-A +A
د. عائشة صالح الفيحان
الاهتمام بالثقافة وتغذية الوعي المعرفي لدى الشعوب والأجيال النامية منها على وجه الخصوص يعني التأسيس لمجتمع مختلف يستطيع الاندماج مع العالم، بل واللحاق به إن لم يكن تجاوزه ومغايرته بشكل خلاق، وذلك لن يتأتى إلا بالإيمان بأن الثقافة والتعليم ليسا رفاهية للشعوب إنما هما الخطوة الأولى في المسار الصحيح.

واللحاق بالعالم وتجاوزه لن يتأتى من تغذية جناح الثقافة دون جناح التعليم، فهما كل متكامل، بهما يكون التحليق واستشراف الكون، ومعرفة أسراره، وإلا فلا جدوى من أي منهما، إذ لا بد من تفعيل التوأمة بينهما، كما أن التوأمة الحاصلة بين الثقافة والتعليم بهذا الزخم وهذا المستوى العالي من الاهتمام في شريحة من أبناء المجتمع المهتمين بالفنون والثقافة ومنح الوزارة لهم فرصة الابتعاث من شأنه أن يخرج جيلاً مثقفاً محباً للحياة منسجماً مع المكونات البشرية الأخرى، إن المجتمع، وجيل النشء تحديداً، بحاجة إلى تنمية هذا الشعور حتى يصبح ملكه وجزءاً من مكون شخصيته.


وتعتبر الثقافة بمفهومها الجاد نتيجة للتعليم المتنور إحدى الركائز الأولى في تطوير المجتمع وازدهاره الحضاري، فهما متلازمان، ولن تستطيع أي أمة التقدم دونهما، وحتى تضع نفسها على خارطة التطور البشري لا بد لها منهما معاً، فإذا كان التعليم زرع للمعرفة فإن الثقافة ثمرة هذا الزرع، كما أن الثقافة هي أحد الأركان المهمة والأساسية في البناء العام للإنسان أولاً، وتحقيقاً للذات الإنسانية ثانياً. وهي كما يصفها ت. س. إليوت «ما يجعل الحياة جديرة بالعيش».

والثقافة ليست نصراً وحيداً، إنها كل معرفي وجمالي وفني متكامل، ولقد كانت الحضارات الإسلامية تعنى بالفنون؛ لأن الفن جزء من كينونة الإنسان، وعنصر معبر عن سعادته، لكن الجفوة التي حصلت على هذا الصعيد إنما هي نتيجة لجمود مس كيان العلاقة بين التعليم والثقافة، وغياب فاعلية الثقافة من المشهد اليومي، وحصر التعليم في اكتساب معلومات أولية جامدة، ومعارف خالية من الجمال والإبداع، وحصرت قدرة المتعلم في الانتقال من صف دراسي إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى، وكانت النتيجة محصورة على تخريج أجيال تمتلك كل شيء ما عدا الإبداع والاندماج مع العالم بأطيافه المتعددة.

إن شريحة المتعلمين الآن تختلف عن السابق في طريقة تفكيرها وفي ومهاراتها وطبيعة شخصيتها نتيجة للفجوة المشار إليها.