في خبر أوردته عكاظ أنه تم رصد مئات الملايين من الحسابات المزعجة في تويتر وإغلاق 75% منها بعد أن زاد حال البعض شتما وقبحا وإساءة إلى الآخرين وكأنهم وحدهم من ملك الحقيقة أو كأن الوطن ملكا لهم أو ملكوا زمام الدين وناصية القول فلا قول إلا قولهم. وليتهم كانوا رجالا فظهروا بأسمائهم الحقيقية بدلا من الاختباء وراء أسماء وصور وهمية، ينتقدون حقدا وبغضا وكأنهم بالوعات سٌدّت مسالكها فزكمت رائحتها الأنوف، ألم يكفهم أننا في ذيل الأمم قاطبة إسهاما في إفادة الإنسانية بالمخترعات، لتحسين سبل الحياة، وتذليل صعابها؛ والأخزى أنهم استغلوا هذه المخترعات والمنتجات الحديثة في غير ما وظّفت له، وصممت من أجله. فهذه وسائل التواصل الاجتماعي، التي جاءتنا ونحن نقبع في مربّع الاستهلاك، الذي لم نغادره كسلا، ولم نبارحه خمولا، فحولوها إلى وسائل لـ«القطيعة الاجتماعية»، «صدّروا» السباب الشائن إلى الفضاء، و«عكروا» الأجواء بالشتائم المقذعات، و«لوثوا» الأفق بقواميس اللعن وازدراء الآخرين ولم تبق فضيلة إلا طمسوا عليها بهذا السلوك «اللا إنساني».
إنّ «طفح» وسائل التواصل الاجتماعي، بعبارات الشتم والسباب وساقط القول، تكشف عن خلل واضح في بنية الفرد النفسية، ومنظومة القيم المجتمعية، وحسنا فعل مجلس القضاء الأعلى بتوجيهه للمحاكم الجزئية بوجوب النّظر وفضّ المنازعات فيما يتصل بقضايا السبِّ والشتم في وسائل التواصل الاجتماعي؛ بما يتيح الفرصة أمام المتضررين من هذا المسلك القميء، اللجوء إلى هذه المثابات الحقوقية لردع العابثين، وكفّ أيدي الوالغين في أعراض النّاس، والمتعدين على الحرمات بشائن اللفظ، وساقط القول.
إن تدخل مجلس القضاء، يؤكد أنّ الأمر استفحل بشكل أوجب علاجا ناجعا بـ«الكي» عبر مؤسسة العدل والقضاء، بما يحتم كذلك أن تتضافر جهود بحثية أخرى، في محاولة لقراءة هذه الظاهرة قراءة واقعية، تستكنه الأسباب، وتسعى في البحث والاستقصاء عن أسبابها ودوافعها، ومحركاتها ونوازعها، فعلينا جميعا أن نتساءل بكل جرأة، ونجاوب بكل صدق؛ لماذا تتفشى مثل هذه الظاهرة المقيتة في مجتمع قائم على تربية دينية ملتزمة، تكاد في التزامها الصارم أن يتوهّم البعض بأنها «متزمتة»، فهل هذا الالتزام «قشرة» تجمّل وجه مجتمع يتناقض بشكل سافر بين مظهره ومخبره؛ أليس أي فرد مسلم، ممن يلوثون وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الزخم النتن من الإساءات والبذاءات الدنيئة قد مرّ على كلّ الآيات الكريمة المتوعدة لمن يقع في أعراض الناس، وينتهك خصوصياتهم وتعمد الكذب عليهم ليسمعوا حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام في تحديد المكوّن الأخلاقي لمن ينتسب للإيمان، حين قال، «ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء»، وكأنما الباسطون القول سبّا في هذه النوافذ التقنية قد قرأوا هذا الحديث دون أن ينظروا إلى «ليس» في بدايته، فطفقوا طعنا ولعنا وفحشا وبذاءة، محوّلين هذه التقنية التي بين أيديهم إلى شيء لم تصنع من أجله، وكأنهم بذلك يعيدون إنتاج الأزمة الأزلية التي عبر عنها الشاعر المتنبي في قوله:
كلَّ ما أنبت الزّمان قناة
ركّب المرء في القناة سنانا
وهكذا أصبحنا، كل ما أنتج لنا الآخرون تقنية، حشوناها بالسواقط التافهات، وسخرناها للعبث الممرور الذي لا طائل منه، ووجهناه إلى رجّ سخائم النفوس، وركام الأحقاد، وأورام الذوات المتقيحة، ولا فرق بين زمان وزمان في تفكيرنا، فقط تغيّرت الوسائل، وإنما التسخير هو التسخير.
