-A +A
ياسين الزكري
يبدو أن النخب السياسية باتت أكثر تخلفاً عن تطلعات شعوبها، ظهر ذلك في دول عربية عديدة خلال العقد الأخير، ويؤكده اليوم حراك الشارع اللبناني، ثلاث قوى أساس في المشهد السياسي اللبناني «الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية من تشكيلة السلطة وحزب الكتائب من المعارضة»، جميعها كشفت استكبار تحالف حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر في مواجهة مطالب الشعب اللبناني، شواهد أخرى أفاد بها المتظاهرون وتداولتها وسائل الإعلام كشفت عن تحرك مضاد من قبل حركة أمل وحزب الله المنشق عنها عام 1986، تمثل في محاولات لإعاقة نزول متظاهرين في مناطق النبطية وصور وصيدا وبنت جبيل الجنوبية، كلمة جبران باسيل رئيس تكتل «التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل» وموقفه المدافع عن ثقوب الفساد السوداء في اجتماع الحكومة في الحادي عشر من تشرين أول (أكتوبر) جميعها تكشف حقيقة مصادرة حزب الله قرارات حلفائه وجرهم للوقوف في مربع مضاد لحرية لبنان وتطوره، وإعاقة خروج هذا البلد من أزماته المتتالية في قراءة سابقة للمتغيرات الجيوسياسية، كنت تحدثت من على صحيفة «عكاظ» عن أن زمن السقوط الإيراني يبدأ الآن، وأقول لمن علق على قراءتي تلك بـ«(الشاطحة): «حسنا انظروا ما الذي يحدث الآن» من لبنان إلى العراق الذي انفجر غضب الشارع فيه ضد ممارسات الحشد الشعبي، والتدخلات الإيرانية تتوالى، الشواهد أكثر فأكثر حول تداعي الأذرع التي أنفقت عليها طهران كسرة خبز مواطنيها لعقود طويلة.

للمرة الأولى منذ عام 1992 يستعيد لبنان هويته الوطنية ليغدو الخميس السابع عشر من أكتوبر 2019 يوما فارقا في تاريخ هذا البلد الحضاري صاحب أول ديمقراطية في هذه المنطقة من العالم.. اليوم الذي أسقط فيه الشعب حاجز الولاءات الطائفية.


في حرب التحرير عام 2000 أو في حرب عام 2006 قاتل حزب الله بأبناء الشعب اللبناني، ذات الشعب الذي عاش في الظلام، وفتح أبناؤه بيوتهم للنازحين من الجنوب، وتقاسموا معهم كسرة الخبز والفرشة واللحاف.. الشعب الذي تحمل بمختلف طوائفه ومذهبياته آثار الحرب وتداعياتها بكامل الرضا والحماس «ما حدا أحسن من حدا» بتعبير اللبنانيين، ما يجعل محاولات احتكار حزب الله شرف المقاومة لنفسه اعتداء على رصيد الشعب والبلد، أولئك الأطفال الذين عاشوا معا بطول وعرض لبنان رعب القصف الإسرائيلي خلال تلك الحروب هم أنفسهم شباب الساحات اليوم، ولن يكون من السهل على حزب الله سرقة ذاكرة كل هذه الجموع بعد الآن.

ادعاءات حزب الله الملكية الحصرية لمقدرة قلب المعادلات بحسب أمينه العام في خطابه ثالث أيام التظاهرات يبين حالة قصر النظر لدى قياداته، ذلك أن الحزب أيا كانت أرقام عضويته ومساحة تحالفاته يظل قياسا بحجم الوطن والشعب مجرد فصيل سياسي لا أكثر، مخاوف حزب الله من رعب السقوط باتت واضحة إن لم يكن من تظاهرات الدراجات النارية في وسط بيروت مساء الـ21 من أكتوبر، فمن عديد شواهد أخرى يرويها المتظاهرون في مناطق الجنوب وبتعبير الدكتور سليم الحص «يبدأ السقوط عن الكرسي لحظة بدء التمسك فيه»، يشارك حزب الله في السلطة منذ انتخابات عام 1992 ويلعب منذ عام 2005 دور الثلث المعطل لقرارات الحكومات المتعاقبة أو الثلث الممرر للأجندة الإيرانية على حساب حرية واحتياجات ومصالح الشعب اللبناني، ليس من حق الحاكم أن يتجمهر ضد الشعب وتطلعاته، وفي اللحظة التي ينزل فيها حزب الله صاحب الثلث زائد واحد في الحكومة الحالية إلى ساحة مقابلة تنفيذاً لتهديداته في مواجهة الحراك الشعبي، تسقط ورقة التوت الأخيرة، ذلك أن الشعب وليس الحزب في نهاية المطاف من يمتلك القرار.

* صحفي ومحلل سياسي يمني