-A +A
وائل بن عبد العزيز كاتب وروائي wailabdulaziz.com
لا فرق بينهم في الرواح من النهار ولا في الزلفة من الليل، فأهل المُدن يُزينون مداخل منازلهم بالفوانيس، وأهل البادية يهللون بالتراحيب فرحة بدخول الشهر الكريم، فنجد كل الأنام في سعادة تامة لا يعلمون سبب هذه الفرحة رغم ما فيه من جوع وعطش، ولبعض الأُناس حرمان من الملذات والشهوات.

نعم.. هو شهر القرآن الذي يزورنا مرة في العام، معلماً يراجع لنا، ويذكرنا بمكارم الأخلاق، ويزرع لنا من جديد الحلم والصبر، ويعلمنا فضل الصدقة، ويزيد الشوق داخلنا لقيام الليل.


شهر القرآن لا يفتأ يكرر علينا كتاب الله الذي كلما قرأناه أو نظرنا في فحواه نجد من القصص التي قد تمنعنا من الوقوع في الخطأ، حتى ثالوث الجشع يتسرب من الأنفس في هذا الشهر الفضيل، فتتجرد روحنا من أهوائنا، فحب المال يصدح بالصدقات، والشهوة تُهاجر عند سماع القرآن، والغنيمة تكون في صلاة القيام.

من قصصي الحزينة، دُعيت إلى وليمة من أحد الأصدقاء بمناسبة تقلده منصبا جديدا، وبعد تناول وجبة السحور استأذن أحد الحضور بالانصراف وقال مداعباً أو جاداً، لا أعلم أيهما الأصح، بأنه يريد اللحاق لمشاهدة المسلسلات قبل النوم! وفي تلك اللحظة اختلجت لدي المشاعر بين النكران والذهول والتعجب، تذكرت حينها الماضي كيف كانت المفاخرة فقط على ما قدمنا من فعل الخيرات وعلى المسابقة في قراءة القرآن، وكان السؤال اليومي الذي يطرح: كم جزءاً أنهينا من قراءة القرآن!

واليوم وبعد ربع قرن أجد المنافسة فقط على عدد المشاهدات من برامج ومسلسلات، فيأتي بعدها سائل ويقول: لمَ أر في الوجوه عبوسا؟ ولمَ حالنا في قتر؟

سيدي وسيدتي، نعم هذا الشهر رائع وجميل ويزودنا بطاقة إيجابية لا حدود لها، ولكن السؤال المهم والأهم: ماذا غرسنا في رمضان لكي نحصده في حال أزف الرحيل؟

في هذا الشهر غاب أخي عن سُفْرتنا، وغابت جَدَة أبنائي لأمهم عن حضور درس القرآن للتدريس.. أسأل الله لهما الرحمة.