قبل أيام تداولت وسائل الإعلام المختلفة نبأ إقدام أحد المتدربين السعوديين على إطلاق النار عشوائياً على زملائه بقاعدة بنساكولا بولاية فلوريدا، وعلى الرغم من أن الحادث يعتبر عملاً فردياً بحتاً، غير أن الكثير من المتصيدين والمتربصين يحلو لهم استغلال الحدث، والترويج له باعتباره حدثاً يحمل في طياته بصمة سعودية، وعلى الرغم من أن الحادث جوبه باستنكار شعبي ورسمي بالغ، إلا أن هناك عدداً من النقاط التي ينبغي علينا إثارتها بشفافية وتحليلها بنوع من الدقة والتفصيل.
في اعتقادي أن هناك الكثير من علامات الاستفهام المطروحة حول هذه الجريمة، فعلى الرغم من أن الجانب الأمريكي يبحث في تحقيقاته فقط عن الدوافع الكامنة خلف ارتكابها، إلا أن هناك المزيد من الأسئلة التي يجب طرحها والإجابة عنها أولاً، لعل أولها هو كيف تمكن هذا المتدرب من الحصول على سلاح الجريمة دونما مساءلة، والأهم هو كيف تمكن من إدخال هذا السلاح دون أن يعترضه أحد إلى قاعدة عسكرية تخضع لضوابط صارمة وإجراءات تفتيش احترازية حاسمة لجميع العاملين والمتدربين فيها.
لقد كان الجاني ضابطاً في مهمة تدريبية تهدف لتعزيز العلاقات مع الحلفاء والاستفادة من خبراتهم لتطوير المهارات والقدرات العسكرية للمملكة وجيشها، وقد دأبت المملكة على إرسال الكثير من المتدربين للعديد من الدول الصديقة بهدف تعزيز هذا التعاون واكتساب الخبرات العسكرية، وغالباً ما يخضع المرشحون العسكريون قبل ابتعاثهم لمعايير دقيقة، ولم يشهد التاريخ قيام أحد متدربيها بارتكاب مثل هذه الجريمة أو بما يشابهها من قبل.
تحدثت مصادر إعلامية عديدة عن أن الجاني وقبيل قيامه بهذه الحادثة الشنيعة قام بتدوين عدة تدوينات مصغرة من خلال منصة تويتر تعبر عن كرهه للجانب الأمريكي وتوضح انتماءه لأحد التنظيمات الإرهابية، ومن المعلوم أن التغريدات في منصة تويتر تخضع لرقابة صارمة من إدارة تويتر في ما يتعلق بمحتوى التغريدات وخاصة ذات النزعة الإرهابية والعنصرية، وتقوم بحجبها وإغلاق حساب مدونها، فلماذا لم يتم إغلاق حسابه إلا بعد ارتكاب الجريمة، ولماذا لم يتم الإعلان عن هذه التغريدات إلا بعد وقوع الجريمة، نحن على يقين من أن الجاني كان بمثابة قنبلة موقوتة، غير أنه تم إدارة هذه القنبلة من خلال عناصر أرادت الزج باسم المملكة وشعبها في جريمة إرهابية بهدف وسمهم بالتطرف والإرهاب.
لقد أصبح البحث عن مبررات الإرهابيين أمراً محيراً ومربكاً للعقل البشري السوي، فلو أن أي إرهابي أقدم على ارتكاب جريمته ضد القوات الأمريكية في العراق أو سوريا أو أفغانستان مثلاً، لربما وجد لنفسه عذراً بحجة مقاومة المحتل، ولكن هذه المرة ارتكب الجاني جريمته في ديار الغرب وفوق أراضيهم السيادية، ولا يوجد أي نوع من العلاقات المستفزة أو العدوانية بين المملكة وأي دولة غربية، بل العكس هو الصحيح تماماً، فالمملكة من أكثر الدول تعاوناً مع الدول الغربية في مجال مكافحة الإرهاب، والدول الغربية بدورها تدعم المملكة في حربها الضروس ضد الإرهابيين، وتمدها بكل ما يلزمها لاجتثاثه من جذوره.
لا شك لدينا في أن هذه الجريمة تقف خلفها أطراف دولية -لا محلية- أكثر إرهاباً، فجميع العمليات الإرهابية التي تورط فيها سعوديون من قبل كانت تقف خلفها عناصر من خارج المملكة وليس من داخلها، تم التوصل إليهم وتسميمهم فكريا عبر قنوات تواصل مختلفة، ويعرف الجميع أن المملكة وقيادتها تقف بحزم تام ضد أي طرف إرهابي من الداخل يتم اكتشافه، من خلال حملة أمنية صارمة يقودها بحسم الأمير الشاب محمد بن سلمان، وعلى الرغم من قلة العمليات الإرهابية التي تورط فيها بعض السعوديين إلا أنه يمكننا القول إنهم جناة وضحايا في نفس الوقت، جناة لاستسلامهم واعتناقهم للأفكار المتطرفة وإقدامهم على قتل نفوس بريئة، وضحايا لأنهم وقعوا في مخالب أيدي قذرة دولية لا يهمها سوى تشويه صورة المملكة ومواطنيها في أعين الرأي العام العالمي.
