-A +A
بشرى فيصل السباعي
تجدد مع زلزال سوريا وتركيا الجدل الأزلي حول هل هناك غاية معنوية وحكمة دينية من وقوع الكوارث خصوصاً أنها أصابت أكثر فئة منكوبة مسبقاً بالعالم وهم اللاجئون السوريون المهجرون بفعل الحرب وأماكن تواجدهم، تتسم بالحياة الريفية البسيطة التي ليس فيها إلا العمل والعبادة ورعاية الأسرة، بينما مناطق العالم التي تنتشر فيها الشذوذ والقمار والإلحاد لم تصبها كارثة، ويمكن إعطاء جواب حاسم على هذا الجدل أن تبنى الإنسان منظوراً شمولياً موضوعياً معمقاً ولم يصر على التفسير أحادي البعد، فالقرآن ذكر وقوع الكوارث الطبيعية كنوع من العقوبات على أقوام أصروا على السوء، لكن هذا لا يعني أنها لا تقع إلا لهذا السبب؛ فالله صمّم العالم والكون كآلة تدير نفسها تلقائياً وفق القوانين التي تحكم انتظامها وكوارثها هي جزء من عمليات وآليات انتظامها التلقائي، ولذا تقع على البر والفاجر لأسباب فيزيائية والاستثناء وقوعها بتدخل إلهي مباشر أشبه بالمعجزة لتكون عقوبة؛ فبقصص القرآن كان وقوع الكوارث كعقوبات مرتبط بوجود أنبياء لتكون العقوبات بالكوارث نوعاً من المعجزات المؤيدة لهم، ووقع زلزال بالمدينة بعهد الخليفة عمر بن الخطاب، ولذا مهما كان صلاح الذين يسكنون فوق منطقة نشاط زلزالي بسبب حركة صفائح قشرة الأرض فستبقى تقع عليهم الزلازل، بالإضافة للزلازل والخسف الناتجة عن التغيرات التي يحدثها البشر بجيولوجيا الأرض عبر التعدين واستخراج النفط وإقامة السدود الكبرى، وكثير من الكوارث الطبيعية الحالية سببها نشاطات الإنسان الصناعية كتلك التي تؤثر على المناخ ويمكن أن تتسبب بحدوث جفاف ومجاعات أو فيضانات وحرائق بالغابات، ويمكن للبشر تجنبها لو أوقفوا النشاطات الصناعية المؤثرة بالمناخ، ويمكن تجنب التعرض لمآسي الزلازل ليس بكثرة العبادة إنما بالإقامة بعيداً عن مناطق النشاط الزلزالي للصفائح التكتونية الأرضية وفرض الحكومة عدم إقامة أي بناء بدون تقنية مقاومة الزلازل التي تجعل أقوى الزلازل باليابان لا ينتج عنها موت أحد ولا سقوط مبنى، وبانعدام ضررها لا يمكن وصفها بالعقوبة، وبكونها قابلة للرصد والتنبؤ قبل وقوعها يعني أن لها أسباباً فيزيائية وليست معنوية، وبالمثل من يعتبر أن لله حكمة بكثرة إصابته بالمصائب لكون جميع أولاده يعانون إعاقات وأمراضاً وراثية تؤدي لإفقاره، بينما يعلم أن هذه نتائج زواج الأقارب ومهما كانت درجة صلاحه لن تتغير قوانين الجينات لأجله وستسري عليه سننها وكان يمكنه تجنبها لو امتنع عن زواج الأقارب، أما وجود غاية وحكمة دينية ودرس أخلاقي من الأحداث التي تقع على الإنسان فهذا يكون بالأحداث الفردية لحياة الفرد من قبيل الجزاء من جنس العمل؛ فالفطرة البشرية أخلاقية ولذا كل ما يحكم حياة البشر من بنى مادية ومعنوية بالعالم يكافأ الأنماط الإيجابية ويعاقب الأنماط السلبية، أما العقاب الإلهي فمؤجل ليوم القيامة (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى). فعدم وقوع الكوارث على قوم لا يعني أنهم صالحون، ووقوعها على قوم لا يعني أنهم سيئون، ومن انعدام الرحمة بدل مواساة الضحايا تقريعهم وتشويه سمعتهم باتهامهم بالسوء واستحقاق الكارثة الطبيعية كعقوبة، بالمقابل قول إن غاية الزلزال رفع الدرجات وتقريب الناس إلى الله بإبادة العائلة وتيتيم الأطفال وخسارة كل شيء وإصابتهم بالإعاقات والتشوهات وتقطيع أطرافهم؛ ينفر الناس عن الله ولا يوافق صفته أنه أرحم الراحمين؛ بالحديث «ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» البخاري. الله يراعي شعور الناس.