تشير الاحتجاجات التي انطلقت في عدة مدن إيرانية، عقب مضاعفة أسعار الوقود ثلاث مرات، إلى نجاعة العقوبات الأمريكية التي طالما عبر عنها الرئيس دونالد ترمب، بأنها موجعة وستأتي بالنظام الإيراني إلى طاولة الحوار عاجلا أم آجلا.
والتاريخ القريب يشير إلى أن العقوبات التي فرضها الرئيس باراك أوباما، والتي كانت الأقسى منذ العام 1979، أدت في نهاية الأمر إلى إجبار الإيرانيين للتحاور حول الملف النووي، علما بأن المشروع النووي لإيران انطلق منذ العام 2002، كرد فعل استباقي لأي ارتدادات للحادي عشر من سبتمبر على طهران.
اليوم تفرض إدارة الرئيس ترمب عقوبات هي أقسى من التي فرضتها سابقتها على إيران، والظروف التي تحيط بإيران هي أسوا من ظروف 2013-2015، حيث تنتفض العواصم التي زعمت احتلالها في بغداد وبيروت، كما يبدو أغلب المستوردين للنفط الإيراني أقل رغبة في إغضاب واشنطن من فترة العقوبات السابقة.
كما أن السوق العالمي لا يعاني أي شح في الإمدادات نتيجة «تصفير الصادرات الإيرانية من النفط»، بالإضافة إلى فشل إيران في إحداث قفزة في أسعار النفط، سواء من خلال اعتدائها على ناقلات النفط أو على المنشآت النفطية داخل المملكة.
الأمر الآخر الذي تشير له الاحتجاجات في نحو خمسين مدينة إيرانية، هو أن الصبر لمدة عام حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، دون الحصول على أي تمويل لإنقاذ الاقتصاد الإيراني يُعد انتحارا، خاصه مع فشل المقترح الفرنسي بتقديم خطوط ائتمان بحوالى 15 مليار دولار لإيران حتى نهاية العام الجاري، بضمان إيرادات نفط مستقبلية في مقابل عودة طهران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي المبرم في 2015.
رفع أسعار البنزين والذي أرجح أن تعود عنه السلطات الإيرانية إذا ما تفاقمت الاحتجاجات، كان المرشد الأعلى يفكر في إقراره منذ مارس الماضي، ولكن تم التراجع عن القرار آنذاك، ولكن الآن ونحن في نوفمبر أي بعد مرور عام على العقوبات، يبدو أن خيارات المرشد الاقتصادية أصبحت أقل، وهو ما يعني خيارات سياسية أقل بالنتيجة.
وإذا نظرنا إلى وضع المواطن الإيراني، فهو يعاني اليوم من حالة تضخم تتجاوز 40%، والأسوأ أن التضخم في المواد الغذائية يتراوح بين 60% إلى 65%، أضف إلى ذلك التراجع الضخم في قيمة الريال الإيراني، وبالتالي يأتي رفع أسعار البنزين لثلاثة أضعاف بمثابة قشة على بعير قُصم ظهره بالفعل.
وعوضا عن الهلال الشيعي الذي كانت إيران تتبجح به كامتداد إيراني، هناك بالفعل هلال آخر، هو هلال عربي شيعي يمتد من النبطية وصور والضاحية في لبنان، مرورا بالناصرية والنجف وكربلاء والبصرة في العراق، وصولا إلى الأهواز العربية في إيران.
وبالطبع في لبنان والعراق انتفضت كل الطوائف وكل الإثنيات، لكن الموجع لإيران تحرك الشيعة في الدول العربية، والتي كانت تعدهم امتدادا لها، والحاضنة الشعبية لميليشياتها وأذرعها، وربما الأكثر إيلاما أن الشباب في العراق ولبنان أصبحوا أكثر وعيا بأن الطائفية في حد ذاتها مشروع سياسي إيراني ولذا كفروا بها.
نشر المقال يتزامن مع مرور يوم على الاحتجاجات في إيران، ومرور شهر على الاحتجاجات في لبنان ضد عهد حزب الله، ويصادف مرور سنة على إقرار العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني، ولعبدالحليم حافظ أغنية بعنوان «في يوم في شهر في سنة»، يقول كاتبها مرسي جميل عزيز في مطلعها «في يوم في شهر في سنة.. تهدى الجراح وتنام.. وعمر جرحي أنا.. أطول من الايام».
