بعد فترة قصيرة من تمكن الإنسان من تطوير تقنية استغلال القوة النووية حربيا، والتحكم في عملية الانشطار النووي، في العقد الرابع من القرن العشرين الماضي، استطاع العلماء أن يكتشفوا ويوجدوا طرقا وأساليب لاستخدام القوة النووية للأغراض السلمية. فبعد الاستخدام العسكري الناجح لهذه القوة الهائلة، أوضح العلم إمكانية استخدامها من أجل الرفاه البشرى، وليس من أجل القتل والتدمير. وما زال عدد الدول المهتمة بالقوة النووية كمصدر للطاقة السلمية، بصفة أساسية، يتزايد، ليصل إلى حوالى سبعين دولة في الوقت الحاضر.
في شهر ديسمبر عام 1938م في برلين، تمكن العالمان الألمانيان «فريتز ستراوشمان» و«أوتو هانز»، من اكتشاف الانشطار النووي، بعد تجارب عملية أجرياها على الذرة وعملية انشطارها. ولكن أمريكا كانت أول دولة تطور وتستعمل القوة النووية، للغرضين العسكري والسلمي. ويرجع اهتمام أمريكا بالطاقة النووية إلى الأربعينات من القرن العشرين. ففي بداية عام 1943م، تم إنشاء مشروع سرى عملاق، هدفه صناعة قنابل نووية، لكسب الحرب العالمية الثانية، هو ما سمى بـ«مشروع مانهاتن». وفي عام 1942م، جرى في الولايات المتحدة أول انشطار نووي متحكم فيه، داخل مفاعل نووي. وبتاريخ 24/7/1945م، ألقت أمريكا أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية. وبتاريخ 31/9/1946م، أسست الولايات المتحدة لجنة الطاقة الذرية (AEC) لتخلف «مشروع مانهاتن» الذى أنتج وطور، لأول مرة في التاريخ البشرى، السلاح النووي الأمريكي. وأصبحت تلك اللجنة الأولى من نوعها، المسؤول الأول عن كل أعمال القوة النووية في أمريكا، وعهد إلى هيئات عسكرية أمر تطوير وصنع الأسلحة النووية، وإمداد الجيش الأمريكي بما يحتاج إليه من هذا النوع من الأسلحة الأشد فتكا.
شرعت أمريكا في استحداث الهيئات والإدارات اللازمة التي تشرف على الاستغلال العسكري والسلمي لهذه الطاقة، التي تكتشف، وتستغل، لأول مرة. فتم في عام 1974م حل لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، واستحداث هيئتين للإشراف على الأعمال النووية بأمريكا بدلا من تلك اللجنة. حيث تم إنشاء اللجنة التنظيمية النووية (NRC) لتتولى القيام بالسلطات التشريعية والتنظيمية التي كانت تمارسها لجنة الطاقة الذرية السابقة. كما أنشئت مديرية أبحاث وتطوير الطاقة (ERDA) وأوكل اليها أمر أبحاث وتنمية الطاقة النووية.
***
وأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة «لجنة الطاقة الذرية» للتعامل مع الإشكاليات الخطيرة التي أثارها اكتشاف واستغلال الطاقة النووية، في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي توجت بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين. كما أدى خطاب تاريخي ألقاه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عام 1953م، في إطار ما سمى بـ«برنامج الذرة من أجل السلام»، إلى إنشاء «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (IAEA) عام 1957م، لدعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية في كل أرجاء العالم، ومنع استخدام هذه الطاقة للأغراض العسكرية. وخولت المؤسسات النووية الأمريكية للتعاون مع الدول الصديقة لأمريكا، في المجال النووي، وفق أنظمة صارمة محددة.
وبدأت دول العالم، ومنها بعض الدول العربية، تنشئ وكالات ولجانا وطنية لتطوير واستغلال الطاقة النووية. أما أمر صنع أسلحة نووية، فيوكل عادة إلى هيئات سرية خاصة، تعمل على امتلاك هذه الأسلحة المحظورة عالميا. ويعتبر الانشطار النووي من أهم مصادر الطاقة التي تعلق البشرية عليها آمالا عراضا لتكون المنقذ في المستقبل من خطر نضوب المصادر الأخرى للطاقة، أو ازدياد ندرتها. كما أن كلفة استخدام المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء آخذة في التناقص منذ بداية ارتفاع أسعار مصادر الطاقة الأخرى. أما الطاقة النووية الناتجة عن الالتحام النووي (Fusion) فقد تمكن العلماء مؤخرا من إيجاد طرق لاستغلالها للأغراض السلمية أيضا. وما زالت البحوث جارية لتحقيق هذه الغاية.
