أكثر من خمسة عقود من عمر منظمة المؤتمر الإسلامي أو التعاون الإسلامي كما صار يطلق عليها حالياً، بناها أبو التضامن الإسلامي «فيصل بن عبدالعزيز» على عينه وحياته، لم يكن الفيصل (رحمه الله) بعيداً عن هموم أمته، ولم تكن بلاده منفصلة عن فضائها الإسلامي، لقد بنت المملكة العربية السعودية نظامها وعقيدتها السياسية على عمقها وإرثها الإسلامي وخدمتها للحرمين الشريفين.
وجد الفيصل أن أمته تتجاذبها تيارات عاصفة، فتصدى لهذا المشروع، ودفع حياته من أجله، ففي تلك الفترة الحرجة من تاريخ أمته وخصوصاً من العام 1914 عندما بدأت الأمة الإسلامية وداخلها العربية مشاريع الاستقلال والانعتاق من الاستعمار الذي رزحت تحته عقوداً طويلة.
كانت الشعوب العربية والإسلامية تناضل من أجل التحرر وتكافح ضد الاحتلال والاستغلال الذي مارسته الدول الاستعمارية، وكانت البدائل إما الذهاب نحو الشيوعية الماركسية والاشتراكية الشرقية عقيدة واقتصاداً، أو العلمانية والليبرالية الغربية المنفلتة، هذا بالإضافة إلى أن العالم العربي وجد نفسه أسيراً لتيارات البعثية والقومية، ليجيء الفيصل ومن ورائه بلاده السعودية مقدماً للمسلمين خيارهم الأفضل والأقرب «التضامن الإسلامي».
لقد بنى الفيصل مشروعه على أهمية التعاون بين المسلمين، وأنه السبيل الوحيد للتصدي لمشاريع فكرية ليست من هويتهم ولا تمثلهم، داعياً للتخلص من الاستعمار والصهيونية والشيوعية والقومية الشوفينية، جاء طرح الملك فيصل ملبياً لحاجات الشعوب الإسلامية ومتناغماً مع أحلامهما لتقابله هي الأخرى حبّاً بحبٍّ.
لم يكن طريق الفيصل سهلاً، فقد واجه مقاومة شرسة من أعداء التضامن الإسلامي الذين شنوا عليه حروباً دعائية لدرجة أن بعضهم شارك في محاولة زعزعة استقرار المملكة من الداخل واجهها الفيصل بالتفاف شعبي كبير.
لم يستسلم الملك فيصل حتى رأى حلمه حقيقة يطوف العالم الإسلامي كله، ومن أجل ذلك قام ببرنامج طويل من الزيارات الرسمية والشعبية للدول العربية والإسلامية لشرح مشروعه الكبير وإقناعهم به، وبدأت أولى رحلاته في أواخر عام 1965م حين زار إيران والكويت، وفي عام 1966 زار كلاً من الأردن والسودان وباكستان وتركيا والمغرب وغينيا ومالي وتونس.
ثم قام برحلة ثانية وطويلة في العام 1972، ولكن هذه المرة للدول الإسلامية الأفريقية وشملت أوغندا وتشاد والسنغال وموريتانيا والنيجر.
في العام 1969 عقدت قمة الرباط إثر حريق المسجد الأقصى، وكان الجو مهيئاً جدّاً بعد سنوات من العمل الشاق الذي بذلته السعودية لإقناع الأمة المختطفة بأهمية إنشاء منظمة إسلامية.
في تلك المرحلة الدقيقة التفت الفيصل نحو المشرق الإسلامي ليختار رئيس وزراء ماليزيا «تونكو عبدالرحمن» رئيساً للمنظمة، لم يكن الاختيار إلاّ إثباتاً بأن حلم الفيصل يبدأ من كولالمبور آخر عاصمة إسلامية في الشرق ولا ينتهي في الدار البيضاء آخر عاصمة في المغرب الإسلامي حيث عقدت القمة.
كان الفيصل يريد أن يجمع الأمة - عرباً وعجماً - ولا تستأثر الدول العربية بالمناصب وأمانة المنظمة، بل أشرك فيها المسلمين من غير العرب، أليست هي الرياض التي ترى العالم الإسلامي بقلب واحد يجمع ولا يفرق..؟
لقد أثبت «تونكو عبدالرحمن» أنه عند الثقة التي منحه إياها الفيصل عندما راهن على مسلم ماليزي ليقود المنظمة المتوحدة، فعمل جاهداً على إكمال البناء، واقترح إنشاء البنك الإسلامي للتنمية الذي تحول سريعاً إلى أكبر ذراع استثمارية تدعم التنمية في العالم الإسلامي برأس مال ثلثه سعودي.
