فضلاً تأمل في الكمية المذهلة من الكراسي التي نتعامل معها يومياً. لا تفكر في أعدادها فحسب، بل وتخيل أشكالها، وألوانها، ومواقعها، ومهامها المختلفة. وتخيل أنها لم تكن متوفرة لعامة الناس إلى فترة تاريخية حديثة نسبياً. كانت مكرسة لاستخدام الطبقات المخملية فقط إلى ما يقدر بحوالى 200 سنة. واليوم أصبحت من ضروريات الحياة: يبدأ ملايين البشر باستخدام الكراسي الخاصة جداً بداخل دورات المياه أعزكم الله. ثم يتناولون إفطارهم أثناء جلوسهم على الكراسي، ثم يجلسون على الكراسي أثناء تنقلاتهم سواء كانت بالنقل الخاص أو العام... ثم المزيد منها خلال ساعات العمل، وأخيراً العودة إلى منازلهم والجلوس عليها.
وهناك العديد من المعايير التي تحكم أداء الكراسي ومنها الراحة، والتكلفة، والشكل، والوزن أيضاً. وللعلم فكلمة «موبيليا» مصدرها «موبايل» أي متنقل. وأحد المعايير المهمة في تصاميم المنازل عبر التاريخ كان سهولة نقل الأثاث من مكان إلى آخر بداخل المنزل، ولذا فكانت خفة الوزن من أساسيات معايير نجاح الكراسي. وهناك المزيد: كان أحد الإنجازات للعديد من المعماريين المتميزين هو تصميم الكرسي الجدير بحمل اسمه. وكدليل على ذلك نجد أن بعضاً من أغلى الكراسي اليوم هي تلك التي صممها عمالقة العمارة مثل الأمريكي «فرانك لويد رايت»، أو الألماني «ميس فاندر روه» بكراسيه الشهيرة باسم كراسي «برشلونة» والتي صممها قبل حوالى 100 عام لملك وملكة إسبانيا. وبعض من تلك الكراسي يصل سعرها إلى الملايين. ولكن لو أردت أن تسعر أغلى الكراسي في العالم اليوم، فاذهب إلى شركة «مارتن بيكر» البريطانية. هي الأشهر في عالم الطائرات الحربية لتصنيع كراسي المقاتلات. وقد بدأت هذه الشركة قبل حوالى 70 سنة بتصميم الكراسي المزودة بالصواريخ والمتفجرات الموقوتة. وهي مصممة لتسمح للطيار الحربي بالانطلاق بكرسيه من الطائرة في حالات الطوارئ للابتعاد عن خطر الموت، أو الإصابات الخطيرة. وتأكد أن تكلفة الكرسي غير معلنة، ولكنها لن تقل عن ملايين الريالات بسبب هندسته المعقدة جداً وكأنه صمم لاستعمالات في الفضاء الخارجي. وعلى سيرة الفضاء، فقصة كراسي أول مركبة هبطت على سطح القمر قبل نصف قرن جديرة بالذكر. كانت تلك المركبة أثناء مرحلة التصميم شهيرة باسم «العنكبوت». وحرص المصممون في شركة «جرومان» إلى تقليص وزنها بجميع الطرق الإبداعية. وإحدى غرائب تصميمها هي إزالة كرسيي رائدي الفضاء بالكامل. يعني كانا يقودان المركبة هبوطاً إلى سطح القمر ثم صعوداً بعد انتهاء مهمتهما وهما واقفان وكأنهما في طابور «البيك». أغرب من الخيال. وعلى سيرة ما هو أغرب من الخيال فهناك من لا يدرك أن «الكرسي دوار» فبعض ذوي البطش الشديد يتمسكون بمناصبهم وكأنهم لن يتركوها إلا على حافة القبر. وهذه الظاهرة منتشرة حول العالم وهي تنمو بدون أي خجل.
وأخيرا فلا بد من ذكر أن الكراسي أصبحت من المخاطر على البشر اليوم بسبب تشجيعها لجلوسنا لفترات طويلة. فضلاً تأمل في عدد الساعات التي تقضيها جالساً اليوم. وللعلم فبعض الدراسات استنتجت أن مخاطر الجلوس بسبب «التنبلة» تعادل مخاطر التدخين.