هنا يأتي دور الباحثين الاجتماعيين، ليذهبوا عميقا عبر استبانات واضحة الأهداف، تبحث في كل الظواهر الاجتماعية السالبة لدينا، وتستجلي مسبباتها الأساسية، ليترافق ذلك مع أفق التأديب القانوني، فالحاجة إليه كبيرة أيضا، لكنه لن يكون كافيا وحده، لا بد من معالجات اجتماعية تستلّ سخائم النفوس، ومطويات الضغينة فيها التي تدفعها إلى تمرير خطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أقلّ ما يوصف به أنّه خطاب كارثي، بخاصة إذا استصحبنا أن هذا السلوك يكاد يغطّي أغلب شرائح المجتمع،، فلا فرق بين علية النّاس من الأكاديميين، وأسافلهم، فهم سواء في الشتم، وسيان في السباب.
إنّ ظاهرة انتشار السباب والشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي والأصوات الناعقة بالكذب والافتراء مع القسم بأغلظ الأيمان أن ما يحدث هو الحقيقة وواقع الحال، تعيدني إلى قضايا مشابهة، تزامنت كلّها مع ظهور التقنيات الحديثة، فكلنا يعرف كيف كان تعاملنا مع الجوال في بداية ظهوره، وكيف سخرناه بعد أن تطور وزوّد بالكاميرا، وكيف كان تعاملنا مع المستقبلات الفضائية وانفتاح السماء علينا بالقنوات التي لا كوابح لها، وكيف تعاملنا مع الإنترنت وقناة اليوتيوب وأخواتها.. والأمثلة تترى، والحقيقة الجلية التي نخفيها تحت ركام التظاهر بـ«الطهرانية» أن تعاملنا مع هذه التقنيات تجاوزنا فيه مقدار «الاعتدال» في التجاوز إلى «الفحش» في الاستهلاك بما جعل كل وسائل التقنية الحديثة عندنا «أدوات خطيرة»، حفّزت المجتهدين في الفتاوى إلى القول بحرمة التعاطي معها درءا للمفاسد، وهي معالجة استهدفت الآلة ولم تذهب إلى حيث الخلل الأساسي في مستعملها، والمشهد يتكرر اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي، فلا حاجة بنا إلى فتوى لتحريمها، ولكننا بحاجة إلى وعي يغوص عميقا في عقول ملوثيها، ويفهم دوافعهم الأساسية، وعند ذلك يمكننا بكلّ يسر وضع العلاج الأمثل لها.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com
إنّ «طفح» وسائل التواصل الاجتماعي، بعبارات الشتم والسباب وساقط القول، تكشف عن خلل واضح في بنية الفرد النفسية، ومنظومة القيم المجتمعية، وحسنا فعل مجلس القضاء الأعلى بتوجيهه للمحاكم الجزئية بوجوب النّظر وفضّ المنازعات فيما يتصل بقضايا السبِّ والشتم في وسائل التواصل الاجتماعي؛ بما يتيح الفرصة أمام المتضررين من هذا المسلك القميء، اللجوء إلى هذه المثابات الحقوقية لردع العابثين، وكفّ أيدي الوالغين في أعراض النّاس، والمتعدين على الحرمات بشائن اللفظ، وساقط القول.