***
وافتتح عام 1957م بالولايات المتحدة أول مفاعل نووي يستعمل لتوليد الكهرباء للأغراض التجارية طاقته 60 ميغاوات، وذلك في مدينة «شبنجبورت» بولاية بنسلفانيا. ومنذ ذلك الحين، حدثت تطورات كبيرة في مجال تشغيل وتقنية وفاعلية المفاعلات النووية. وانتشر استعمال هذه المفاعلات في بلاد أخرى كثيرة. حيث زاد استخدام المفاعلات النووية زيادة رأسية (في أمريكا) وأفقية (في دول كثيرة أخرى).
فلقد انتشرت منشآت القوة النووية بشكل واسع، رغم حذر الدول الكبرى، ومعارضتها لهذا الانتشار، الذى يظهر بوضوح في عدد المفاعلات النووية التي تولد الطاقة، وتتم عبرها تحلية مياه البحر وتفعيل بعض الاستخدامات الطبية، ويطلق عليها «المفاعلات التجارية»، وكذلك مفاعلات الأبحاث المنتشرة في عدة دول. وحتى بداية عام 2016م، كان هناك 444 مفاعلا للطاقة النووية، تقوم بتوليد الكهرباء في أكثر من 30 بلدا في شتى أنحاء العالم. وتنتج هذه المفاعلات حوالى 17% من الكهرباء المنتجة في العالم. وهناك حوالى 66 محطة نووية (مفاعلا) قيد الإنشاء في أكثر من 30 بلدا آخر.
وبالإضافة إلى استخدام القوة النووية كطاقة، هناك عدد كبير من الاستعمالات السلمية لهذه الطاقة، تم تطوير بعضها، وما زال البعض الآخر في طور التجارب والتطوير. على سبيل المثال لا الحصر، أمكن بناء غواصات وحاملات طائرات تسير بمحركات تستعمل الوقود النووي. ووجد أن التفجير النووي الهائل يمكن استخدامه لأغراض اقتصادية سلمية. وذلك للتنقيب عن الموارد الطبيعية الكامنة في الأرض أو تحت الماء، أو لبناء الطرق والأنفاق في الجبال الوعرة، وما إلى ذلك. كما تستعمل بعض النظائر المشعة، التي يمكن الحصول عليها من التفاعل النووي، لأغراض طبية وصناعية وزراعية مفيدة للإنسانية.
ونظرا للارتباط الوثيق بين المنشآت النووية السلمية، وعملية صنع أسلحة نووية، فإن كل محبي السلام في العالم يخشون أن يتسبب التوسع في استخدام القوة النووية لـ«أغراض سلمية»، في انتشار الأسلحة النووية التي تشكل تهديدا خطيرا للسلام العالمي. فالدول التي تريد الحصول على أسلحة نووية، قد تتمكن من صنع هذه الأسلحة محليا، بالاستعانة بما قد يكون لديها من منشآت ومواد نووية «سلمية».. كما حصل في عدة دول.
* كاتب سعودي
في شهر ديسمبر عام 1938م في برلين، تمكن العالمان الألمانيان «فريتز ستراوشمان» و«أوتو هانز»، من اكتشاف الانشطار النووي، بعد تجارب عملية أجرياها على الذرة وعملية انشطارها. ولكن أمريكا كانت أول دولة تطور وتستعمل القوة النووية، للغرضين العسكري والسلمي. ويرجع اهتمام أمريكا بالطاقة النووية إلى الأربعينات من القرن العشرين. ففي بداية عام 1943م، تم إنشاء مشروع سرى عملاق، هدفه صناعة قنابل نووية، لكسب الحرب العالمية الثانية، هو ما سمى بـ«مشروع مانهاتن». وفي عام 1942م، جرى في الولايات المتحدة أول انشطار نووي متحكم فيه، داخل مفاعل نووي. وبتاريخ 24/7/1945م، ألقت أمريكا أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية. وبتاريخ 31/9/1946م، أسست الولايات المتحدة لجنة الطاقة الذرية (AEC) لتخلف «مشروع مانهاتن» الذى أنتج وطور، لأول مرة في التاريخ البشرى، السلاح النووي الأمريكي. وأصبحت تلك اللجنة الأولى من نوعها، المسؤول الأول عن كل أعمال القوة النووية في أمريكا، وعهد إلى هيئات عسكرية أمر تطوير وصنع الأسلحة النووية، وإمداد الجيش الأمريكي بما يحتاج إليه من هذا النوع من الأسلحة الأشد فتكا.
شرعت أمريكا في استحداث الهيئات والإدارات اللازمة التي تشرف على الاستغلال العسكري والسلمي لهذه الطاقة، التي تكتشف، وتستغل، لأول مرة. فتم في عام 1974م حل لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، واستحداث هيئتين للإشراف على الأعمال النووية بأمريكا بدلا من تلك اللجنة. حيث تم إنشاء اللجنة التنظيمية النووية (NRC) لتتولى القيام بالسلطات التشريعية والتنظيمية التي كانت تمارسها لجنة الطاقة الذرية السابقة. كما أنشئت مديرية أبحاث وتطوير الطاقة (ERDA) وأوكل اليها أمر أبحاث وتنمية الطاقة النووية.
