قد تكون الزراعة بداية الحياة البشرية، لكن الأكيد أن النخيل والزيتون هما بداية البداية لكل الزراعات والمحاصيل الزراعية في منطقة الجوف، ففي هذه المنطقة الجميلة، ليس هناك حدث هذه الأيام أهم من موسم قطاف الزيتون وعصر الزيوت وتعبئته وتسويقه وتجارته. فالمجتمع بكافة فئاته مشغول هذه الأيام بواحدة أو أكثر من عمليات إنتاج الزيتون.
الجميع منخرط اجتماعياً واقتصادياً بتصنيعه أو تجارته وثقافته. موسم الزيتون هو ثقافة مجتمع مثلما هو موسم زراعي بين حاضرة الجوف وباديته، حيث يمتد هذا الموسم ما بين شهر أكتوبر حتى شهر يناير من كل عام. الزيتون ليس المحصول الزراعي الوحيد في المنطقة، ومع ذلك برز الزيتون أيقونة للمنطقة وشكّل صورة ذهنية في الإعلام للجوف وأهلها. خاصة مع إقامة مهرجان الزيتون السنوي في الجوف.
لكن الصورة هناك ليست وردية بالنسبة للمشتغلين في إنتاج الزيتون والطريق أمامهم ليست معبدة، بل وليست سالكة في كثير من الأحيان. فمنتجو الزيتون من أصحاب المزارع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة هم ضحايا منافسة غير عادلة مع أصحاب الشركات الزراعية العملاقة، التي تحول أصحابها بعد القرار الحكومي بمنع إنتاج الأعلاف من إنتاج الأعلاف إلى زراعة الزيتون.
صحيح أن تلك الشركات تمارس حقها الطبيعي والمنطقي في زراعة الزيتون وإنتاجه وتعتمد على إمكاناتها الذاتية من زراعة وتحصين واستدامة وميكنة ومختبرات وري وقطاف وعصر وتعليب وتسويق وبيع وغير ذلك، لكن هذه الشركات لا تقوم بالمسؤولية الاجتماعية تجاه صغار المزارعين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في إنتاج الزيتون، فيقع أصحاب مزارع الزيتون ومشروعات إنتاج الزيتون الصغيرة والمتوسطة ضحية حاجتهم الضرورية للخبراء والتحصين والميكنة والقطاف والمعاصر والخبرات الزراعية العالمية للإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تحتكر الشركات الزراعية الكبيرة الإجابات عنها، ولا تتيحها على سبيل المسؤولية الاجتماعية.
الشركات الزراعية العملاقة مطالبة بتحديد مجال مسؤوليتها الاجتماعية، وأرى شخصياً أن يستفيد منه المزارعون الصغار وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
إننا إذا استثنينا الشركات الزراعية العملاقة، فإن عدد معاصر الزيتون في الجوف لا يتجاوز 30 معصرة، أغلبها تعمل بطاقة إنتاجية محدودة. ولا يستطيع هذا العدد من المعاصر استيعاب محصول المزارعين من الزيتون في منطقة يبلغ عدد شجر الزيتون فيها (حسب مدير مركز الزيتون في جامعة الجوف الدكتور بسام العويش) 15 مليون شجرة، وفي سوق تقدر بحوالى 300 مليون ريال سنوياً.
فالغالبية من مزارعي الزيتون الصغار وأصحاب المزارع ومشاريع إنتاج الزيتون الصغيرة والمتوسطة، لا تملك معاصر خاصة بهم، فيضطرون للانتظار لفترات طويلة حتى يتم قبول محصولهم من الزيتون في إحدى تلك المعاصر القليلة والمحدودة قبل أن يتضرر أو تلحقه بعض المشكلات التي تؤثر في جودة الزيت ومواصفاته.
تعود محدودية أعداد معاصر الزيتون في الجوف إلى أسباب اقتصادية، أي أن تلك المعاصر لا تعمل إلا خلال الموسم (4 أشهر)، وبعدها لا تعمل، من هنا يرى من يريد الاستثمار في المعاصر عدم جدوى الاستثمار بها لأنها تبقى معطلة فيما عدا الموسم.
إنني ممن يؤمنون بتقنين الزراعة وممن يعتنقون فكرة أساليب الزراعة الذكية الحديثة، لكنني ممن يعتنقون فكرة تأسيس شركة مساهمة للصناعة الغذائية في الجوف يساهم بها المزارعون ورجال الأعمال، خاصة مزارعي الزيتون والنخيل حيث الوفرة والجودة. من هنا أطالب المسؤولين في منطقة الجوف والمسؤولين في وزارة البيئة والمياه والزراعة بتشكيل فريق يعمل على وضع الأسس والإستراتيجية والأهداف لشركة مساهمة للصناعات الغذائية في المنطقة.