أمنيـــة وأخيراً فلننظر لموضوع الكراسي المتحركة. والمقصود هنا هي كراسي أصحاب الهمم... فئات ذوي الإعاقة الحركية. كلنا نهتم بها عاطفياً، ولكن لا نفعل لهم ما يكفي، فهناك المزيد من الاهتمام الواجب على المستوى التطبيقي: الوصول الشامل لم يصل إلى المستوى المطلوب لمستخدمي تلك الكراسي بالرغم من النوايا الحسنة والجهود المبذولة. أتمنى أن نشعر بالتحديات التي تواجه أصحاب الهمم من مستخدمي تلك الكراسي، وأن يوفقهم الله دائماً.
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي
وهناك العديد من المعايير التي تحكم أداء الكراسي ومنها الراحة، والتكلفة، والشكل، والوزن أيضاً. وللعلم فكلمة «موبيليا» مصدرها «موبايل» أي متنقل. وأحد المعايير المهمة في تصاميم المنازل عبر التاريخ كان سهولة نقل الأثاث من مكان إلى آخر بداخل المنزل، ولذا فكانت خفة الوزن من أساسيات معايير نجاح الكراسي. وهناك المزيد: كان أحد الإنجازات للعديد من المعماريين المتميزين هو تصميم الكرسي الجدير بحمل اسمه. وكدليل على ذلك نجد أن بعضاً من أغلى الكراسي اليوم هي تلك التي صممها عمالقة العمارة مثل الأمريكي «فرانك لويد رايت»، أو الألماني «ميس فاندر روه» بكراسيه الشهيرة باسم كراسي «برشلونة» والتي صممها قبل حوالى 100 عام لملك وملكة إسبانيا. وبعض من تلك الكراسي يصل سعرها إلى الملايين. ولكن لو أردت أن تسعر أغلى الكراسي في العالم اليوم، فاذهب إلى شركة «مارتن بيكر» البريطانية. هي الأشهر في عالم الطائرات الحربية لتصنيع كراسي المقاتلات. وقد بدأت هذه الشركة قبل حوالى 70 سنة بتصميم الكراسي المزودة بالصواريخ والمتفجرات الموقوتة. وهي مصممة لتسمح للطيار الحربي بالانطلاق بكرسيه من الطائرة في حالات الطوارئ للابتعاد عن خطر الموت، أو الإصابات الخطيرة. وتأكد أن تكلفة الكرسي غير معلنة، ولكنها لن تقل عن ملايين الريالات بسبب هندسته المعقدة جداً وكأنه صمم لاستعمالات في الفضاء الخارجي. وعلى سيرة الفضاء، فقصة كراسي أول مركبة هبطت على سطح القمر قبل نصف قرن جديرة بالذكر. كانت تلك المركبة أثناء مرحلة التصميم شهيرة باسم «العنكبوت». وحرص المصممون في شركة «جرومان» إلى تقليص وزنها بجميع الطرق الإبداعية. وإحدى غرائب تصميمها هي إزالة كرسيي رائدي الفضاء بالكامل. يعني كانا يقودان المركبة هبوطاً إلى سطح القمر ثم صعوداً بعد انتهاء مهمتهما وهما واقفان وكأنهما في طابور «البيك». أغرب من الخيال. وعلى سيرة ما هو أغرب من الخيال فهناك من لا يدرك أن «الكرسي دوار» فبعض ذوي البطش الشديد يتمسكون بمناصبهم وكأنهم لن يتركوها إلا على حافة القبر. وهذه الظاهرة منتشرة حول العالم وهي تنمو بدون أي خجل.
وأخيرا فلا بد من ذكر أن الكراسي أصبحت من المخاطر على البشر اليوم بسبب تشجيعها لجلوسنا لفترات طويلة. فضلاً تأمل في عدد الساعات التي تقضيها جالساً اليوم. وللعلم فبعض الدراسات استنتجت أن مخاطر الجلوس بسبب «التنبلة» تعادل مخاطر التدخين.
أمنيـــة وأخيراً فلننظر لموضوع الكراسي المتحركة. والمقصود هنا هي كراسي أصحاب الهمم... فئات ذوي الإعاقة الحركية. كلنا نهتم بها عاطفياً، ولكن لا نفعل لهم ما يكفي، فهناك المزيد من الاهتمام الواجب على المستوى التطبيقي: الوصول الشامل لم يصل إلى المستوى المطلوب لمستخدمي تلك الكراسي بالرغم من النوايا الحسنة والجهود المبذولة. أتمنى أن نشعر بالتحديات التي تواجه أصحاب الهمم من مستخدمي تلك الكراسي، وأن يوفقهم الله دائماً.
وهو من وراء القصد.
* كاتب سعودي