-A +A
عبدالله رمضان العمري
لم أسترع يوماً انتباهاً لجملة «كلب صديق خير من صديق كلب»؛ ربما لعدم اقتناع أو تجاهل أو لم تكن رائقة لدي.. قبل أيام صادفتني الجملة في إحدى مقرؤاتي.. لفتت نظري.. تأملتها.. سألت أستاذاً جامعياً أكاديمياً مرموقاً في تخصص اللغة العربية والشعر العربي الفصيح، ففاجأني برده، إذ وصفها بـ«المعبرة الشقية»، وجال بها على طلبته تبياناً لها.

ليس هذا ما كنت أريده من هذه المقالة العجالية؛ إذ أردت القول إن مما يمر به الإنسان في حياته «الصداقة»، واحدة من تلك الصداقة نظيفة تبادلية المنافع ومستمرة سواء وجدت المصلحة أم لم توجد، وتسمى اصطلاحاً «المصالح المرسلة»، أي المنفعة المطلقة وزناً ومعنى، وعرفها الآمدى بقوله: هي مصلحة لم يشهد الشرع لها لا باعتبار ولا بإلغاء، ولذلك سميت مرسلة.


أما الصداقة الأخرى المنبوذة فهي التي تسير بحجم تبادل المصالح ثم تنتهي صلاحيتها بانقضاء موسم المصالح، وهؤلاء يعيشون في دوائر ضيقه، وعلاقات مأزومة ومزكومة، يرون الحياة بمنظار مختلف، ينتهون بالاستدارة إلى الخلف ثم الهروب البعيد جداً وتناسي كل شيء وكأنك لم تكن ذات يوم الصديق والقريب والحبيب والملاذ الآمن.

نرتكب أحياناً أخطاء بحق أنفسنا في سبيل المحافظة على الحد الأدنى من الصداقة في وقت باعها الآخرون بثمن بخس.. نحاول أن نكسر حاجز الألم الذي خلّفته بعض المواقف السلبية من الأصدقاء بتكثيف التواصل معهم حتى لا يكبر الجرح، وأحياناً بالتغافل، مثل ما قيل في المثل الشعبي «ما دام تمشي مشّها».

بعض الأصدقاء مثل الغيم والغيث والعطر، والبعض لا يختلفون عن اللّغز الذي لا تزيده التفاصيل إلا غموضاً، العنوان الدائم للصداقة هو «الوفاء»، وما أصعب افتقاد هذا الوفاء على الوطن والتنكّر لأفضاله.. وما أقسى على قلب وفيّ ضحّى بما لديه لأجل الصداقة دون كلمة وفاء.. يا ليت من تنكّر لوطنه يعلم كم كان عاقّاً.. يا ليت الصديق النّفعي يعلم كم هو الصديق النظيف وفيّ ونبيل في عيون وقلوب الجميع.