شركة الصناعات الغذائية في الجوف مهمة وحيوية لاعتبارات عدة؛ منها وفرة الموارد والخبرات وبعض المحاصيل، ومنها أن منطقة الجوف تعد من أسوأ مناطق المملكة من حيث نسبة البطالة بين الشباب. فكما هو معلوم أن التجارب أثبتت إخفاق أي سياسة للتوظيف أو خلق فرص استثمارية ما لم تكن نابعة تلك السياسة من ثقافة العمل في المنطقة نفسها ومن موارد المنطقة الطبيعية ذاتها. وإلا لن يكتب لها النجاح كما يجب وبسهولة.
كما أنني أطالب المسؤولين في منطقة الجوف والمسؤولين في هيئة الغذاء والدواء بأن يذللوا كافة الصعاب والعراقيل في سبيل فتح فرع لهيئة الغذاء والدواء في منطقة الجوف، لأهمية وجود فرع لهيئة الغذاء والدواء في منطقة يقوم اقتصادها بشكل كبير على الزراعة والصناعة الغذائية. فمن المعلوم أهمية وجود فرع لهيئة الغذاء والدواء في مراقبة الغذاء ومصانع المياه والمنتجات الغذائية والدوائية ومراقبة منشآت الأجهزة والمنتجات الطبية.
مزارعو الزيتون ومنتجو الزيتون في الجوف بحاجة إلى رؤية وأهداف، فهل يتمكن المسؤولون عن هذا القطاع وهذه الصناعة في الجوف أن يضعوا أهدافاً لصناعة الزيتون وغير الزيتون ضمن برامج رؤية المملكة 2030، وأن تشرع إمارة الجوف وبقية مؤسسات التنمية بإشراك مزارعي ومنتجي الزيتون في منطقة الجوف خاصة الصغار وأصحاب مشروعات الزيتون والمتوسطة وتمكينهم من أن يكونوا لاعبين اقتصاديين مهمين في صناعة حاضرهم ومستقبل أبنائهم.
أتمنى أن تتحمل الغرفة التجارية في الجوف جزءاً من مسؤوليتها بأن تبدأ بعقد ورشة عمل لمناقشة وبلورة تأسيس شركة مساهمة للصناعات الغذائية في منطقة الجوف، على أن تشارك في هذه الورشة إمارة المنطقة وصندوق التنمية الزراعية والصندوق الصناعي بالإضافة للمهتمين من المزارعين. فهل تنجح هذه الشركة المساهمة المقترحة بتجاوز الحصة الحالية 20% ورفع الحصة من المنتج المحلي من زيت الزيتون إلى 60% في 2030؟
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
الجميع منخرط اجتماعياً واقتصادياً بتصنيعه أو تجارته وثقافته. موسم الزيتون هو ثقافة مجتمع مثلما هو موسم زراعي بين حاضرة الجوف وباديته، حيث يمتد هذا الموسم ما بين شهر أكتوبر حتى شهر يناير من كل عام. الزيتون ليس المحصول الزراعي الوحيد في المنطقة، ومع ذلك برز الزيتون أيقونة للمنطقة وشكّل صورة ذهنية في الإعلام للجوف وأهلها. خاصة مع إقامة مهرجان الزيتون السنوي في الجوف.
لكن الصورة هناك ليست وردية بالنسبة للمشتغلين في إنتاج الزيتون والطريق أمامهم ليست معبدة، بل وليست سالكة في كثير من الأحيان. فمنتجو الزيتون من أصحاب المزارع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة هم ضحايا منافسة غير عادلة مع أصحاب الشركات الزراعية العملاقة، التي تحول أصحابها بعد القرار الحكومي بمنع إنتاج الأعلاف من إنتاج الأعلاف إلى زراعة الزيتون.
صحيح أن تلك الشركات تمارس حقها الطبيعي والمنطقي في زراعة الزيتون وإنتاجه وتعتمد على إمكاناتها الذاتية من زراعة وتحصين واستدامة وميكنة ومختبرات وري وقطاف وعصر وتعليب وتسويق وبيع وغير ذلك، لكن هذه الشركات لا تقوم بالمسؤولية الاجتماعية تجاه صغار المزارعين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في إنتاج الزيتون، فيقع أصحاب مزارع الزيتون ومشروعات إنتاج الزيتون الصغيرة والمتوسطة ضحية حاجتهم الضرورية للخبراء والتحصين والميكنة والقطاف والمعاصر والخبرات الزراعية العالمية للإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تحتكر الشركات الزراعية الكبيرة الإجابات عنها، ولا تتيحها على سبيل المسؤولية الاجتماعية.