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com
والتاريخ القريب يشير إلى أن العقوبات التي فرضها الرئيس باراك أوباما، والتي كانت الأقسى منذ العام 1979، أدت في نهاية الأمر إلى إجبار الإيرانيين للتحاور حول الملف النووي، علما بأن المشروع النووي لإيران انطلق منذ العام 2002، كرد فعل استباقي لأي ارتدادات للحادي عشر من سبتمبر على طهران.
اليوم تفرض إدارة الرئيس ترمب عقوبات هي أقسى من التي فرضتها سابقتها على إيران، والظروف التي تحيط بإيران هي أسوا من ظروف 2013-2015، حيث تنتفض العواصم التي زعمت احتلالها في بغداد وبيروت، كما يبدو أغلب المستوردين للنفط الإيراني أقل رغبة في إغضاب واشنطن من فترة العقوبات السابقة.
كما أن السوق العالمي لا يعاني أي شح في الإمدادات نتيجة «تصفير الصادرات الإيرانية من النفط»، بالإضافة إلى فشل إيران في إحداث قفزة في أسعار النفط، سواء من خلال اعتدائها على ناقلات النفط أو على المنشآت النفطية داخل المملكة.
الأمر الآخر الذي تشير له الاحتجاجات في نحو خمسين مدينة إيرانية، هو أن الصبر لمدة عام حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، دون الحصول على أي تمويل لإنقاذ الاقتصاد الإيراني يُعد انتحارا، خاصه مع فشل المقترح الفرنسي بتقديم خطوط ائتمان بحوالى 15 مليار دولار لإيران حتى نهاية العام الجاري، بضمان إيرادات نفط مستقبلية في مقابل عودة طهران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي المبرم في 2015.
رفع أسعار البنزين والذي أرجح أن تعود عنه السلطات الإيرانية إذا ما تفاقمت الاحتجاجات، كان المرشد الأعلى يفكر في إقراره منذ مارس الماضي، ولكن تم التراجع عن القرار آنذاك، ولكن الآن ونحن في نوفمبر أي بعد مرور عام على العقوبات، يبدو أن خيارات المرشد الاقتصادية أصبحت أقل، وهو ما يعني خيارات سياسية أقل بالنتيجة.
وإذا نظرنا إلى وضع المواطن الإيراني، فهو يعاني اليوم من حالة تضخم تتجاوز 40%، والأسوأ أن التضخم في المواد الغذائية يتراوح بين 60% إلى 65%، أضف إلى ذلك التراجع الضخم في قيمة الريال الإيراني، وبالتالي يأتي رفع أسعار البنزين لثلاثة أضعاف بمثابة قشة على بعير قُصم ظهره بالفعل.
وعوضا عن الهلال الشيعي الذي كانت إيران تتبجح به كامتداد إيراني، هناك بالفعل هلال آخر، هو هلال عربي شيعي يمتد من النبطية وصور والضاحية في لبنان، مرورا بالناصرية والنجف وكربلاء والبصرة في العراق، وصولا إلى الأهواز العربية في إيران.
وبالطبع في لبنان والعراق انتفضت كل الطوائف وكل الإثنيات، لكن الموجع لإيران تحرك الشيعة في الدول العربية، والتي كانت تعدهم امتدادا لها، والحاضنة الشعبية لميليشياتها وأذرعها، وربما الأكثر إيلاما أن الشباب في العراق ولبنان أصبحوا أكثر وعيا بأن الطائفية في حد ذاتها مشروع سياسي إيراني ولذا كفروا بها.
نشر المقال يتزامن مع مرور يوم على الاحتجاجات في إيران، ومرور شهر على الاحتجاجات في لبنان ضد عهد حزب الله، ويصادف مرور سنة على إقرار العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني، ولعبدالحليم حافظ أغنية بعنوان «في يوم في شهر في سنة»، يقول كاتبها مرسي جميل عزيز في مطلعها «في يوم في شهر في سنة.. تهدى الجراح وتنام.. وعمر جرحي أنا.. أطول من الايام».
* كاتب سعودي
Twitter: @aAltrairi
Email: me@aaltrairi.com