***
وأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة «لجنة الطاقة الذرية» للتعامل مع الإشكاليات الخطيرة التي أثارها اكتشاف واستغلال الطاقة النووية، في نهاية الحرب العالمية الثانية، التي توجت بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين. كما أدى خطاب تاريخي ألقاه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عام 1953م، في إطار ما سمى بـ«برنامج الذرة من أجل السلام»، إلى إنشاء «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (IAEA) عام 1957م، لدعم الاستخدام السلمي للطاقة النووية في كل أرجاء العالم، ومنع استخدام هذه الطاقة للأغراض العسكرية. وخولت المؤسسات النووية الأمريكية للتعاون مع الدول الصديقة لأمريكا، في المجال النووي، وفق أنظمة صارمة محددة.
وبدأت دول العالم، ومنها بعض الدول العربية، تنشئ وكالات ولجانا وطنية لتطوير واستغلال الطاقة النووية. أما أمر صنع أسلحة نووية، فيوكل عادة إلى هيئات سرية خاصة، تعمل على امتلاك هذه الأسلحة المحظورة عالميا. ويعتبر الانشطار النووي من أهم مصادر الطاقة التي تعلق البشرية عليها آمالا عراضا لتكون المنقذ في المستقبل من خطر نضوب المصادر الأخرى للطاقة، أو ازدياد ندرتها. كما أن كلفة استخدام المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء آخذة في التناقص منذ بداية ارتفاع أسعار مصادر الطاقة الأخرى. أما الطاقة النووية الناتجة عن الالتحام النووي (Fusion) فقد تمكن العلماء مؤخرا من إيجاد طرق لاستغلالها للأغراض السلمية أيضا. وما زالت البحوث جارية لتحقيق هذه الغاية.
***
وافتتح عام 1957م بالولايات المتحدة أول مفاعل نووي يستعمل لتوليد الكهرباء للأغراض التجارية طاقته 60 ميغاوات، وذلك في مدينة «شبنجبورت» بولاية بنسلفانيا. ومنذ ذلك الحين، حدثت تطورات كبيرة في مجال تشغيل وتقنية وفاعلية المفاعلات النووية. وانتشر استعمال هذه المفاعلات في بلاد أخرى كثيرة. حيث زاد استخدام المفاعلات النووية زيادة رأسية (في أمريكا) وأفقية (في دول كثيرة أخرى).
فلقد انتشرت منشآت القوة النووية بشكل واسع، رغم حذر الدول الكبرى، ومعارضتها لهذا الانتشار، الذى يظهر بوضوح في عدد المفاعلات النووية التي تولد الطاقة، وتتم عبرها تحلية مياه البحر وتفعيل بعض الاستخدامات الطبية، ويطلق عليها «المفاعلات التجارية»، وكذلك مفاعلات الأبحاث المنتشرة في عدة دول. وحتى بداية عام 2016م، كان هناك 444 مفاعلا للطاقة النووية، تقوم بتوليد الكهرباء في أكثر من 30 بلدا في شتى أنحاء العالم. وتنتج هذه المفاعلات حوالى 17% من الكهرباء المنتجة في العالم. وهناك حوالى 66 محطة نووية (مفاعلا) قيد الإنشاء في أكثر من 30 بلدا آخر.
وبالإضافة إلى استخدام القوة النووية كطاقة، هناك عدد كبير من الاستعمالات السلمية لهذه الطاقة، تم تطوير بعضها، وما زال البعض الآخر في طور التجارب والتطوير. على سبيل المثال لا الحصر، أمكن بناء غواصات وحاملات طائرات تسير بمحركات تستعمل الوقود النووي. ووجد أن التفجير النووي الهائل يمكن استخدامه لأغراض اقتصادية سلمية. وذلك للتنقيب عن الموارد الطبيعية الكامنة في الأرض أو تحت الماء، أو لبناء الطرق والأنفاق في الجبال الوعرة، وما إلى ذلك. كما تستعمل بعض النظائر المشعة، التي يمكن الحصول عليها من التفاعل النووي، لأغراض طبية وصناعية وزراعية مفيدة للإنسانية.
ونظرا للارتباط الوثيق بين المنشآت النووية السلمية، وعملية صنع أسلحة نووية، فإن كل محبي السلام في العالم يخشون أن يتسبب التوسع في استخدام القوة النووية لـ«أغراض سلمية»، في انتشار الأسلحة النووية التي تشكل تهديدا خطيرا للسلام العالمي. فالدول التي تريد الحصول على أسلحة نووية، قد تتمكن من صنع هذه الأسلحة محليا، بالاستعانة بما قد يكون لديها من منشآت ومواد نووية «سلمية».. كما حصل في عدة دول.
* كاتب سعودي