الشركات الزراعية العملاقة مطالبة بتحديد مجال مسؤوليتها الاجتماعية، وأرى شخصياً أن يستفيد منه المزارعون الصغار وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
إننا إذا استثنينا الشركات الزراعية العملاقة، فإن عدد معاصر الزيتون في الجوف لا يتجاوز 30 معصرة، أغلبها تعمل بطاقة إنتاجية محدودة. ولا يستطيع هذا العدد من المعاصر استيعاب محصول المزارعين من الزيتون في منطقة يبلغ عدد شجر الزيتون فيها (حسب مدير مركز الزيتون في جامعة الجوف الدكتور بسام العويش) 15 مليون شجرة، وفي سوق تقدر بحوالى 300 مليون ريال سنوياً.
فالغالبية من مزارعي الزيتون الصغار وأصحاب المزارع ومشاريع إنتاج الزيتون الصغيرة والمتوسطة، لا تملك معاصر خاصة بهم، فيضطرون للانتظار لفترات طويلة حتى يتم قبول محصولهم من الزيتون في إحدى تلك المعاصر القليلة والمحدودة قبل أن يتضرر أو تلحقه بعض المشكلات التي تؤثر في جودة الزيت ومواصفاته.
تعود محدودية أعداد معاصر الزيتون في الجوف إلى أسباب اقتصادية، أي أن تلك المعاصر لا تعمل إلا خلال الموسم (4 أشهر)، وبعدها لا تعمل، من هنا يرى من يريد الاستثمار في المعاصر عدم جدوى الاستثمار بها لأنها تبقى معطلة فيما عدا الموسم.
إنني ممن يؤمنون بتقنين الزراعة وممن يعتنقون فكرة أساليب الزراعة الذكية الحديثة، لكنني ممن يعتنقون فكرة تأسيس شركة مساهمة للصناعة الغذائية في الجوف يساهم بها المزارعون ورجال الأعمال، خاصة مزارعي الزيتون والنخيل حيث الوفرة والجودة. من هنا أطالب المسؤولين في منطقة الجوف والمسؤولين في وزارة البيئة والمياه والزراعة بتشكيل فريق يعمل على وضع الأسس والإستراتيجية والأهداف لشركة مساهمة للصناعات الغذائية في المنطقة.
شركة الصناعات الغذائية في الجوف مهمة وحيوية لاعتبارات عدة؛ منها وفرة الموارد والخبرات وبعض المحاصيل، ومنها أن منطقة الجوف تعد من أسوأ مناطق المملكة من حيث نسبة البطالة بين الشباب. فكما هو معلوم أن التجارب أثبتت إخفاق أي سياسة للتوظيف أو خلق فرص استثمارية ما لم تكن نابعة تلك السياسة من ثقافة العمل في المنطقة نفسها ومن موارد المنطقة الطبيعية ذاتها. وإلا لن يكتب لها النجاح كما يجب وبسهولة.
كما أنني أطالب المسؤولين في منطقة الجوف والمسؤولين في هيئة الغذاء والدواء بأن يذللوا كافة الصعاب والعراقيل في سبيل فتح فرع لهيئة الغذاء والدواء في منطقة الجوف، لأهمية وجود فرع لهيئة الغذاء والدواء في منطقة يقوم اقتصادها بشكل كبير على الزراعة والصناعة الغذائية. فمن المعلوم أهمية وجود فرع لهيئة الغذاء والدواء في مراقبة الغذاء ومصانع المياه والمنتجات الغذائية والدوائية ومراقبة منشآت الأجهزة والمنتجات الطبية.
مزارعو الزيتون ومنتجو الزيتون في الجوف بحاجة إلى رؤية وأهداف، فهل يتمكن المسؤولون عن هذا القطاع وهذه الصناعة في الجوف أن يضعوا أهدافاً لصناعة الزيتون وغير الزيتون ضمن برامج رؤية المملكة 2030، وأن تشرع إمارة الجوف وبقية مؤسسات التنمية بإشراك مزارعي ومنتجي الزيتون في منطقة الجوف خاصة الصغار وأصحاب مشروعات الزيتون والمتوسطة وتمكينهم من أن يكونوا لاعبين اقتصاديين مهمين في صناعة حاضرهم ومستقبل أبنائهم.
أتمنى أن تتحمل الغرفة التجارية في الجوف جزءاً من مسؤوليتها بأن تبدأ بعقد ورشة عمل لمناقشة وبلورة تأسيس شركة مساهمة للصناعات الغذائية في منطقة الجوف، على أن تشارك في هذه الورشة إمارة المنطقة وصندوق التنمية الزراعية والصندوق الصناعي بالإضافة للمهتمين من المزارعين. فهل تنجح هذه الشركة المساهمة المقترحة بتجاوز الحصة الحالية 20% ورفع الحصة من المنتج المحلي من زيت الزيتون إلى 60% في 2030؟
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org