عصرنا الحالي بقدر ما فيه من مميزات عظيمة بقدر ما فيه من سلبيات جذرية تؤثر على درجة ونوعية الوعي الخاص والعام والثقافة السائدة وما تقولب الناس عليه، وأبرزها؛ أنه بات ليس هناك تمييز لماهية «المضمون/ المحتوى/ الجوهر» ونوعية الوعي الذي صدر عنه هذا المضمون، وهذا شجع على أسوأ سيئات بل جرائم العصر؛ فطالما أن مجلة التايم الأمريكية تختار منذ حوالى القرن شخصية العام التي تصدر صورة صاحبها على غلافها وهو يعتبر من أسوأ الطغاة السفاحين الذين قتلوا أكبر عدد من البشر بالتاريخ لمجرد أنهم أحدثوا دويا دون الاعتبار لأن هذا يصيبهم بالمزيد من الغواية والتجرؤ على المزيد من الإجرام لأنهم يرون أنهم وفي حياتهم حتى زعامة الغرب المتحضر الديمقراطي تختارهم شخصيات العام فهذا يهون في نظرهم من تبعات جرائمهم، فهذه المعضلة تعود إلى القرن الماضي وليست مستجدة مع نجوم مواقع التواصل وبرامج «تلفزيون الواقع» الذين شهرتهم تتأتى من الغيبة والنميمة والفضائحية والتهريج السوقي/ الدرباوي والاستعراض المبتذل بالماديات والسخافات وترويج السلع المغشوشة والذين باتوا يتصدرون اللقاءات والمحافل العامة بدل نجوم العلوم والفكر والإنجازات، والنتيجة أن محدودية المستوى العقلي والتعليمي والثقافي والقيمي لهؤلاء كان من أبرز تبعاته الانتشار الوبائي عالميا لثقافة العصبيات الغوغائية البدائية المتخلفة التي أدت لتراجع منظومة ثقافة التحضر والعلم وحقوق الإنسان والمساواة والأخوة العالمية لصالح عودة غاشمة لما تكون عليه العقليات الجاهلة الغافلة المتخلفة، فالناس ما عادوا يقيمون ثمار نوعية الأثر الذي يتركه من يرونهم كمشاهير ومن يلقبون بالـ«مؤثرين/ انفلونسرز» واشتهروا لأنهم تجاوبوا مع الأنماط اللاواعية الهمجية البدائية المغترة والسطحية التي كان الناس حتى ثمانينيات القرن الماضي يخجلون منها ويترفعون عنها، فصار الآن من ينشرها يلقب بـ«مؤثر/ انفلونسر» وتتسابق القنوات والمحافل الرسمية لاستضافته والإغداق عليه بينما أهل الفكر يبيعون مكتباتهم بمذلة لعوزهم، ودائما عندما تسقط المحددات القيمية الجوهرية من الاعتبار بالثقافة السائدة ومن يصدرون كنجوم لها فعندها تصبح «ثقافة انحطاط» وتقولب الناس على أنماط سلبية سرعان ما تتحول لأكثر من مجرد سلبيات شخصية لأن تصبح جنوحا وجرائم جنائية وإرهابية كما حصل مع التيار اليميني العنصري المتطرف بأمريكا وأوروبا والهند الذي بدأ من نجوم مواقع التواصل حتى وصل لتزعم المنظومة الإعلامية والسياسية مما نتج عنه انتشار الإرهاب العرقي والقومي والطائفي لكن وبينما الناس يقتلون بالشوارع وسائل الإعلام والمواقع منشغلة بالخبر العاجل؛ فلانة تحمل لقب مؤثرة/ انفلونسر تصورت صورة «+18» وزاد عدد متابعيها كذا صفر على الشمال.
* كاتبة سعودية
* كاتبة سعودية