لم أتوقع أن تنال تغريدتي السبت الماضي كل ردود الفعل والتعليقات الإيجابية عليها، مباركاً النجاح الكبير الذي حققه اكتتاب الأفراد والذي انتهى الخميس الماضي، وذيلت التغريدة بطلب ورجاء للقائمين على شركة أرامكو، بإكمال النجاح وتخصيص كامل الأسهم المطلوبة من قبل الأفراد بزيادة الأسهم المخصصة لهم مرة ونصف حسب نتائج الاكتتاب.
فالنجاح الكبير في الإقبال على شراء أسهم أرامكو يُجيّر لنا نحن الأفراد السعوديين. حيث لم نستمع إلى كل حملات التشويه الذي واجهته بداية الاكتتاب من الإعلام الغربي، والذي انبرى يشكك في قدرة الشركة على تحصيل ما أرادته من حصيلة للاكتتاب تصل إلى 25$ بليون دولار، والتي تجاوزتها إلى أكثر من 32$ بليون دولار مع بداية هذا الأسبوع، بالرغم من استمرار اكتتاب المؤسسات والشركات إلى الخميس القادم.
الدهشة لم تطل الإعلام الغربي فحسب - والذي آثر الصمت بعد انتهاء اكتتاب الأفراد، فليس لديه ما يقوله في ظل خيبة الأمل -، بل شملت حتى المستشارين الأجانب الذين شاركوا في الإشراف على هذا الاكتتاب. وأصبح اكتتاب أرامكو حتى قبل أن ينتهي هو أكبر اكتتاب في العالم متجاوزاً شركات عالمية كبرى مثل «علي بابا»، وبفارق كبير، ومؤكداً على حقيقة أن أرامكو السعودية حقّاً هي نموذج مثالي لشركة عريقة عالمية، والتي تدير وتنتج حوالى 9-10% من الإنتاج العالمي من النفط، عدا دخولها مجالات التكامل الرأسي والأفقي الذي زاد ويزيد من صلابتها وصمودها أمام أية تقلبات قد تحدث في أسواق الطاقة العالمية.
أما التشكيك بإمكانية نجاح اكتتاب أرامكو فلم يقتصر على الإعلام الغربي، بل تنوع بين الجهل والتشاؤم وبين الحاقدين على المملكة واستقرارها السياسي والاقتصادي. فوجدناهم يركزون على نشرة الإصدار لأرامكو والتي كانت بين أيدينا مع بداية الاكتتاب، وإعلانها أن الطريق والتحديات التي تواجهها الشركة في الفترة القادمة ليست بالسهلة، ولكن تبني الشركة لاستراتيجية التكاملات في الصناعة النفطية يعطيها مناعة، ويحقق لها الاستمرارية في تحقيق مستويات الأرباح الماضية ان لم تكن أكبر منها.
فنشرة الإصدار تذكر الكثير من الغموض حول طبيعة العوامل الجيوسياسية التي تعيشها منطقتنا، والتي قد تؤثر في انتظام توفر الإمدادات من كل منتجي النفط في المنطقة، ناهيك عن احتمالات تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط، نتيجة لعوامل هيكلية عديدة، وحملات تغير المناخ المحتمل والمستهدفة للوقود الأحفوري والنفط بشكل خاص، والتحول التدريجي والذي سيأخذ عقوداً نحو مصادر الطاقة البديلة، وغير ذلك.
في المقابل، فإن تحول أرامكو التدريجي والذي بدأ منذ السنوات الماضية بشكل مكثف هو التقليل من تصدير النفط على هيئة خام، ومزيد من الدخول في الصناعات التحويلية من تكريره، واستعماله لقيماً أساسياً في صناعات البتروكيماويات والدخول لمختلف الصناعات التحويلية، عدا تطوير الطاقة المتجددة مثل الشمسية والرياح. الأمر الذي يتماشى مع نهج الرؤية 2030، ويحقق التنوع الاقتصادي المطلوب. وبالتالي فلا خوف على أرامكو مستقبلا بإذن الله، وستظل رافداً لإيرادات مهمة للوطن الغالي، وتظل تُشغّل كفاءاتنا السعودية بمعدلات أكبر من خلال التوسع القائم في أنشطتها الرأسية والأفقية.
نعود لاكتتاب الأفراد السعوديين في أرامكو، وما حققه من نجاح كبير، مبررين ذلك للعوامل التالية:
أولاً: برهن السعوديون أن الحجج الواهية التي كانت تسيطر على أذهان البعض بأن الأجانب سيتملكون الشركة، سيتضاءل بـ«سعودة» الأسهم، وبالتالي فلا بد من تكثيف الشراء لندحض مقولة سيطرة أجنبية على الشركة وقراراتها.
