شهدت العاصمة السعودية الرياض (منتدى الإعلام السعودي) على امتداد يومين جرى خلالهما التطرق إلى جملة الهموم والشجون التي تطال مجالا حيويا وركنا أساسيا من أركان الدولة الحديثة، بدت الجلسات والمناقشات والحوارات تبحث في الإعلام على كافة مستوياته الوطنية والعربية والدولية، وتم الاستماع بإنصات إلى التجارب المختلفة. وبالرغم من أن المواضيع المطروحة للنقاش كانت تنوس بين الإعلام السعودي بصيغته الوطنية وتأثيره العربي من جهة والإعلام الدولي وتجاربه من جهة أخرى، إلا أن خلفية المشهد كانت تشير إلى حرب إعلامية خاضتها المملكة العربية السعودية مترافقة مع صراع سياسي وأحيانا عسكري كانت المملكة تذود من خلاله عن حياض أمنها القومي والمصالح القومية العربية. ولعلها مناسبة لنقف الهنيهة حول العبء الكبير الذي تحمله الإعلام السعودي في فترة حرجة، تجندت فيه دول ومنظمات ومسؤولون للنيل من مكانة المملكة ولتحاول هذه الأطراف حجز موقعها في خارطة الهيمنة على المنطقة برمتها.
يصعب جدا الوقوف عند كل القضايا التي تداخل فيها الإعلامي والسياسي على امتداد السنوات القليلة الماضية ولكننا سنقف عند نقاط فارقة وأساسية وقف فيها الإعلام السعودي مدافعا عن وطنه وقضاياه، فالهجوم الإقليمي كان يريد النيل من التجربة الداخلية وكان يريد التشكيك بالمشروع الاقتصادي والتنموي والاجتماعي الذي تبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فكان الإعلام أمام مواجهة من مستويين، الأول شرح هذا المشروع وأهدافه وكيف سوف ينعكس ذلك على الوطن والمواطن، أما المستوى الثاني فكان التركيز على ما يتحقق على أرض الواقع وهذا ما ظهر جليا في النشاطات الجمة التي شهدتها المملكة على المستوى الفني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. المجتمع السعودي يتغير بسرعة كبيرة وهذا لا ينبع من التغيرات الكثيرة التي أقرتها القيادة فقط ولكن أيضا لوجود الاستعداد والحماسة على مستوى الشارع السعودي والتلهف لبناء الدولة والمجتمع على أسس متطورة وحديثة. واكب الإعلام السعودي هذه التغيرات بينما وجدت الأطراف المتشككة أن عجلة التغير أسرع من قدرتها على التشويش على هذا المشروع الطموح.
إذا ما انتقلنا إلى قضايا المنطقة ومآزقها وحاولنا أن نتلمس صدى الخطاب الإعلامي السعودي والخطابات الإعلامية للأطراف الإقليمية يمكن أن نلمس مدى النجاح أو الفشل من خلال تقصي ما يحدث على أرض الواقع. على امتداد العقود الماضية حذرت المملكة العربية السعودية وحذر إعلامها من الخطر الذي يشكله المشروع الإيراني على المنطقة برمتها وخصوصا على الدول العربية، بينما هذا المشروع راح يتلطى تحت يافطات مذهبية حينا ومدغدغة المشاعر الوطنية العربية خصوصا عبر خطاب العداء لإسرائيل والادعاء كذبا بأنه خطاب (المقاومة والممانعة) على هذا الأساس قامت إيران بتشكيل الميليشيات وقامت بزرع الفتن بين المكونات الاجتماعية في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن مستغلة الثورة السورية والاجتياح الأمريكي للعراق، كما قامت بإنشاء ميليشيات لبنانية وأخرى عراقية وثالثة يمنية وفلسطينية. وقف الإعلام السعودي في وجه هذا المشروع التدميري وأبقت المملكة على دعمها للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأوضحت وسائل الإعلام في المملكة وتاليا في دول المنطقة الشقيقة زيف ادعاءات المقاومة وتهافتها. ولعل السؤال أيهما نجح على أرض الواقع، لعل الإجابة واضحة لكل ذي عينين وتكفي طرفة عين لما يحدث في العراق أو لبنان لتبين وصول الشعوب في كلا البلدين إلى وجهة النظر التي تبناها الخطاب الإعلامي السعودي، لا بل إن الشعوب تضحي بأرواحها ودمائها في سبيل الوقوف بوجه المشروع الإيراني وذيوله وكل صنائعه السياسية والميليشياوية. وإيران التي كان يتبجح جنرالاتها بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية أصبح اليوم مشروعها يترنح، باعتراف قادتها حيث قال أحد كبار مسؤوليها بأن نظام الملالي يواجه أخطر أزمة من ثورة الخميني.
من زاوية أخرى تقود تركيا محورا آخر من أجل النيل من المملكة جند من خلالها المسؤولون الأتراك الدولة برمتها من الرئيس إلى أصغر كاتب في صحيفة من أجل تحقيق تلك الغاية، ولكن ما الذي حدث؟ حاولت تركيا عزل المملكة عن المجتمع الدولي والمملكة اليوم تتمتع بأفضل العلاقات مع مختلف الأطراف الدولية بالرغم من التباين في السياسات بين هذه الأطراف بينما تركيا لديها أزماتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. حاولت تركيا ـ أردوغان أن تشوش على المشروع الداخلي في المملكة وها هو يسير بخطى ثابتة كجبل طويق، بينما مشروع العدالة والتنمية ينهار ليحل محله مشروع أردوغان الذي فشل في أول امتحان عندما خسر الانتخابات البلدية في إسطنبول.
