافة العمل المهني واعتباره جزءا أساسيا وضروريا يجعل الفرد أكثر مهنية في سوق العمل.
إن قرار إفراد الطاقة بوزارة خاصة، يعمّق قناعتنا الراسخة ببعد النظر وسلامة التوجّه الذي يقود خطى قيادتنا الرشيدة، ولعل قراءة متطلبات رؤية 2030 بقلب واع يدرك أنها رؤية ماضية نحو هذه المسلمات وتحريك الساكن وخلع العباءات المقيدة وفتح الآفاق المتراحبة فمن باب المصلحة العامة أن يتم فصل كل قطاع من قطاعات التعليم لتنفرد به وزارة قائمة بذاتها فالتعليم هو الأهم في بناء جيل المستقبل الذي سيقود مخرجات الرؤية لتحقيق التنمية الشاملة للوطن المستظل بهذا العهد الزاهر.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com