من نافلة القول أن نقول إن الحجامة لها أصل في شريعة الإسلام، فهذا مما بلغ علمه طلاب العلم فضلا عن علمائها، خصوصا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصها بأحاديث كثيرة، ومن باب الذكرى التي تنفع المؤمنين -جعلني الله ومن يقرأ هذا المقال منهم- سأذكر ثلاثة أحاديث مما حسنها علماء الحديث بعد تدقيق أسانيدها.
الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمثل ما تداويتم به الحجامة».
الحديث الثاني: «من أراد الحجامة فليتحرى يوم سبعة عشر أو تسعة عشر أو واحد وعشرون».
الحديث الثالث: قال صلى الله عليه وسلم: «ما مررت ليلة اسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي مر أمتك يا محمد بالحجامة».
هذا فيما يتعلق بالجانب الشرعي لهذا الموضوع.
أما الجوانب العلمية التي تثبت أن الحجامة وسيلة من وسائل الطب فهي ملخصة فيما يلي:
1- الحجامة وسيلة علاجية ووقائية تواتر عملها قبل ميلاد المسيح عليه السلام بـ2000 سنة، فقد كانت ضمن أدبيات الطب الصيني والطب اليوناني التي نصح بها كبار الحكماء الذين لهم فضل كبير في مسيرة الطب حتى وقتنا الحاضر.
2- الحجامة كانت ضمن طب الحضارة الإسلامية التي خصها ابن سينا وابن النفيس والرازي في مراجعهم وكتبهم، والذين اعترف بعلمهم اليهود والنصارى وأهل الأرض وجعلوا كتبهم ضمن المراجع التي يعتد بها بل وترجموها إلى لغاتهم.
3- للحجامة نوعان: وقائية، وعلاجية، أما الوقائية فمعروفة وثابتة علميا، أما التبرع بالدم للمتبرع وهو أن يتم التبرع بالدم الوريدي النقي، وهذا ندعو إليه، وبنوك الدم في حاجة إليه ولكنه مختلف تماما عن دم الحجامة، ولا يصح أن أضرب الحجامة بالتبرع بالدم وأوقع بين وسيلتين مهمتين، وكل منهما له دراساته الخاصة، فدم الحجامة هو الدم المجتمع في الأنسجة، أما دم التبرع بالدم فهو الدم الوريدي الذي سماه الحكماء قديما بـ«الفصد»، وهو مختلف تماما عن الحجامة.
وإضافة إلى ذلك، ثبت علميا من خلال بحوث أجريت أن الحجامة تنشط الدورة الدموية، بل تزيد في مناعة الجسم، ولهذه الأسباب وغيرها يحرص كثير من الناس على عمل الحجامة الوقائية، وهذا في رأيي المتواضع حرية شخصية مبنية على نصوص شرعية فهمها علماء الإسلام وحكماء الحضارة الإسلامية، فلا يحق لأحد تجريم من يفعلها ومحاربته، خصوصا أن أثرها في رفع المناعة ثابت علميا، ومراكز الحجامة المعتمدة نظاميا آمنة، فلا يجوز الاعتداء عليها باللمز والهمز، وإن وجدت ملاحظات فالقنوات مفتوحة لدى وزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء.
أما الحجامة العلاجية، فهنا موضع الخلاف الذي حصل فيه كثير من الخلاف والشد بين مؤيد متعصب دون برهان طبي، وبين جاف قد جعل في أذنيه وقرا من أن ينصاع للدليل والبرهان الطبي، وسأعرض على سبيل المثال لا الحصر:
• رسالة الماجستير بكلية الطب - جامعة القاهرة بعنوان «تأثير العلاج بكؤوس الهواء مع الإدماء على كل من مستقبلات إنترلوكين والخلايا الطبيعية القاتلة في مرضى الروماتويد»، والنتيجة تفوق الحجامة تفوقا ملحوظا على العلاج الدوائي بمفرده، وشمل جميع المؤشرات الإكلينيكية والمعملية لنشاط المرض.
• بحث بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بعنوان «دراسة البيولوجيا الجزيئية للحجامة في مرضى الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن (سي)» والنتيجة زيادة استجابة ونشاط الجهاز المناعي، ونقص تكاثر الفايروس في دم المرضى عند العلاج المتكرر بالحجامة.
إن معاناة المرضى الجسدية والمادية والنفسية تجعلنا جميعا نقف في صف المريض لتخفيف هذه الآلام وحيثما وجدت الفائدة والحكمة فنحن والمريض أولى بها، أما أن نقف موقف المشكك والمتعنت ثم نحول بسبب الهمز واللمز بين المرضى وتخفيف معاناتهم بوسيلة ذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وذكرها ملائكة السماء وذكرها حكماء الأرض وذكرها الطب الحديث فأرى أن يراجع المعترضون على الحجامة منظمة الغذاء والدواء الأمريكية التي أعطت الموافقة على استخدام دودة العلق LEECHES كوسيلة علاجية، وهي تقوم بدور الحجامة ولكن بهذه الدودة (hirudotherapy) ومع هذا لم يعترض أحداً من أوروبا أو أمريكا على دودة العلق (Hirudo medicinalis) التي لم نجد أحدا قارنها بالتبرع بالدم، ويتم إنتاجها في فرنسا ضمن مزارع مخصصة لذلك.
أما في بلادنا -ولله الحمد- فأدوات الحجامة مسجلة لدى هيئة الغذاء والدواء التي تحمل الأمان والفاعلية، وهذه الأدوات آمنة ومن الوسائل المتاحة حاليا والتي لا تستخدم إلا مرة واحدة وبكل الاحتياطات الوقائية ومكافحة العدوى، وتحت نظر وإشراف وزارة الصحة ممثلة في المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، والتي نظرت للحجامة تنظيرا احترافياً وكان لي شرف أن كنت ضمن فريق المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في وضع الإجراءات والإرشادات لهذه الوسيلة التي تعتبر إضافة للخدمات المميزة في بلادنا.
* استشاري طب المجتمع والطب الوقائي، أستاذ مساعد بكلية الطب في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز الصحية، وأخصائي العلاج المعرفي السلوكي