إن تدخل مجلس القضاء، يؤكد أنّ الأمر استفحل بشكل أوجب علاجا ناجعا بـ«الكي» عبر مؤسسة العدل والقضاء، بما يحتم كذلك أن تتضافر جهود بحثية أخرى، في محاولة لقراءة هذه الظاهرة قراءة واقعية، تستكنه الأسباب، وتسعى في البحث والاستقصاء عن أسبابها ودوافعها، ومحركاتها ونوازعها، فعلينا جميعا أن نتساءل بكل جرأة، ونجاوب بكل صدق؛ لماذا تتفشى مثل هذه الظاهرة المقيتة في مجتمع قائم على تربية دينية ملتزمة، تكاد في التزامها الصارم أن يتوهّم البعض بأنها «متزمتة»، فهل هذا الالتزام «قشرة» تجمّل وجه مجتمع يتناقض بشكل سافر بين مظهره ومخبره؛ أليس أي فرد مسلم، ممن يلوثون وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الزخم النتن من الإساءات والبذاءات الدنيئة قد مرّ على كلّ الآيات الكريمة المتوعدة لمن يقع في أعراض الناس، وينتهك خصوصياتهم وتعمد الكذب عليهم ليسمعوا حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام في تحديد المكوّن الأخلاقي لمن ينتسب للإيمان، حين قال، «ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ولا فاحش ولا بذيء»، وكأنما الباسطون القول سبّا في هذه النوافذ التقنية قد قرأوا هذا الحديث دون أن ينظروا إلى «ليس» في بدايته، فطفقوا طعنا ولعنا وفحشا وبذاءة، محوّلين هذه التقنية التي بين أيديهم إلى شيء لم تصنع من أجله، وكأنهم بذلك يعيدون إنتاج الأزمة الأزلية التي عبر عنها الشاعر المتنبي في قوله:
كلَّ ما أنبت الزّمان قناة
ركّب المرء في القناة سنانا
وهكذا أصبحنا، كل ما أنتج لنا الآخرون تقنية، حشوناها بالسواقط التافهات، وسخرناها للعبث الممرور الذي لا طائل منه، ووجهناه إلى رجّ سخائم النفوس، وركام الأحقاد، وأورام الذوات المتقيحة، ولا فرق بين زمان وزمان في تفكيرنا، فقط تغيّرت الوسائل، وإنما التسخير هو التسخير.
هنا يأتي دور الباحثين الاجتماعيين، ليذهبوا عميقا عبر استبانات واضحة الأهداف، تبحث في كل الظواهر الاجتماعية السالبة لدينا، وتستجلي مسبباتها الأساسية، ليترافق ذلك مع أفق التأديب القانوني، فالحاجة إليه كبيرة أيضا، لكنه لن يكون كافيا وحده، لا بد من معالجات اجتماعية تستلّ سخائم النفوس، ومطويات الضغينة فيها التي تدفعها إلى تمرير خطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أقلّ ما يوصف به أنّه خطاب كارثي، بخاصة إذا استصحبنا أن هذا السلوك يكاد يغطّي أغلب شرائح المجتمع،، فلا فرق بين علية النّاس من الأكاديميين، وأسافلهم، فهم سواء في الشتم، وسيان في السباب.
إنّ ظاهرة انتشار السباب والشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي والأصوات الناعقة بالكذب والافتراء مع القسم بأغلظ الأيمان أن ما يحدث هو الحقيقة وواقع الحال، تعيدني إلى قضايا مشابهة، تزامنت كلّها مع ظهور التقنيات الحديثة، فكلنا يعرف كيف كان تعاملنا مع الجوال في بداية ظهوره، وكيف سخرناه بعد أن تطور وزوّد بالكاميرا، وكيف كان تعاملنا مع المستقبلات الفضائية وانفتاح السماء علينا بالقنوات التي لا كوابح لها، وكيف تعاملنا مع الإنترنت وقناة اليوتيوب وأخواتها.. والأمثلة تترى، والحقيقة الجلية التي نخفيها تحت ركام التظاهر بـ«الطهرانية» أن تعاملنا مع هذه التقنيات تجاوزنا فيه مقدار «الاعتدال» في التجاوز إلى «الفحش» في الاستهلاك بما جعل كل وسائل التقنية الحديثة عندنا «أدوات خطيرة»، حفّزت المجتهدين في الفتاوى إلى القول بحرمة التعاطي معها درءا للمفاسد، وهي معالجة استهدفت الآلة ولم تذهب إلى حيث الخلل الأساسي في مستعملها، والمشهد يتكرر اليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي، فلا حاجة بنا إلى فتوى لتحريمها، ولكننا بحاجة إلى وعي يغوص عميقا في عقول ملوثيها، ويفهم دوافعهم الأساسية، وعند ذلك يمكننا بكلّ يسر وضع العلاج الأمثل لها.
* كاتب سعودي
nyamanie@hotmail.com