هذا غيض من فيض والأمثلة كثيرة ومتعددة ولا مجال لحصرها، ولكن هل يعني ذلك أن الإعلام السعودي نجح في مهمته وأن الواقع يجسد المأمول. بالتأكيد الإجابة لا، فمن يعمل يخطئ ومن يعمل يدرك جوانب ضعفه ومن يعمل يحتاج في كل فترة أن يقف مع ذاته ويقيم تجربته ويرتقي بها. الإعلام السعودي بحاجة إلى نقلة نوعية تنقله إلى مستوى مختلف يتلافى من خلالها جوانب النقص وعوامل الضعف. لذلك فإن منتدى الإعلام السعودي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@
يصعب جدا الوقوف عند كل القضايا التي تداخل فيها الإعلامي والسياسي على امتداد السنوات القليلة الماضية ولكننا سنقف عند نقاط فارقة وأساسية وقف فيها الإعلام السعودي مدافعا عن وطنه وقضاياه، فالهجوم الإقليمي كان يريد النيل من التجربة الداخلية وكان يريد التشكيك بالمشروع الاقتصادي والتنموي والاجتماعي الذي تبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فكان الإعلام أمام مواجهة من مستويين، الأول شرح هذا المشروع وأهدافه وكيف سوف ينعكس ذلك على الوطن والمواطن، أما المستوى الثاني فكان التركيز على ما يتحقق على أرض الواقع وهذا ما ظهر جليا في النشاطات الجمة التي شهدتها المملكة على المستوى الفني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. المجتمع السعودي يتغير بسرعة كبيرة وهذا لا ينبع من التغيرات الكثيرة التي أقرتها القيادة فقط ولكن أيضا لوجود الاستعداد والحماسة على مستوى الشارع السعودي والتلهف لبناء الدولة والمجتمع على أسس متطورة وحديثة. واكب الإعلام السعودي هذه التغيرات بينما وجدت الأطراف المتشككة أن عجلة التغير أسرع من قدرتها على التشويش على هذا المشروع الطموح.
إذا ما انتقلنا إلى قضايا المنطقة ومآزقها وحاولنا أن نتلمس صدى الخطاب الإعلامي السعودي والخطابات الإعلامية للأطراف الإقليمية يمكن أن نلمس مدى النجاح أو الفشل من خلال تقصي ما يحدث على أرض الواقع. على امتداد العقود الماضية حذرت المملكة العربية السعودية وحذر إعلامها من الخطر الذي يشكله المشروع الإيراني على المنطقة برمتها وخصوصا على الدول العربية، بينما هذا المشروع راح يتلطى تحت يافطات مذهبية حينا ومدغدغة المشاعر الوطنية العربية خصوصا عبر خطاب العداء لإسرائيل والادعاء كذبا بأنه خطاب (المقاومة والممانعة) على هذا الأساس قامت إيران بتشكيل الميليشيات وقامت بزرع الفتن بين المكونات الاجتماعية في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن مستغلة الثورة السورية والاجتياح الأمريكي للعراق، كما قامت بإنشاء ميليشيات لبنانية وأخرى عراقية وثالثة يمنية وفلسطينية. وقف الإعلام السعودي في وجه هذا المشروع التدميري وأبقت المملكة على دعمها للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وأوضحت وسائل الإعلام في المملكة وتاليا في دول المنطقة الشقيقة زيف ادعاءات المقاومة وتهافتها. ولعل السؤال أيهما نجح على أرض الواقع، لعل الإجابة واضحة لكل ذي عينين وتكفي طرفة عين لما يحدث في العراق أو لبنان لتبين وصول الشعوب في كلا البلدين إلى وجهة النظر التي تبناها الخطاب الإعلامي السعودي، لا بل إن الشعوب تضحي بأرواحها ودمائها في سبيل الوقوف بوجه المشروع الإيراني وذيوله وكل صنائعه السياسية والميليشياوية. وإيران التي كان يتبجح جنرالاتها بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية أصبح اليوم مشروعها يترنح، باعتراف قادتها حيث قال أحد كبار مسؤوليها بأن نظام الملالي يواجه أخطر أزمة من ثورة الخميني.
من زاوية أخرى تقود تركيا محورا آخر من أجل النيل من المملكة جند من خلالها المسؤولون الأتراك الدولة برمتها من الرئيس إلى أصغر كاتب في صحيفة من أجل تحقيق تلك الغاية، ولكن ما الذي حدث؟ حاولت تركيا عزل المملكة عن المجتمع الدولي والمملكة اليوم تتمتع بأفضل العلاقات مع مختلف الأطراف الدولية بالرغم من التباين في السياسات بين هذه الأطراف بينما تركيا لديها أزماتها مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية. حاولت تركيا ـ أردوغان أن تشوش على المشروع الداخلي في المملكة وها هو يسير بخطى ثابتة كجبل طويق، بينما مشروع العدالة والتنمية ينهار ليحل محله مشروع أردوغان الذي فشل في أول امتحان عندما خسر الانتخابات البلدية في إسطنبول.
هذا غيض من فيض والأمثلة كثيرة ومتعددة ولا مجال لحصرها، ولكن هل يعني ذلك أن الإعلام السعودي نجح في مهمته وأن الواقع يجسد المأمول. بالتأكيد الإجابة لا، فمن يعمل يخطئ ومن يعمل يدرك جوانب ضعفه ومن يعمل يحتاج في كل فترة أن يقف مع ذاته ويقيم تجربته ويرتقي بها. الإعلام السعودي بحاجة إلى نقلة نوعية تنقله إلى مستوى مختلف يتلافى من خلالها جوانب النقص وعوامل الضعف. لذلك فإن منتدى الإعلام السعودي خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط
ramialkhalife@