عجيبة وغريبة «القمة الإسلامية» التي انعقدت مؤخراً في كوالالمبور بماليزيا. والعجب كل العجب مصدره أنّ القمة تدعو إلى ائتلاف العمل الإسلامي، لكنّ الوقائع لا تشير إلّا إلى تمزيق العمل الإسلامي، وإقامة محاور لتفسيخ المنظومة الإسلامية الجامعة. لقد كانت قمة مصالح ضيقة بامتياز، ومن الخطأ الفادح تسميتها «قمة إسلامية».
وبالرغم من أن تكتل كوالالمبور يثير تساؤلات كثيرة وهناك تفاوت في الكثير من النواحي، إلا أنّ بواعث هذه القمة لتكون نواة تكتل جديد، تختلف من دولة إلى أخرى؛ فتركيا تسعى إلى تقوية علاقاتها مع الدول الإسلامية بعد خسارتها وانعدام فرصة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وترغب في تكريس مكانتها مجدداً كحلقة وصل بين الشرق والغرب، فضلاً عن منح حزب العدالة والتنمية في تركيا مكاسب كبيرة أمام الرأي العام التركي في مواجهة القوى السياسية المنافسة الأخرى، وكذلك تحسين الأوضاع الاقتصادية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات التركية، وتنسيق السياسات الاقتصادية، وتعزيز التعاون التجاري بين الدول الأعضاء.
أما بالنسبة لإيران، فهي تسعى لكسر العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها من قبل الولايات المتحدة، بشأن برنامجها النووي، وبرامج الصواريخ الباليستية، وسلوكها في السياسة الخارجية، وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية. ومن دوافع طهران للانضمام إلى حلف كهذا هو البحث عن حلفاء لدعمها في المحافل الدولية، فضلاً عن أنّ انضمامها إلى هذا التكتل يسهم في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، وتراجع العملة، وازدياد نسبة البطالة، وارتفاع نسبة التضخم.
وتسعى قطر، من جانبها، إلى إعطاء صورة للعالم بأنها ليست معزولة بسبب المقاطعة، والبحث عن مساندة تمنحها ورقة رابحة على الأصعدة الدولية والإقليمية، في حين تسعى ماليزيا لتكون محور الثقل في منطقة شرق آسيا، وتعزيز واكتساب دور فعال ومؤثر في الاجتماعات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية والمشاريع التجارية التي يمكن أن تتبلور مع الدول الأعضاء، وتخدم مراحل التنمية في ماليزيا.
ومع التأكيدات من قبل هذه الدول الأربع بأنّ التكتل الجديد ليس موجهاً ضد أحد، إلا أنّ هذا النوع من التفكير لن يكتب له النجاح، بالنظر إلى التجارب السابقة الفاشلة؛ مثل مجموعة الدول الثماني في التسعينات من القرن المنصرم، الذي تزعمت تركيا أيضاً فكرته وريادته؛ فقد فشل فشلاً ذريعاً، وعانت دوله من مشاكل سياسية واقتصادية لا قِبل لها بها، بسبب التباينات المثيرة بين أعضائه، وهو ما سينعكس على تكتل كوالالمبور.
لقد أحسنت فعلاً كلُّ من باكستان وإندونيسيا بالانسحاب من هذا التكتل المسخ، لإدراكهما بأنه يحمل مضامين فشله، كما يدل على عدم الحكمة والدراية في المقاربات في الشؤون الدولية؛ إذ قد يثير حساسيات الغرب، وبالتالي قد تدفعه إلى مواقف سلبية تجاه أعضائه بناء على اعتبار التكتل مجموعة إسلامية جديدة.
لقد رأت باكستان وإندونيسيا أنّ أي تجاوز لدور المملكة الإسلامي المعروف، وتجاهل موقعها ومكانتها ووزنها الاقتصادي على الصعيدين الإسلامي والدولي، أمر ينطوي على تقديرات حمقاء، ومشاعر غير سليمة، علاوة على أنّ التكتل الهجين يشكّل مساراً يوازي مسار منظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يؤثر على هذه المنظمة العريقة، وسعيها الدؤوب إلى إيجاد أسس لتعاون إسلامي سياسي واقتصادي يخدم الدول الإسلامية كافة.
