عاشت شعوب كثيرة على أسطورة قديمة أو حدث تأريخي اعتنوا به وتفننوا في تقديسه ثم تحول إلى ثقافة قومية لا يجوز المساس بها، بل ويعاقب من يشكك في مصداقيته، ولنا في محرقة النازيين لليهود خير مثال.
القوة الناعمة و«الثقافة» أحد أذرعتها القوية هي من تشكل الذاكرة الجمعية وترسم الصورة المثالية للشعب في الاعتزاز بلغته مثلاً ونحن نعلم أن الفرنسيين لن يتحدثوا إليك سوى بالفرنسية حتى ولو كان يتحدث لغتك أو اللغة العالمية «الإنجليزية»، هذه الأمور المهمة عند القيام بها سنبدأ تدريجياً في الارتقاء لسلم الحضارة.
لن يعرفك أحد وأنت توصد الأبواب للراغبين في التعرف إليك، ستظل تلك الصورة النمطية سائدة عنك وعن مجتمعك، بل عن هويتك، والآن ونحن نعلن عن إصدار التأشيرة السياحية لا بد من بناء إستراتيجية وطنية عن «السياحة الثقافية» تشترك فيها جهات عدة وتتكون من وزارة الثقافة، هيئة السياحة والتراث الوطني، الهيئة الملكية بالعلا، أساتذة جامعات عملوا في الآثار والتاريخ والأدب، البحث عن مهتمين ومهتمات شاركوا بأعمال ومبادرات حول التعريف بأماكن ومواقع ذكرت في الشعر العربي القديم مثلاً لأن المادة الأصيلة للسياحة الثقافية مكان وحكاية وتوثيق لهما، ثم مشاريع تحفظ لهذه الأماكن إرثها الثقافي التاريخي ولنا في الاعتناء بجدة التاريخية ومدينة العلا خير مثال وشاهد.
وفي مرحلة التنفيذ أزعم أن فكرة مشاركة كبار السن في هذه الصناعة مهمة؛ لأن أولئك انتموا إلى هذه المواقع فعرفوا قصصها ممن قبلهم وربما عاشوا جزءاً من تلك القصص، وتتلخص المهمة في البحث عن قصة هنا أو حادثة هناك ثم تصميمها والتعريف بهذه المواقع من خلال هذه الحكايات و الترويج لها أيضاً، الحكايات الشعبية مصدر رائع من مصادر السياحة الثقافية، كما أن تاريخ الشعر العربي الحديث والمعلقات مثلاً أماكنها وقصصها المدهشة خير رد على من يرى في «الحتة الوسطانية» فراغا لم يقدم للحضارة العربية شيئاً كما ذكر ذلك يوسف زيدان عن منطقة نجد الثرية أدباً ومعرفة منذ القدم، بل إن السائح الغربي مثلاً الشغوف بمثل هذه المواضيع يجد في ذلك فائدة وفرحة كبيرة، ويبدأ في كتابة أساطير جديدة لألف ليلة وليلة في خياله بطريقة تختلف عن ما صنعه المستشرقون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما صوروا الشرق بأنه عبارة عن ليال للسمر فقط.
ودعونا نعترف صدقاً أن السائح الذي سيأتي للسعودية لن يبحث عن أسواق فاخرة أو دور سينما أو مسارح أو حتى حفلات غنائية لفرق عالمية، لأنه وببساطة قد سئم منها في بلاده فهو المصدر لها، فالسائح سيأتي ليعرف هذه الثقافة التي نجحت على مدى عقود في تطويق نفسها بغموض أساء لها كثيراً للأسف، المجتمع السعودي لديه الفرصة في التعريف بنفسه من خلال توعية الإنسان السعودي بكيفية التعامل مع السائح والحرص على وجود مرشدين سياحيين لا يحتاجون «الهجة» من السعودية بل من يحس بالانتماء والحب ليخرج هذا السائح وهو سفير لبلادنا في بلده، وهذا تحدٍّ ليس صعباً إطلاقاً على السعوديين والسعوديات.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@
القوة الناعمة و«الثقافة» أحد أذرعتها القوية هي من تشكل الذاكرة الجمعية وترسم الصورة المثالية للشعب في الاعتزاز بلغته مثلاً ونحن نعلم أن الفرنسيين لن يتحدثوا إليك سوى بالفرنسية حتى ولو كان يتحدث لغتك أو اللغة العالمية «الإنجليزية»، هذه الأمور المهمة عند القيام بها سنبدأ تدريجياً في الارتقاء لسلم الحضارة.