ثانياً: بالرغم من الظروف التي يمر بها اقتصادنا السعودي، وتباطؤ نموه نوعاً ما في الفترة الأخيرة، وتأثيرها على دخول الأفراد ومدخراتهم، إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاكتتاب، واثقين من نجاح هذا الاستثمار، ومستفيدين من التسهيلات التي قدمتها بنوكنا المحلية لبعض المكتتبين.
ثالثاً: إن كل مكتتب من مختلف مناطق المملكة واضع نصب عينيه أنه سيمثل في مجالس إدارات أرامكو وشركاتها الفرعية بصورة أو بأخرى من خلال الاكتتاب حتى ولو كان ضئيلاً، وما الطرائف العديدة التي امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي إلا دليل على هذا الإحساس الوطني، ورغبته في المشاركة في المحاسبة والمساءلة في إطار الشفافية القادمة لكل أعمال الشركة.
وما أثار الدهشة بشكل كبير، أن الساعات الأخيرة من اكتتاب الأفراد مساء الخميس الماضي، شهدت دخول أكثر من مليوني مكتتب، وهو ما أدى إلى تجاوز ما خصص لهم بأكثر من مرة ونصف. وعكس تردد البعض غير المبرر والذين أثرت فيهم بعض التغريدات غير المنطقية وغير العلمية، والتي تجاوزت حدودها في التشكيك، لتخدم أغراضاً واضحة وغير واضحة. ولكن وبعد الإقدام الكبير الذي تحقق خلال الأسبوعين المخصصين للأفراد، تبين تدريجياً ضحالة هذا التشكيك وأغراضه.
وفي انتظار الثاني عشر من ديسمبر الحالي، سيتضح الحجم النهائي للاكتتاب، وأرجو كما ذكرت نهاية الأسبوع الماضي، أن لا يكون هنالك رد للفائض للأفراد على وجه الخصوص، بل التوسع في حجم ما تم طرحه ليتجاوز البليون سهم ويغطي كامل طلبات السعوديين، ولا أعتقد أن هذا يمثل أية صعوبات تذكر لأرامكو، بل هي بحاجة إلى قرار سياسي يتخذه ولاة الأمر للصالح العام.
وفي الختام، وباتخاذ خطوة منح السعوديين كل طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، نكون قد حققنا فوائد عديدة، يأتي على رأسها «أن هذه شركتنا الوطنية الناجحة ما لها إلا نحن السعوديين»، ما لها إلا رجالها، وعاشت معنا أرامكو لأكثر من ثمانين عاماً، وهي تبني الوطن، ونحن كنا وما زلنا فخورين بها ونشارك في استكمال بنائها في الفترة القادمة بإذن الله.
* المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي
sabbanms@
فالنجاح الكبير في الإقبال على شراء أسهم أرامكو يُجيّر لنا نحن الأفراد السعوديين. حيث لم نستمع إلى كل حملات التشويه الذي واجهته بداية الاكتتاب من الإعلام الغربي، والذي انبرى يشكك في قدرة الشركة على تحصيل ما أرادته من حصيلة للاكتتاب تصل إلى 25$ بليون دولار، والتي تجاوزتها إلى أكثر من 32$ بليون دولار مع بداية هذا الأسبوع، بالرغم من استمرار اكتتاب المؤسسات والشركات إلى الخميس القادم.
الدهشة لم تطل الإعلام الغربي فحسب - والذي آثر الصمت بعد انتهاء اكتتاب الأفراد، فليس لديه ما يقوله في ظل خيبة الأمل -، بل شملت حتى المستشارين الأجانب الذين شاركوا في الإشراف على هذا الاكتتاب. وأصبح اكتتاب أرامكو حتى قبل أن ينتهي هو أكبر اكتتاب في العالم متجاوزاً شركات عالمية كبرى مثل «علي بابا»، وبفارق كبير، ومؤكداً على حقيقة أن أرامكو السعودية حقّاً هي نموذج مثالي لشركة عريقة عالمية، والتي تدير وتنتج حوالى 9-10% من الإنتاج العالمي من النفط، عدا دخولها مجالات التكامل الرأسي والأفقي الذي زاد ويزيد من صلابتها وصمودها أمام أية تقلبات قد تحدث في أسواق الطاقة العالمية.
أما التشكيك بإمكانية نجاح اكتتاب أرامكو فلم يقتصر على الإعلام الغربي، بل تنوع بين الجهل والتشاؤم وبين الحاقدين على المملكة واستقرارها السياسي والاقتصادي. فوجدناهم يركزون على نشرة الإصدار لأرامكو والتي كانت بين أيدينا مع بداية الاكتتاب، وإعلانها أن الطريق والتحديات التي تواجهها الشركة في الفترة القادمة ليست بالسهلة، ولكن تبني الشركة لاستراتيجية التكاملات في الصناعة النفطية يعطيها مناعة، ويحقق لها الاستمرارية في تحقيق مستويات الأرباح الماضية ان لم تكن أكبر منها.
