يقفن خارج أسوار المقبرة يتطاولن بأرجلهن الصغيرة، يتطلعن إلى الداخل بشغف وقلق وحيرة، يتمايلن بجذوعهن وكأن ريحا تحركهن، يلملمن بقايا حجابهن على رؤوسهن وأعينهن تدور بين الشقوق لعلها تقع على قبور أحبابهن، نظرة تشفي غليلهن وتسقي عطش الشوق في قلوبهن، ينظر إليهن حارس المقبرة بعيون يمتزج فيها الألم مع الخوف فليس مسموحا لهن الدخول والوقوف على قبور الأحبة والسلام على أرواحهم التي تكون في أفنية القبور، كما ورد في الصحيحين.
ومن نفس الباب يدلف الرجال إلى الداخل يسلمون ويترحمون ويتحدثون مع أحباب لهم تحت التراب، يسكن شوق نفوسهم ويهدأ الحنين في قلوبهم في تفرقة لا يقرها شرع الله ورسوله.
إن منع المرأة من دخول المقابر لم يرد فيه نص شرعي محدد، بل إن مجريات الأحداث ودلائل التاريخ تؤكد لنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أقر دخول المرأة المقابر، فبعد معركة أحد أمر بإحضار جميع القتلى وصلى عليهم ودفنوا اثنين وثلاثة في قبر واحد، وقال لهند التي كانت حاضرة بعد أن تم دفن زوجها عمرو بن الجموح مع عبدالله بن عمرو بن حرام في قبر واحد، إنهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين، وإنهما يا هند قد ترافقا في الجنة، فقالت ادع لي الله عسى أن يجعلني معهما.
ولما فرغ من دفن أصحابه دعا بفرسه فركبها وأربع عشرة امرأة كانت حاضرة معه. وعندما أقبلت صفية بنت عبدالمطلب قال الرسول لابنها الزبير ارجعها حتى لا ترى ما حل بجسد أخيها حمزة فرفضت وقالت لاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فقال الرسول خل سبيلها فصلت عليه وشاركت في دفنه، وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قامت صفية فصلت على عبدالله بن جحش ابن أختها أميمة وانضمت لهما فاطمة وبكت المرأتان على قتيليهما ثم أقبلت حمنة بنت جحش لتشهد دفن أخيها وعمها.
وعندما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام من معركة بدر منتصراً عمد إلى زيارة قبر ابنته (رقية) وأخذ ابنته (فاطمة) معه وكان الحزن يعصرها ودموعها تنهمر وهي تجلس على شفير قبر أختها بجوار والدها المصطفى وهو يواسيها ويمسح دموعها بطرف ثوبه الشريف ويعلو صوت عمر غضباً على النساء الباكيات وهن يشهدن دفن شهداء بدر، فيقول له نبي الرحمة (دعهن يا عمر يبكين) وعن أنس بن مالك، أن رسول الله مر بامرأة عند قبر لابنها وهي تبكي فقال (اتقي الله واصبري) فوعظها بالصبر، ولم ينكر عليها زيارة القبر ولو كان ممنوعاً على النساء زيارة القبور لبينها رسول الله عليه الصلاة والسلام في وقتها (فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).
وقد أفرد البخاري في فتح الباري شرح العسقلاني باب (اتباع النساء الجنائز) ورد فيه عن أم عطية أنها قالت (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات. كما زارت السيدة (عائشة) قبر أخيها عبدالرحمن فقيل لها أليس نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن زيارة القبور؟ فقالت نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها بقوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفاراً لهم)، ويقول ابن تيمية في الفتاوى (إن هذا خطاب عام موجه للنساء والرجال على السواء) فنصوص الوحيين خاطبت المرأة والرجل دون تفرقة، فالنساء يدخلن في المخاطبة والأحكام والتكاليف مثلهن مثل الرجال تماماً، وهن يدخلن بذلك في عموم الإذن الذي ورد في حديث رسول الله.
فلماذا تحرم المرأة من زيارة قبر من فقدت؟ فليس لهذا المنع أساس ولا يجوز لكائن من كان أن يحرم من تلقاء نفسه أو يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وهذا المنع اليوم فيه تعدٍّ على حقوق المرأة المكفولة لها من الشرع والدولة، فزيارة القبور فيها توجيه نبوي بأنها ضرورية في مسيرة الإنسان الحياتية فهي تذكره بالآخرة وترقق قلبه وتدمع عينه ويوصي نبي الأمة المسلم (أنثى أو ذكرا) بضبط النفس فلا يقول المسلم هجراً أي كلاماً فاحشاً دون نياحة أو شق للثياب وضرب للخدود، معلماً عائشة ما تقوله عند الزيارة فكيف يعلمها شيئا محرما؟
أما الحديث الذي يردده البعض أن رسول الله لعن زائرات القبور، فهذا اللعن للمكثرات من الزيارة لما فيه من الحرج والعنت.
