-A +A
حمود أبو طالب
أصبح المخيم الشتوي في العلا مقراً لاستقبال زوار المملكة المهمين في مثل هذا الموسم. رأينا سابقاً رؤساء دول وحكومات ووزراء ومبعوثين يُستقبَلون في ذلك المخيم المليء بتفاصيل ثقافة الصحراء وطقوسها وإيحاءاتها وعبقها التأريخي. بالتأكيد توجد في العلا مرافق استضافة رسمية حديثة فخمة، لكن ولي العهد اعتاد في مثل هذا الموسم أن يختار استقبال ضيوفه في المخيم الشتوي، ولذلك دلالات كثيرة ورمزية مهمة ورسالة ثقافية مقصودة.

كانت الخيمة هي الصورة الذهنية لمجتمعنا في الخارج عندما يريد أحد وصمنا بالبداوة اعتقاداً منه بأنها نقيصة أو مثلبة، كون أسلافنا أهل خيام. نعم كانوا أهل خيام عندما كانت ظروفهم قاسية، لكن من تلك الخيام خرجت قرارات وبطولات غيّرت تأريخ بلادنا. في الخيام كان فرسان الدولة السعودية في جميع مراحلها يضعون خططهم لمواجهة أعدائهم والترتيب لمعاركهم والتخطيط لمواجهة المكائد والتفاوض مع الخصوم وكتابة تأريخ الانتصارات السياسية والحربية. وفي مسيرته الشاقة الطويلة لتوحيد بلاده كانت الخيام هي مقرات الفارس الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله، حتى استتب له الأمر فبدأ في تأسيس دولة حديثة تعمها مظاهر الحضارة خلال وقت وجيز، لكن الخيمة بقيت جزءاً أصيلاً من تراثنا وتأريخنا الطويل، لسنا وحدنا بل لكل عربي أصيل عاش في الجزيرة العربية أو غيرها.


مؤخراً شاهدنا صورة في المخيم الشتوي في العلا تجمع ولي العهد بعدد من كبار المسؤولين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وهم رئيس وأعضاء لجنة الاستخبارات عن عدة ولايات، يقتعدون الأرض في طقس جميل يحيط بالعلا التي أطلق عليها خبراء الآثار مسمى «جوهرة الإنسانية»، تعلو قسماتهم الدهشة والإعجاب وهم يتبادلون الأحاديث مع سمو ولي العهد وأعضاء الجانب السعودي في الاجتماع.

خيمة العلا تختلف كثيراً عن خيمة الزمن الماضي. خيام الزمن الماضي كانت خيام مكابدة وظروف صعبة لتأسيس دولة في مواجهة صعاب جمة، لكن خيمة العلا ترمز إلى دولة متوثبة للسباق مع الزمن لتحقيق رؤية كبرى غير مسبوقة، بدأنا نجني ثمارها بسرعة غير متوقعة. خيمة العلا تمثل الآن دولة وصلت أعلى وأعقد مستويات التقنية وأسباب الحداثة، لكنها تعتز بماضيها وإرثها وتراثها وأصالتها. دولة ترنو إليها دول العالم باحترام وتقدير ومهابة لأنها امتلكت الكثير من أسباب المنعة والقوة والاستقرار والتأثير، وتلعب دوراً جوهرياً في الحفاظ على السلم والسلام العالميين، وتمتلك اقتصاداً قوياً يؤهلها لقيادة أحد أهم مشاريع التنمية والتطوير في العالم.

نعم.. نحن أصحاب الخيمة الذين أصبحوا في مقدمة الدول التي تدير العالم، فأهلاً بكم في خيمتنا.