فنشرة الإصدار تذكر الكثير من الغموض حول طبيعة العوامل الجيوسياسية التي تعيشها منطقتنا، والتي قد تؤثر في انتظام توفر الإمدادات من كل منتجي النفط في المنطقة، ناهيك عن احتمالات تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط، نتيجة لعوامل هيكلية عديدة، وحملات تغير المناخ المحتمل والمستهدفة للوقود الأحفوري والنفط بشكل خاص، والتحول التدريجي والذي سيأخذ عقوداً نحو مصادر الطاقة البديلة، وغير ذلك.
في المقابل، فإن تحول أرامكو التدريجي والذي بدأ منذ السنوات الماضية بشكل مكثف هو التقليل من تصدير النفط على هيئة خام، ومزيد من الدخول في الصناعات التحويلية من تكريره، واستعماله لقيماً أساسياً في صناعات البتروكيماويات والدخول لمختلف الصناعات التحويلية، عدا تطوير الطاقة المتجددة مثل الشمسية والرياح. الأمر الذي يتماشى مع نهج الرؤية 2030، ويحقق التنوع الاقتصادي المطلوب. وبالتالي فلا خوف على أرامكو مستقبلا بإذن الله، وستظل رافداً لإيرادات مهمة للوطن الغالي، وتظل تُشغّل كفاءاتنا السعودية بمعدلات أكبر من خلال التوسع القائم في أنشطتها الرأسية والأفقية.
نعود لاكتتاب الأفراد السعوديين في أرامكو، وما حققه من نجاح كبير، مبررين ذلك للعوامل التالية:
أولاً: برهن السعوديون أن الحجج الواهية التي كانت تسيطر على أذهان البعض بأن الأجانب سيتملكون الشركة، سيتضاءل بـ«سعودة» الأسهم، وبالتالي فلا بد من تكثيف الشراء لندحض مقولة سيطرة أجنبية على الشركة وقراراتها.
ثانياً: بالرغم من الظروف التي يمر بها اقتصادنا السعودي، وتباطؤ نموه نوعاً ما في الفترة الأخيرة، وتأثيرها على دخول الأفراد ومدخراتهم، إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاكتتاب، واثقين من نجاح هذا الاستثمار، ومستفيدين من التسهيلات التي قدمتها بنوكنا المحلية لبعض المكتتبين.
ثالثاً: إن كل مكتتب من مختلف مناطق المملكة واضع نصب عينيه أنه سيمثل في مجالس إدارات أرامكو وشركاتها الفرعية بصورة أو بأخرى من خلال الاكتتاب حتى ولو كان ضئيلاً، وما الطرائف العديدة التي امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي إلا دليل على هذا الإحساس الوطني، ورغبته في المشاركة في المحاسبة والمساءلة في إطار الشفافية القادمة لكل أعمال الشركة.
وما أثار الدهشة بشكل كبير، أن الساعات الأخيرة من اكتتاب الأفراد مساء الخميس الماضي، شهدت دخول أكثر من مليوني مكتتب، وهو ما أدى إلى تجاوز ما خصص لهم بأكثر من مرة ونصف. وعكس تردد البعض غير المبرر والذين أثرت فيهم بعض التغريدات غير المنطقية وغير العلمية، والتي تجاوزت حدودها في التشكيك، لتخدم أغراضاً واضحة وغير واضحة. ولكن وبعد الإقدام الكبير الذي تحقق خلال الأسبوعين المخصصين للأفراد، تبين تدريجياً ضحالة هذا التشكيك وأغراضه.
وفي انتظار الثاني عشر من ديسمبر الحالي، سيتضح الحجم النهائي للاكتتاب، وأرجو كما ذكرت نهاية الأسبوع الماضي، أن لا يكون هنالك رد للفائض للأفراد على وجه الخصوص، بل التوسع في حجم ما تم طرحه ليتجاوز البليون سهم ويغطي كامل طلبات السعوديين، ولا أعتقد أن هذا يمثل أية صعوبات تذكر لأرامكو، بل هي بحاجة إلى قرار سياسي يتخذه ولاة الأمر للصالح العام.
وفي الختام، وباتخاذ خطوة منح السعوديين كل طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، نكون قد حققنا فوائد عديدة، يأتي على رأسها «أن هذه شركتنا الوطنية الناجحة ما لها إلا نحن السعوديين»، ما لها إلا رجالها، وعاشت معنا أرامكو لأكثر من ثمانين عاماً، وهي تبني الوطن، ونحن كنا وما زلنا فخورين بها ونشارك في استكمال بنائها في الفترة القادمة بإذن الله.
* المستشار الاقتصادي والنفطي الدولي
sabbanms@