انتهى ذلك الزمن المر (زمن الغفوة) الذي كانت أحكامه تصدر عن هوى نفس تحمل الظلم والإجحاف للمرأة لا تقوم على دليل ولا تستند إلى نص. دعوها تزر من تحب تطفئ شوقاً يستعر في قلبها إلى حبيب لها تحت الثرى ولا تحرموا ما أحل الله إلا بدليل قوي.
ومن نفس الباب يدلف الرجال إلى الداخل يسلمون ويترحمون ويتحدثون مع أحباب لهم تحت التراب، يسكن شوق نفوسهم ويهدأ الحنين في قلوبهم في تفرقة لا يقرها شرع الله ورسوله.
إن منع المرأة من دخول المقابر لم يرد فيه نص شرعي محدد، بل إن مجريات الأحداث ودلائل التاريخ تؤكد لنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أقر دخول المرأة المقابر، فبعد معركة أحد أمر بإحضار جميع القتلى وصلى عليهم ودفنوا اثنين وثلاثة في قبر واحد، وقال لهند التي كانت حاضرة بعد أن تم دفن زوجها عمرو بن الجموح مع عبدالله بن عمرو بن حرام في قبر واحد، إنهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين، وإنهما يا هند قد ترافقا في الجنة، فقالت ادع لي الله عسى أن يجعلني معهما.
ولما فرغ من دفن أصحابه دعا بفرسه فركبها وأربع عشرة امرأة كانت حاضرة معه. وعندما أقبلت صفية بنت عبدالمطلب قال الرسول لابنها الزبير ارجعها حتى لا ترى ما حل بجسد أخيها حمزة فرفضت وقالت لاحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فقال الرسول خل سبيلها فصلت عليه وشاركت في دفنه، وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قامت صفية فصلت على عبدالله بن جحش ابن أختها أميمة وانضمت لهما فاطمة وبكت المرأتان على قتيليهما ثم أقبلت حمنة بنت جحش لتشهد دفن أخيها وعمها.
وعندما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام من معركة بدر منتصراً عمد إلى زيارة قبر ابنته (رقية) وأخذ ابنته (فاطمة) معه وكان الحزن يعصرها ودموعها تنهمر وهي تجلس على شفير قبر أختها بجوار والدها المصطفى وهو يواسيها ويمسح دموعها بطرف ثوبه الشريف ويعلو صوت عمر غضباً على النساء الباكيات وهن يشهدن دفن شهداء بدر، فيقول له نبي الرحمة (دعهن يا عمر يبكين) وعن أنس بن مالك، أن رسول الله مر بامرأة عند قبر لابنها وهي تبكي فقال (اتقي الله واصبري) فوعظها بالصبر، ولم ينكر عليها زيارة القبر ولو كان ممنوعاً على النساء زيارة القبور لبينها رسول الله عليه الصلاة والسلام في وقتها (فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة).
وقد أفرد البخاري في فتح الباري شرح العسقلاني باب (اتباع النساء الجنائز) ورد فيه عن أم عطية أنها قالت (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات. كما زارت السيدة (عائشة) قبر أخيها عبدالرحمن فقيل لها أليس نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن زيارة القبور؟ فقالت نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها بقوله (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفاراً لهم)، ويقول ابن تيمية في الفتاوى (إن هذا خطاب عام موجه للنساء والرجال على السواء) فنصوص الوحيين خاطبت المرأة والرجل دون تفرقة، فالنساء يدخلن في المخاطبة والأحكام والتكاليف مثلهن مثل الرجال تماماً، وهن يدخلن بذلك في عموم الإذن الذي ورد في حديث رسول الله.
فلماذا تحرم المرأة من زيارة قبر من فقدت؟ فليس لهذا المنع أساس ولا يجوز لكائن من كان أن يحرم من تلقاء نفسه أو يشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وهذا المنع اليوم فيه تعدٍّ على حقوق المرأة المكفولة لها من الشرع والدولة، فزيارة القبور فيها توجيه نبوي بأنها ضرورية في مسيرة الإنسان الحياتية فهي تذكره بالآخرة وترقق قلبه وتدمع عينه ويوصي نبي الأمة المسلم (أنثى أو ذكرا) بضبط النفس فلا يقول المسلم هجراً أي كلاماً فاحشاً دون نياحة أو شق للثياب وضرب للخدود، معلماً عائشة ما تقوله عند الزيارة فكيف يعلمها شيئا محرما؟
أما الحديث الذي يردده البعض أن رسول الله لعن زائرات القبور، فهذا اللعن للمكثرات من الزيارة لما فيه من الحرج والعنت.
انتهى ذلك الزمن المر (زمن الغفوة) الذي كانت أحكامه تصدر عن هوى نفس تحمل الظلم والإجحاف للمرأة لا تقوم على دليل ولا تستند إلى نص. دعوها تزر من تحب تطفئ شوقاً يستعر في قلبها إلى حبيب لها تحت الثرى ولا تحرموا ما أحل الله إلا بدليل قوي.