علق زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام على قرار سحب ترمب قواته من سورية قائلا: «كل ما جرى في العراق سيحدث في سورية أيضا إذا لم يعد النظر بقرار الانسحاب من سورية، ولا أحد يمكنه إقناعي بأن الدولة الإسلامية قد هُزمت».
ولكن هذا التصريح لم يأت بعد قرار الرئيس ترمب سحب قواته، والذي صدر الأسبوع الماضي، بل كان هذا التصريح بعد تغريدة ترمب في التاسع عشر من ديسمبر من العام الماضي، وكانت تقدير عدد القوات الأمريكية حينها 2000 عنصر، ولم تكن تقاتل على الأرض، بل كانت تقدم الدعم الجوي والاستخباري، وكان جل المقاتلين على الأرض من قوات سورية الديموقراطية.
على الجانب الآخر، كان تقدير عدد قوات «داعش» آنذاك بين العشرين إلى الثلاثين ألفا، حسب ما نشرت النيويورك تايمز نقلا عن خبير عسكري أمريكي، وهنا نتفهم خطورة الانسحاب الأمريكي والذي أكمل فصله الثاني قبل أيام، حيث يذكر ذلك بسحب أوباما لقواته من العراق في 2011، حيث لم يكن عدد عناصر القاعدة بالمئات.
وبعد الخروج الأمريكي أمكن لداعش اجتياح مناطق عراقية واسعة في لمح البصر، وهذا نتاج حل أمريكا للجيش العراقي بعد 2003، وعدم الإشراف على تكون جيش وطني، بل كان جيشا من ورق نهبه الفسدة من عملاء إيران وعلى رأسهم نوري المالكي، ولاحقا حدث الأسوأ عبر تشكيل مليشات الحشد الشعبي، لتكون جيشا موازيا كامل الولاء لإيران، وصولا إلى الأسوأ من الأسوأ وهو التدخل المباشر عبر إدخال آلاف العناصر العسكرية بدعوى حماية أربعينية الحسين.
العراق كان مهما تاريخيا لواشنطن بخلاف سورية، ونحن نشهد تراجعا كبيرا للتأثير الأمريكي في العراق لدرجة ضيقت هامش المناورة لكبح إيران في العراق محدودة، ومن جانب آخر خذل الأمريكان حلفاءهم في كردستان حين لم يعترفوا باستفتائهم بالاستقلال، أو على الأقل تنبيههم إلى أنهم لن يدعموا هذا القرار.
وهذا يذكرنا بتصريح لوزير الدفاع الأمريكي السابق الجنرال جيمس ماتيس، والذي استقال بعد قرار سحب القوات الأمريكية من سورية، حيث تحدث عن ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على تحالفاتها القوية «وتعامل الحلفاء باحترام».
على الجانب الآخر من الحدود لا يعني انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سورية فرصة لعودة ظهور داعش فقط، بل يمثل شيكا مفتوحا لأردوغان ليفتح حمام دم في قوات سورية الديموقراطية، وهي القوات الرئيسية في دحر داعش، ويقترب من إسهام في إعادة الأزمة السورية إلى المربع الأول.
فإعادة مليوني سوري إلى مناطق غير مناطقهم هو بداية لمعركة ديموغرافية، لا أحد يعرف كيف ستنتهي وكيف ستتعامل هذه الكتلة وكيف سيتم التعامل معها من محيطها، سواء من الأكراد، أو من مناطقهم التي غيرتها إيران وحزب الله ديموغرافيا، أو من الغرب حيث إدلب المكتظة بالسكان وبمختلف المسلحين، والتي تحظى بقصف روسي - سوري دائم.
قال الرئيس الأمريكي إن خياراته الثلاثة، إما إضعاف الاقتصاد التركي، أو إرسال آلاف الجنود، أو دعوة الأكراد للجلوس مع الأتراك للتفاوض، وهو بذلك يحذر من الخيار الثاني وتكلفته البشرية، وبالنسبة لخيار الحوار فبالتأكيد أن الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو بين الكوريتين أسهل من جلوس الأتراك مع الأكراد.
أما خيار إضعاف الاقتصاد التركي، فهو حاصل لكنه غير مؤثر على العملية العسكرية، خاصة أنها معركة تؤيدها جميع الأحزاب عدا حزب الشعوب الموالي للأكراد، وحتى العقوبات الأوروبية على صادرات الأسلحة لأنقرة لن توقف أردوغان.