يجب على المجتمع الدولي المناهض للإرهاب تعقب الأصل قبل الفرع، ومحاسبة الراعي قبل الجاني، أما نحن فعلينا البحث في دوافع الجاني كمرحلة أولية، يجب تحديدها أولاً تمهيداً للإجابة عن السؤال الأهم والأصعب الذي يعقبها، وهو كم شخص آخر مؤمن بنفس أفكار الجاني يتحين الفرصة ليرتكب جريمة دموية أخرى لا تقل في بشاعتها عن هذه الجريمة، وينتهز الوقت المناسب ليودي بحياة أكبر عدد ممكن من الأبرياء، ليقدم لأعداء المملكة المبررات الكافية التي تسمح لهم بمهاجمتها، ويُنجح محاولتهم في إلصاق تهمة الإرهاب بها ظلماً وزوراً.
من المؤكد أن الجاني وأشباهه لا يمثلون المجتمع السعودي، وفي كل مجتمع هناك فئة من المنحرفين فكرياً، غير أنه في المقابل يجب علينا البحث عن هذه القنابل الموقوتة وحصر هوية هؤلاء الذين يمتلكون نفس القواعد الفكرية المقيتة، وربما يتحركون من حولنا ويعيشون بيننا ولا نعرف عن أفكارهم شيئاً، وعلى الرغم من تيقننا من أنهم قلة إلا أنه يتوجب علينا القيام بتلك المهمة، وهي مهمة ليست بالبسيطة ولكنها ضرورية جداً، وتقع على عاتق عدة أطراف، بدءاً من العائلة نهاية بمحيط العمل مروراً بالأصدقاء والمعارف، يجب أن نبحث عن الجنود المجهولين لقادة التطرف والإرهاب لنتمكن من تعديل أفكارهم وتهذيب سلوكياتهم لمنع تكرار حدوث تلك العمليات الإرهابية مستقبلاً، ولنتمكن من محو الصورة السلبية التي يقاتل أعداء المملكة لتثبيتها وإلصاقها بنا، ونوضح أننا قيادة وشعباً كنا -ولا نزال- دوماً أصحاب الفكر المعتدل السوي وحماة الأمن ورعاة السلام الإقليمي والدولي.
* كاتب سعودي
Prof_Mufti@
dr.mufti@acctecon.com
في اعتقادي أن هناك الكثير من علامات الاستفهام المطروحة حول هذه الجريمة، فعلى الرغم من أن الجانب الأمريكي يبحث في تحقيقاته فقط عن الدوافع الكامنة خلف ارتكابها، إلا أن هناك المزيد من الأسئلة التي يجب طرحها والإجابة عنها أولاً، لعل أولها هو كيف تمكن هذا المتدرب من الحصول على سلاح الجريمة دونما مساءلة، والأهم هو كيف تمكن من إدخال هذا السلاح دون أن يعترضه أحد إلى قاعدة عسكرية تخضع لضوابط صارمة وإجراءات تفتيش احترازية حاسمة لجميع العاملين والمتدربين فيها.
لقد كان الجاني ضابطاً في مهمة تدريبية تهدف لتعزيز العلاقات مع الحلفاء والاستفادة من خبراتهم لتطوير المهارات والقدرات العسكرية للمملكة وجيشها، وقد دأبت المملكة على إرسال الكثير من المتدربين للعديد من الدول الصديقة بهدف تعزيز هذا التعاون واكتساب الخبرات العسكرية، وغالباً ما يخضع المرشحون العسكريون قبل ابتعاثهم لمعايير دقيقة، ولم يشهد التاريخ قيام أحد متدربيها بارتكاب مثل هذه الجريمة أو بما يشابهها من قبل.
تحدثت مصادر إعلامية عديدة عن أن الجاني وقبيل قيامه بهذه الحادثة الشنيعة قام بتدوين عدة تدوينات مصغرة من خلال منصة تويتر تعبر عن كرهه للجانب الأمريكي وتوضح انتماءه لأحد التنظيمات الإرهابية، ومن المعلوم أن التغريدات في منصة تويتر تخضع لرقابة صارمة من إدارة تويتر في ما يتعلق بمحتوى التغريدات وخاصة ذات النزعة الإرهابية والعنصرية، وتقوم بحجبها وإغلاق حساب مدونها، فلماذا لم يتم إغلاق حسابه إلا بعد ارتكاب الجريمة، ولماذا لم يتم الإعلان عن هذه التغريدات إلا بعد وقوع الجريمة، نحن على يقين من أن الجاني كان بمثابة قنبلة موقوتة، غير أنه تم إدارة هذه القنبلة من خلال عناصر أرادت الزج باسم المملكة وشعبها في جريمة إرهابية بهدف وسمهم بالتطرف والإرهاب.
