-A +A
د. رشيد بن حويل البيضاني كاتب سعودي RAlbaidhani@
قيل: «خطتان سهلتان؛ خطة مع الناس بجمعهم جملة واحدة، وخطة مع النفس بتقنين جهودها وهمومها على ما يُعنيها» (عباس العقَّاد).. وأقول: إتقاننا فن التعامل مع أنفسنا؛ يجعلنا نُجيد طريقة التعامل مع أنواع الناس في الحياة بأنماطهم المختلفة بمهاراتنا الموروثة والمكتسبة.. إذن؛ هل نحب الناس جملة ونكرههم جملة؟، وما المطلوب للعودة بالنفس لموطنها الأول عندما تسعى إلى شيء لا تبلغه أبداً؟

•• •• ••


حين نرى رزق الطير تغدو خماصاً وترجع بطاناً؛ نكتفي من العيش ما يقينا ذل الحاجة، فالصبر على ضنك المعيشة عبادة.. وإن أردنا هندسة أنفسنا بهدوء لتشرق شمس دنيانا؛ فما علينا إلا فعل ذلك خارج أسوار الحياة المتسارعة ذات الضجيج العالي.. أما من يحسُّ أن شيئاً ينقصه ولا يعرف مصدره؛ فهو كالعطشان «لا يرويه ماء البحر كلما شرب منه ازداد عطشاً».

•• •• ••

بين لذائد الدنيا وعنائها، ومُتعها وآلامها، وربحها وخسارتها، ومدحها وذمها؛ دفاتر نجردها لنعرف كيف يكون الاقتصاد الصحيح في ثروة الحياة.. وبين أمرئ صابر وآخر حائر؛ يذهب «الألم» ويبقى ثوابه، وتذهب «المتعة» ويبقى عقابها، فما فات كتبه الله لنا أو علينا.. وبين كلام المدبِّر سبحانه: «أحصاه الله ونسوه»، وقولهم: لك الساعة التي أنت فيها؛ حياة محبورة وأخرى تضيع لا يُنتفع بها.

•• •• ••

في الحياة من يطوعها لسعادته كالرضيع يستريح لصدر أمه، وفيها من تتعطل بواعث حياته، فلا يتلذذ بها إلا من بعيد.. ومن الناس من يحب العزلة لا كرهاً لهم إنما هروباً بنفسه؛ أولئك في شقاء أسود كمن يغوص بتلال من الرمال.. ومن ينحني لبوابة الرجاء؛ يصلحه الزمان ويتعالى سامقاً بالأيام، أما من يوزع الخيبة؛ فهو كحقيبة بكاء تخفيها امرأة تحت عباءتها.

•• •• ••

ومن كلام المنفلوطي: «أكثر الناس يعيشون في نفوس الناس أكثر مما يعيشون في نفوس أنفسهم»؛ فحياتنا ضمنية في حياة الآخرين.. وأولئك الذين لا يحترمون آراء غيرهم وإن اختلفت عن آرائهم؛ مثل «من لم يهده قليل الإشارة لم ينفعه كثير العبارة».. فإذا ارتجفنا عند هطول التغيير لأنماط حياتنا؛ لن نعرف المعنى المختلف للحياة إلا معاداة الواقعية، كنملة توهمت أنها أضخم الحيوانات.