* كاتب سعودي
وبالرغم من أن تكتل كوالالمبور يثير تساؤلات كثيرة وهناك تفاوت في الكثير من النواحي، إلا أنّ بواعث هذه القمة لتكون نواة تكتل جديد، تختلف من دولة إلى أخرى؛ فتركيا تسعى إلى تقوية علاقاتها مع الدول الإسلامية بعد خسارتها وانعدام فرصة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وترغب في تكريس مكانتها مجدداً كحلقة وصل بين الشرق والغرب، فضلاً عن منح حزب العدالة والتنمية في تركيا مكاسب كبيرة أمام الرأي العام التركي في مواجهة القوى السياسية المنافسة الأخرى، وكذلك تحسين الأوضاع الاقتصادية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات التركية، وتنسيق السياسات الاقتصادية، وتعزيز التعاون التجاري بين الدول الأعضاء.
أما بالنسبة لإيران، فهي تسعى لكسر العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها من قبل الولايات المتحدة، بشأن برنامجها النووي، وبرامج الصواريخ الباليستية، وسلوكها في السياسة الخارجية، وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول العربية. ومن دوافع طهران للانضمام إلى حلف كهذا هو البحث عن حلفاء لدعمها في المحافل الدولية، فضلاً عن أنّ انضمامها إلى هذا التكتل يسهم في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، وتراجع العملة، وازدياد نسبة البطالة، وارتفاع نسبة التضخم.
وتسعى قطر، من جانبها، إلى إعطاء صورة للعالم بأنها ليست معزولة بسبب المقاطعة، والبحث عن مساندة تمنحها ورقة رابحة على الأصعدة الدولية والإقليمية، في حين تسعى ماليزيا لتكون محور الثقل في منطقة شرق آسيا، وتعزيز واكتساب دور فعال ومؤثر في الاجتماعات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية والمشاريع التجارية التي يمكن أن تتبلور مع الدول الأعضاء، وتخدم مراحل التنمية في ماليزيا.
ومع التأكيدات من قبل هذه الدول الأربع بأنّ التكتل الجديد ليس موجهاً ضد أحد، إلا أنّ هذا النوع من التفكير لن يكتب له النجاح، بالنظر إلى التجارب السابقة الفاشلة؛ مثل مجموعة الدول الثماني في التسعينات من القرن المنصرم، الذي تزعمت تركيا أيضاً فكرته وريادته؛ فقد فشل فشلاً ذريعاً، وعانت دوله من مشاكل سياسية واقتصادية لا قِبل لها بها، بسبب التباينات المثيرة بين أعضائه، وهو ما سينعكس على تكتل كوالالمبور.
لقد أحسنت فعلاً كلُّ من باكستان وإندونيسيا بالانسحاب من هذا التكتل المسخ، لإدراكهما بأنه يحمل مضامين فشله، كما يدل على عدم الحكمة والدراية في المقاربات في الشؤون الدولية؛ إذ قد يثير حساسيات الغرب، وبالتالي قد تدفعه إلى مواقف سلبية تجاه أعضائه بناء على اعتبار التكتل مجموعة إسلامية جديدة.
لقد رأت باكستان وإندونيسيا أنّ أي تجاوز لدور المملكة الإسلامي المعروف، وتجاهل موقعها ومكانتها ووزنها الاقتصادي على الصعيدين الإسلامي والدولي، أمر ينطوي على تقديرات حمقاء، ومشاعر غير سليمة، علاوة على أنّ التكتل الهجين يشكّل مساراً يوازي مسار منظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يؤثر على هذه المنظمة العريقة، وسعيها الدؤوب إلى إيجاد أسس لتعاون إسلامي سياسي واقتصادي يخدم الدول الإسلامية كافة.
* كاتب سعودي