يمكن إرجاع جذور نظرية التمكين إلى أفكار مدرسة العلاقات الإنسانية التي برزت إلى الوجود، نتيجة إهمال الجانب الإنساني في معادلات العمل التي تبنتها مدرسة الإدارة العلمية، حيث إن نظرية تمكين القيادات عن طريق تفويض المزيد من السلطة التنفيذية لهم وإشراكهم في صنع قرارات العمل، إنما هي مرحلة من أفكار المدرسـة الإنسانيـة فيمـا عـرف بمشاركـة العامليـن.
فالتمكين لدى القيادات هو شعور، والتزام وظيفي ناتج عن إحساس القائد بالقدرة على اتخاذ القرارات، وحمل المسؤولية، وأن يُنظر إليه على أنه شخص مفكر، ويُسهم في الأداء والتطوير، وليس عمله مجرد أداء روتيني لتنفيذ ما يُؤمر به.
هناك علاقة موجبة قوية بين التمكين لبناء الثقة بنفوس القيادات والعاملين في المنظمات وبين الرضا الوظيفي، وجودة القرارات، والانتماء للمنظمة، ووضوح دور المسؤولية الوظيفية، ووضوح دور الأداء الإنتاجي، وتصميم الوظائف، ووسائـل الرقابة، والعلاقات بين الوحدات الإدارية، والإبداع. كما وُجد أن تدني فاعلية المنظمة له علاقة بضعف التمكين الذي يولد ضعف الثقة بين العاملين والإدارة.
ولقد أصبح مفهوم التمكين الإداري من المفاهيم التي صاحبت تطور الفكر الإداري في المنظمات الحديثة، من خلال منح القيادات السلطة اللازمة، وتوثيق العلاقة بينهم وبين المنظمة في كل المستويات الإدارية بما يحفزهم على تقديم أفكارهم، وتنمية مساهماتهم الابتكارية لخدمة منظماتهم، ولهذا سعت العديد من المنظمات الى المناداة بالتمكين الإداري وتقوية مركز القادة، والعاملين بغية إتاحة الفرصة لديهم للإبداع، والابتكار، وزيادة الإنتاجية، وذلك باعتبارهم جزء أساسياً من النظام الإداري بالمنظمة.
«التمكين الإداري له أثر فعال على العمل، حيث يهتم بشكل رئيس بإقامة، وتكوين الثقة بين القادة، والعاملين وتحفيزهم، ومشاركتهم في اتخاذ القرار، وكسر الحدود الإدارية، والتنظيمية الداخلية بين الإدارة والعاملين، أو كما يطلق عليه في أدبيات الإدارة «هم» مقابل «نحن»، فالشركات والمؤسسات الرائدة تدرك أن الاهتمام بتمكين العنصر البشرى هو السبيل للمنافسة، وتحقيق التميز».
«دور التمكين يكمن في زيادة قدرة القادة، والعاملين على حل المشكلات، لأنه يمنحهم قوة التصرف واتخاذ القرارات، والمشاركة الفعلية في إدارة المنظمات التي يعملون بها، وحل مشكلاتها، والتفكير الإبداعي، وتحمل المسؤولية والرقابة».
الآن الأزمات أصبحت سمة أساسية للمنظمات المعاصرة في الألفية الثالثة، وأصبح كل تنظيم لا ينجو من تأثير الأزمات، وبالتالي زاد الاهتمام بعناصر التنظيم الإداري، والتخطيط الإستراتيجي كأسلوب في مواجهة الأزمات والتكيف مع التغيرات المفاجئة وغير القابلة للتوقع المسبق، فالاهتمام بالتطوير الإداري وأدواته لمواجهة الأزمات يعني أن المنظمات تستخدم وسيلة لاكتشاف فرصها المستقبلية، وتجنب المخاطر، والأزمات على مستوى المنظمة.
وعليه، فإن تعرض المنظمات للأزمات، وإمكانية حدوثها في أي وقت ترجح الحاجة إلى وجود مستوى من التمكين الإداري للقيادات والعاملين في أجهزة الدولة في المملكة العربية السعودية، بغية تحسيـن الإنتاجية والأداء فـي القطاع الحكومي، وتحسين القدرة على مواجهة الأزمات الطارئة.
أوقن تماماً بأن الأزمات على الرغم من أنها تحمل في طياتها تهديداً مباشراً للمنظمة، ولكنها في نفس الوقت تحمل في طياتها فرصاً ثمينة لاكتشاف المنظمة لذاتها، وإطلاق القدرات الإبداعية والابتكارية الكامنة فيها، فالأزمة ليست كلها جوانب سلبية، إذ لها جوانب أخرى إيجابية.
وبالتالي تتضح الجوانب الإيجابية للأزمات لدى القيادات في أنها تبرز دور وقدرة تلك القيادات على التصرف بفاعلية أثناء الأزمات، وذلك في ظل مستوى جيد من التمكين الإداري لديهم.
لابد من دعم دور التمكين لدى القيادات لمواجهة الأزمات الطارئة على اختلاف أنواعها التنظيمية، أو الإدارية، أو المالية، إذا كان لكل عصر سمة يتسم بها، فعصرنا الحالي يتسم بأنه عصر الأزمات، فالمتتبع للأحداث يسمع باستمرار عن أزمة الشرق الأوسط، أزمة المهور، أزمة الفكر، أزمة الإدمان، أزمة الطلاق، أزمة كورونا... إلخ.
ومع تعدد وتنوع تلك الأزمات أصبحت الحاجة ملحة للبحث عن مداخل، وأساليب لإدارة تلك الأزمات، والتكيف معها، والحد من آثارها المدمرة، ويعد تمكين القيادات أحد المداخل الإدارية الحاكمة لإدارة الأزمات بكفاءة، وفعالية في ظل بيئة تتسم بالتغير السريع، وتحتاج إلى تضافر الجهود المخلصة، للنهوض بالمنظمات الحكومية عامة، والمنظمات الطبية منها بشكل خاص أصبح الوقت يتطلب التمكين الإداري لدى المنظمات وتكمن أهمية التمكين في نقاط عدة من أبرزها: ضرورة تفويض السلطة بسبب التحول الكبير في مهمات المنظمات، الذي أصبح لا يركز على احتكار القرار الإداري بأيدي أفراد قلائل، وكذلك اتساع نطاق الخدمات، وتشعبها يتطلب توزيع السلطة على عدد أكبر من الأشخاص لتلبية الحاجات المتجددة، كما أن التمكين يساهم بتحقيق إنجاز الأعمال بصورة أكثر فاعلية من خلال استعمال أفضل الجوانب المتعلقة باستثمار الموارد البشرية، ويؤدي التمكين الإداري أيضاً إلى جعل الأداء أكثر معنى، وحرية، وأكثر واقعية، ويسهم التمكين الإداري في الحد من الآثار المتعلقة بالإحباط، أو الضغوط المرتبطة بالعمل، ويعزز قدرة القادة على مواجهة التحديات وإدارة الأزمات الطارئة.
الدكتور/ خــلــيــل الــذيـابــي
تويتر: KhalilAltheyabi@