اليوم وبعد خمسين عاماً يأتي مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الحالي لا ليكمل طريق سلفه «تونكو عبدالرحمن» داعماً للعمل الإسلامي، بل ليقوض ما قام به «تونكو» الماليزي، محاولاً هدم العالم الإسلامي من داخله تحت مظلة الإخوان المسلمين وبالتعاون مع عرّاب الخراب وقائد حلف الفجار «أردوغان».
* كاتب سعودي
massaaed@
وجد الفيصل أن أمته تتجاذبها تيارات عاصفة، فتصدى لهذا المشروع، ودفع حياته من أجله، ففي تلك الفترة الحرجة من تاريخ أمته وخصوصاً من العام 1914 عندما بدأت الأمة الإسلامية وداخلها العربية مشاريع الاستقلال والانعتاق من الاستعمار الذي رزحت تحته عقوداً طويلة.
كانت الشعوب العربية والإسلامية تناضل من أجل التحرر وتكافح ضد الاحتلال والاستغلال الذي مارسته الدول الاستعمارية، وكانت البدائل إما الذهاب نحو الشيوعية الماركسية والاشتراكية الشرقية عقيدة واقتصاداً، أو العلمانية والليبرالية الغربية المنفلتة، هذا بالإضافة إلى أن العالم العربي وجد نفسه أسيراً لتيارات البعثية والقومية، ليجيء الفيصل ومن ورائه بلاده السعودية مقدماً للمسلمين خيارهم الأفضل والأقرب «التضامن الإسلامي».
لقد بنى الفيصل مشروعه على أهمية التعاون بين المسلمين، وأنه السبيل الوحيد للتصدي لمشاريع فكرية ليست من هويتهم ولا تمثلهم، داعياً للتخلص من الاستعمار والصهيونية والشيوعية والقومية الشوفينية، جاء طرح الملك فيصل ملبياً لحاجات الشعوب الإسلامية ومتناغماً مع أحلامهما لتقابله هي الأخرى حبّاً بحبٍّ.
لم يكن طريق الفيصل سهلاً، فقد واجه مقاومة شرسة من أعداء التضامن الإسلامي الذين شنوا عليه حروباً دعائية لدرجة أن بعضهم شارك في محاولة زعزعة استقرار المملكة من الداخل واجهها الفيصل بالتفاف شعبي كبير.
لم يستسلم الملك فيصل حتى رأى حلمه حقيقة يطوف العالم الإسلامي كله، ومن أجل ذلك قام ببرنامج طويل من الزيارات الرسمية والشعبية للدول العربية والإسلامية لشرح مشروعه الكبير وإقناعهم به، وبدأت أولى رحلاته في أواخر عام 1965م حين زار إيران والكويت، وفي عام 1966 زار كلاً من الأردن والسودان وباكستان وتركيا والمغرب وغينيا ومالي وتونس.
ثم قام برحلة ثانية وطويلة في العام 1972، ولكن هذه المرة للدول الإسلامية الأفريقية وشملت أوغندا وتشاد والسنغال وموريتانيا والنيجر.
في العام 1969 عقدت قمة الرباط إثر حريق المسجد الأقصى، وكان الجو مهيئاً جدّاً بعد سنوات من العمل الشاق الذي بذلته السعودية لإقناع الأمة المختطفة بأهمية إنشاء منظمة إسلامية.
في تلك المرحلة الدقيقة التفت الفيصل نحو المشرق الإسلامي ليختار رئيس وزراء ماليزيا «تونكو عبدالرحمن» رئيساً للمنظمة، لم يكن الاختيار إلاّ إثباتاً بأن حلم الفيصل يبدأ من كولالمبور آخر عاصمة إسلامية في الشرق ولا ينتهي في الدار البيضاء آخر عاصمة في المغرب الإسلامي حيث عقدت القمة.
كان الفيصل يريد أن يجمع الأمة - عرباً وعجماً - ولا تستأثر الدول العربية بالمناصب وأمانة المنظمة، بل أشرك فيها المسلمين من غير العرب، أليست هي الرياض التي ترى العالم الإسلامي بقلب واحد يجمع ولا يفرق..؟
لقد أثبت «تونكو عبدالرحمن» أنه عند الثقة التي منحه إياها الفيصل عندما راهن على مسلم ماليزي ليقود المنظمة المتوحدة، فعمل جاهداً على إكمال البناء، واقترح إنشاء البنك الإسلامي للتنمية الذي تحول سريعاً إلى أكبر ذراع استثمارية تدعم التنمية في العالم الإسلامي برأس مال ثلثه سعودي.
اليوم وبعد خمسين عاماً يأتي مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الحالي لا ليكمل طريق سلفه «تونكو عبدالرحمن» داعماً للعمل الإسلامي، بل ليقوض ما قام به «تونكو» الماليزي، محاولاً هدم العالم الإسلامي من داخله تحت مظلة الإخوان المسلمين وبالتعاون مع عرّاب الخراب وقائد حلف الفجار «أردوغان».
* كاتب سعودي
massaaed@