لن يعرفك أحد وأنت توصد الأبواب للراغبين في التعرف إليك، ستظل تلك الصورة النمطية سائدة عنك وعن مجتمعك، بل عن هويتك، والآن ونحن نعلن عن إصدار التأشيرة السياحية لا بد من بناء إستراتيجية وطنية عن «السياحة الثقافية» تشترك فيها جهات عدة وتتكون من وزارة الثقافة، هيئة السياحة والتراث الوطني، الهيئة الملكية بالعلا، أساتذة جامعات عملوا في الآثار والتاريخ والأدب، البحث عن مهتمين ومهتمات شاركوا بأعمال ومبادرات حول التعريف بأماكن ومواقع ذكرت في الشعر العربي القديم مثلاً لأن المادة الأصيلة للسياحة الثقافية مكان وحكاية وتوثيق لهما، ثم مشاريع تحفظ لهذه الأماكن إرثها الثقافي التاريخي ولنا في الاعتناء بجدة التاريخية ومدينة العلا خير مثال وشاهد.
وفي مرحلة التنفيذ أزعم أن فكرة مشاركة كبار السن في هذه الصناعة مهمة؛ لأن أولئك انتموا إلى هذه المواقع فعرفوا قصصها ممن قبلهم وربما عاشوا جزءاً من تلك القصص، وتتلخص المهمة في البحث عن قصة هنا أو حادثة هناك ثم تصميمها والتعريف بهذه المواقع من خلال هذه الحكايات و الترويج لها أيضاً، الحكايات الشعبية مصدر رائع من مصادر السياحة الثقافية، كما أن تاريخ الشعر العربي الحديث والمعلقات مثلاً أماكنها وقصصها المدهشة خير رد على من يرى في «الحتة الوسطانية» فراغا لم يقدم للحضارة العربية شيئاً كما ذكر ذلك يوسف زيدان عن منطقة نجد الثرية أدباً ومعرفة منذ القدم، بل إن السائح الغربي مثلاً الشغوف بمثل هذه المواضيع يجد في ذلك فائدة وفرحة كبيرة، ويبدأ في كتابة أساطير جديدة لألف ليلة وليلة في خياله بطريقة تختلف عن ما صنعه المستشرقون في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما صوروا الشرق بأنه عبارة عن ليال للسمر فقط.
ودعونا نعترف صدقاً أن السائح الذي سيأتي للسعودية لن يبحث عن أسواق فاخرة أو دور سينما أو مسارح أو حتى حفلات غنائية لفرق عالمية، لأنه وببساطة قد سئم منها في بلاده فهو المصدر لها، فالسائح سيأتي ليعرف هذه الثقافة التي نجحت على مدى عقود في تطويق نفسها بغموض أساء لها كثيراً للأسف، المجتمع السعودي لديه الفرصة في التعريف بنفسه من خلال توعية الإنسان السعودي بكيفية التعامل مع السائح والحرص على وجود مرشدين سياحيين لا يحتاجون «الهجة» من السعودية بل من يحس بالانتماء والحب ليخرج هذا السائح وهو سفير لبلادنا في بلده، وهذا تحدٍّ ليس صعباً إطلاقاً على السعوديين والسعوديات.
* كاتبة سعودية
monaalmaliki@