لقد أصبح البحث عن مبررات الإرهابيين أمراً محيراً ومربكاً للعقل البشري السوي، فلو أن أي إرهابي أقدم على ارتكاب جريمته ضد القوات الأمريكية في العراق أو سوريا أو أفغانستان مثلاً، لربما وجد لنفسه عذراً بحجة مقاومة المحتل، ولكن هذه المرة ارتكب الجاني جريمته في ديار الغرب وفوق أراضيهم السيادية، ولا يوجد أي نوع من العلاقات المستفزة أو العدوانية بين المملكة وأي دولة غربية، بل العكس هو الصحيح تماماً، فالمملكة من أكثر الدول تعاوناً مع الدول الغربية في مجال مكافحة الإرهاب، والدول الغربية بدورها تدعم المملكة في حربها الضروس ضد الإرهابيين، وتمدها بكل ما يلزمها لاجتثاثه من جذوره.
لا شك لدينا في أن هذه الجريمة تقف خلفها أطراف دولية -لا محلية- أكثر إرهاباً، فجميع العمليات الإرهابية التي تورط فيها سعوديون من قبل كانت تقف خلفها عناصر من خارج المملكة وليس من داخلها، تم التوصل إليهم وتسميمهم فكريا عبر قنوات تواصل مختلفة، ويعرف الجميع أن المملكة وقيادتها تقف بحزم تام ضد أي طرف إرهابي من الداخل يتم اكتشافه، من خلال حملة أمنية صارمة يقودها بحسم الأمير الشاب محمد بن سلمان، وعلى الرغم من قلة العمليات الإرهابية التي تورط فيها بعض السعوديين إلا أنه يمكننا القول إنهم جناة وضحايا في نفس الوقت، جناة لاستسلامهم واعتناقهم للأفكار المتطرفة وإقدامهم على قتل نفوس بريئة، وضحايا لأنهم وقعوا في مخالب أيدي قذرة دولية لا يهمها سوى تشويه صورة المملكة ومواطنيها في أعين الرأي العام العالمي.
يجب على المجتمع الدولي المناهض للإرهاب تعقب الأصل قبل الفرع، ومحاسبة الراعي قبل الجاني، أما نحن فعلينا البحث في دوافع الجاني كمرحلة أولية، يجب تحديدها أولاً تمهيداً للإجابة عن السؤال الأهم والأصعب الذي يعقبها، وهو كم شخص آخر مؤمن بنفس أفكار الجاني يتحين الفرصة ليرتكب جريمة دموية أخرى لا تقل في بشاعتها عن هذه الجريمة، وينتهز الوقت المناسب ليودي بحياة أكبر عدد ممكن من الأبرياء، ليقدم لأعداء المملكة المبررات الكافية التي تسمح لهم بمهاجمتها، ويُنجح محاولتهم في إلصاق تهمة الإرهاب بها ظلماً وزوراً.
من المؤكد أن الجاني وأشباهه لا يمثلون المجتمع السعودي، وفي كل مجتمع هناك فئة من المنحرفين فكرياً، غير أنه في المقابل يجب علينا البحث عن هذه القنابل الموقوتة وحصر هوية هؤلاء الذين يمتلكون نفس القواعد الفكرية المقيتة، وربما يتحركون من حولنا ويعيشون بيننا ولا نعرف عن أفكارهم شيئاً، وعلى الرغم من تيقننا من أنهم قلة إلا أنه يتوجب علينا القيام بتلك المهمة، وهي مهمة ليست بالبسيطة ولكنها ضرورية جداً، وتقع على عاتق عدة أطراف، بدءاً من العائلة نهاية بمحيط العمل مروراً بالأصدقاء والمعارف، يجب أن نبحث عن الجنود المجهولين لقادة التطرف والإرهاب لنتمكن من تعديل أفكارهم وتهذيب سلوكياتهم لمنع تكرار حدوث تلك العمليات الإرهابية مستقبلاً، ولنتمكن من محو الصورة السلبية التي يقاتل أعداء المملكة لتثبيتها وإلصاقها بنا، ونوضح أننا قيادة وشعباً كنا -ولا نزال- دوماً أصحاب الفكر المعتدل السوي وحماة الأمن ورعاة السلام الإقليمي والدولي.
* كاتب سعودي
Prof_Mufti@
dr.mufti@acctecon.com