اختار أردوغان اسما رومانسيا لهذه المعركة حيث سماها «نبع السلام»، ولكن ربما التسمية الأدق هي التي أطلقها رئيس جمهورية شمال قبرص مصطفى أقينجي، حيث سمى العملية «نبع الدماء»، وهو فعلا ما بدأنا نشاهده يوميا منذ بدء الغزو التركي لشمال شرق سورية.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
ولكن هذا التصريح لم يأت بعد قرار الرئيس ترمب سحب قواته، والذي صدر الأسبوع الماضي، بل كان هذا التصريح بعد تغريدة ترمب في التاسع عشر من ديسمبر من العام الماضي، وكانت تقدير عدد القوات الأمريكية حينها 2000 عنصر، ولم تكن تقاتل على الأرض، بل كانت تقدم الدعم الجوي والاستخباري، وكان جل المقاتلين على الأرض من قوات سورية الديموقراطية.
على الجانب الآخر، كان تقدير عدد قوات «داعش» آنذاك بين العشرين إلى الثلاثين ألفا، حسب ما نشرت النيويورك تايمز نقلا عن خبير عسكري أمريكي، وهنا نتفهم خطورة الانسحاب الأمريكي والذي أكمل فصله الثاني قبل أيام، حيث يذكر ذلك بسحب أوباما لقواته من العراق في 2011، حيث لم يكن عدد عناصر القاعدة بالمئات.
وبعد الخروج الأمريكي أمكن لداعش اجتياح مناطق عراقية واسعة في لمح البصر، وهذا نتاج حل أمريكا للجيش العراقي بعد 2003، وعدم الإشراف على تكون جيش وطني، بل كان جيشا من ورق نهبه الفسدة من عملاء إيران وعلى رأسهم نوري المالكي، ولاحقا حدث الأسوأ عبر تشكيل مليشات الحشد الشعبي، لتكون جيشا موازيا كامل الولاء لإيران، وصولا إلى الأسوأ من الأسوأ وهو التدخل المباشر عبر إدخال آلاف العناصر العسكرية بدعوى حماية أربعينية الحسين.
العراق كان مهما تاريخيا لواشنطن بخلاف سورية، ونحن نشهد تراجعا كبيرا للتأثير الأمريكي في العراق لدرجة ضيقت هامش المناورة لكبح إيران في العراق محدودة، ومن جانب آخر خذل الأمريكان حلفاءهم في كردستان حين لم يعترفوا باستفتائهم بالاستقلال، أو على الأقل تنبيههم إلى أنهم لن يدعموا هذا القرار.
وهذا يذكرنا بتصريح لوزير الدفاع الأمريكي السابق الجنرال جيمس ماتيس، والذي استقال بعد قرار سحب القوات الأمريكية من سورية، حيث تحدث عن ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على تحالفاتها القوية «وتعامل الحلفاء باحترام».
على الجانب الآخر من الحدود لا يعني انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سورية فرصة لعودة ظهور داعش فقط، بل يمثل شيكا مفتوحا لأردوغان ليفتح حمام دم في قوات سورية الديموقراطية، وهي القوات الرئيسية في دحر داعش، ويقترب من إسهام في إعادة الأزمة السورية إلى المربع الأول.
فإعادة مليوني سوري إلى مناطق غير مناطقهم هو بداية لمعركة ديموغرافية، لا أحد يعرف كيف ستنتهي وكيف ستتعامل هذه الكتلة وكيف سيتم التعامل معها من محيطها، سواء من الأكراد، أو من مناطقهم التي غيرتها إيران وحزب الله ديموغرافيا، أو من الغرب حيث إدلب المكتظة بالسكان وبمختلف المسلحين، والتي تحظى بقصف روسي - سوري دائم.
قال الرئيس الأمريكي إن خياراته الثلاثة، إما إضعاف الاقتصاد التركي، أو إرسال آلاف الجنود، أو دعوة الأكراد للجلوس مع الأتراك للتفاوض، وهو بذلك يحذر من الخيار الثاني وتكلفته البشرية، وبالنسبة لخيار الحوار فبالتأكيد أن الحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو بين الكوريتين أسهل من جلوس الأتراك مع الأكراد.
أما خيار إضعاف الاقتصاد التركي، فهو حاصل لكنه غير مؤثر على العملية العسكرية، خاصة أنها معركة تؤيدها جميع الأحزاب عدا حزب الشعوب الموالي للأكراد، وحتى العقوبات الأوروبية على صادرات الأسلحة لأنقرة لن توقف أردوغان.
اختار أردوغان اسما رومانسيا لهذه المعركة حيث سماها «نبع السلام»، ولكن ربما التسمية الأدق هي التي أطلقها رئيس جمهورية شمال قبرص مصطفى أقينجي، حيث سمى العملية «نبع الدماء»، وهو فعلا ما بدأنا نشاهده يوميا منذ بدء الغزو التركي لشمال شرق سورية.
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com