يتصدى (حزب الله) ممثلا المحور الإيراني لمسار السلام الإبراهيمي الجاري في المنطقة، ويقدم ذرائع كثيرة، على رأسها شيطنة دول الخليج العربي واعتبارها أداة لتنفيذ مطالب الأمريكيين، أما على المستوى الداخلي اللبناني فيروج عبر منابره الإعلامية إلى أن المسار سيؤدي إلى خنق لبنان اقتصاديا وماليا، لامتصاص غضب الشارع من سياسة (حزب الله) وتوجيه البوصلة نحو الخليج وشغل الرأي العام بموضوع المصالحة وانعكاساتها على لبنان والمنطقة.
تتناسى حملة (حزب الله) العدائية وتتجاهل بأن السلام هو خيار تتخذه كل دولة ضمن خطتها السيادية، لاختيار علاقاتها وشراكاتها بما يخدم مصالحها الوطنية، وقد ارتأت دول الخليج العربي وغيرها أن هذه المصلحة تتمثل في إرساء السلام في المنطقة، وإنهاء حالة النزاع الممتد من دون جدوى، والذي لم يسبب لشعوب المنطقة سوى الموت والخراب والفتن والدمار.
توقيع اتفاقية السلام الإبراهيمي يحقق المصالح العربية ويحفظ الاستقرار في المنطقة، إن توقيع اتفاقية السلام الإبراهيمي التي يريد أعداء السلام تخوينها، يأتي في إطار اعتبارات سياسية وأمنية للحفاظ على الاستقرار والازدهار، على رأس جدول الأولويات في دول الخليج العربي التي استنزفت مواردها طوال عقود على صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، وقد تكونت القناعة الوطنية وحان الوقت الذي تنظر فيه هذه الدول إلى مصالحها الوطنية ضمن المصالح العربية عموما، والتي تجد فيها تحقيق الأمن والسلام، ولاشك في أن دول الخليج منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بذلت الغالي والنفيس لإيجاد الحلول المناسبة ووضع حد لصراع أرهق المنطقة واستنزفها، بل بات واضحا أن هناك من أراد أن يستمر هذا الصراع ليستثمر فيه لتنفيذ أجندته التخريبية.
لبنان ودول الخليج علاقات تاريخية قوية، إن العلاقات اللبنانية الخليجية كانت من أهم العلاقات وأفضلها، ولطالما كانت دول الخليج الممول الرئيسي للبنان ولنهضته وازدهار اقتصاده ورخاء شعبه وأريحيته، دون مقابل، إنما انطلاقا من حب العرب للبنان وأهله. إن دول الخليج لم تستهدف لبنان بأي عقوبات أو إجراءات، بل على العكس، فقد منحت المسؤولين في لبنان عدة فرص لتصحيح الأوضاع، وكانت دائما تشارك في مؤتمرات دعم لبنان وخصوصا في باريس، رغم معرفتها بوجود (حزب الله) ونفوذه، وعندما تيقنت من عدم جدوى النصائح والفرص، اتخذت دول الخليج قرارها بإقفال الباب الذي تهب منه رياح إيران و(حزب الله) عليها.
إن (حزب الله) وحلفاءه هم من خطفوا لبنان وحولوه إلى منصة تستهدف أمن واستقرار دول الخليج العربي سياسيا وأمنيا واجتماعيا، ومحاولة اختراقه بالمخدرات وسائر النشاطات المشبوهة، وقد حول (حزب الله) لبنان إلى قاعدة انطلاق لكل المنظمات الإرهابية لتخريب الأمن القومي العربي.
سياسة حزب الله وإيران العدائية مع دول الخليج كشفت العدو من الصديق، يقول المثل «مرغم أخاك لا بطل»، وهذا ينطبق على دول الخليج التي وضعتها إيران ومحورها الذي يضم (حزب الله) وغيره في دائرة الاستهداف والتصويب، وجعلت منها طهران عدوا مباشرا دون أي سبب، سوى مخططها لزعزعة الأمن والاستقرار والازدهار، ولمد نفوذها الاستعماري إلى هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وهكذا حصلت اتفاقيات السلام الإبراهيمي بين دول الخليج وإسرائيل بما فيه مصلحة الجميع، ومن أجل استقرار المنطقة ككل.
صحيح أن المتضرر الأكبر من التطبيع هو لبنان ولكن هذا الضرر لم يقع بسبب التطبيع أو بعد حصوله، إنما كان موجودا قبل ذلك بسنوات، لأن (حزب الله) هو الذي استولى على مقدرات الدولة اللبنانية، وهو الذي منع عليها طلب المساعدة من أشقائه وأصدقائه، وهو الذي حول لبنان إلى منصة لما يسمى «الاقتصاد المقاوم» الممتد من لبنان إلى فنزويلا عبر سورية والعراق وإيران وهو الذي جعل المالية العامة تنهار في لبنان بسبب العزلة التي فرضها المجتمع الدولي على القطاع المصرفي اللبناني.
إن التطبيع العربي مع إسرائيل سيحرم لبنان بلا شك من مصادر دخله الوطني، فالتجارة المتوقفة معه لن تعود، والسياحة ستتركز في دول الجوار الأخرى وكذا الزراعة، وسيكون من الصعب على دول الخليج أن تستقبل العمالة اللبنانية، خصوصا العمالة المتعلمة وذات الاختصاصات العلمية الرفيعة، وكل هذا سيؤدي إلى انهيار قطاعات كاملة في لبنان: القطاع التجاري والصناعي والزراعي والسياحي والمصرفي.
إعادة العلاقات الطيبة مع الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها كفيل بإنعاش اقتصاد لبنان، إن الاقتصاد اللبناني منهار منذ سنوات، وسيتفاقم هذا الانهيار أكثر، والأخطر من ذلك أن لبنان خسر أي فرصة أو أمل بالمستقبل لإعادة النهوض، لأن هذا النهوض يحتاج بالدرجة الأولى إلى تمويل عربي لن يتوفر إلا إذا انتهت سيطرة (حزب الله) على البلد، وعاد لبنان على طبيعته الرافضة لاستهداف أي دولة عربية، وعدم جعل أراضيه منصة لمحاربتها. إن الحل بأيدي اللبنانيين وهم يعرفون ذلك، ولا يحملون دول الخليج العربي أو غيرها مسؤولية ما أصابهم، فـ(حزب الله) الموالي للنظام الإيراني هو المشكلة والمعضلة، ولن يعود لبنان إلى حضنه العربي، وإلى استقراره وازدهاره وانتعاشه إلا بالانخراط في عملية السلام الإبراهيمي في المنطقة.
*أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان