-A +A
مي عبدالعزيز الجهني
الثانية فجراً؛ السماء ممطرة، وأوراقي مُنتثرة، كنت أذاكر لامتحان مادتي المفضلة «تصميم داخلي».. ليلة مليئة بالمعاني؛ رائحة الطين بعد المطر، هدوء الليل، تعلق «الإنترنت» والاتصال، أكوان القهوة السوداء، وصوت تنزيل الصور المقاطع الممطرة.. ليلة أشبه بفيلم كنت أشاهده في أحلامي فعاشت روحي لحظاته.. وفي صباح اليوم التالي ذهبت لجامعتي وأديت الامتحان على أكمل وجه.

ها أنا في طريق عودتي إلى والديَّ، اللذين وعدتهما بمعدل «امتياز».. عدت إليهما لأهدي لهما تفوقي.. إنه نجاح تفوق روحي التي اكتشفت أنها تميل للفنون ومجالات التصميم بعد سنوات من التشتت في اختيار التخصص.. حصدت 90% في اختباري العملي الأول.. كان ذلك تأكيداً لمقعدي بالتخصص.


تمر الأيام وجهاد الليالي وعتبات النهار بعد انقطاع طويل عن مجالي الكتابي لانشغالي.. قررت العودة بمعاني غربتي.. وبين كل هذا كان الحصاد الآن أجمل هدية لكل معاناة جسدها هذا الطريق.. طريق الغربة.

هذه البداية، وأعلم أن بدايتي لم تكن سهلة أبداً، ربما لأنني أفارق مدينتي أشهراً عديدة، أو لم أتعود على مفارقة حضن والدتي وابتسامة والدي أو فقدان حس إخوتي.

إنها «الغربة» التي تجعل من الفرد يدرك بأن أبسط الأشياء نعمة، أولها خروجك للشارع بالمطر، شارع مدينتك لا يشبه أية مدينة أخرى.. شعورك اللحظي حينها لا يشبه اللحظات الحقيقية بمدينتك.

واليوم! آه من لذاذة عتبات الوصول، ويا لها من أجمل سنتين مرت وبانتظار نهاية الثلاث الأخرى، أكتظ بالحماس والحيوية بعد استقرار وجهتي الحالية وحددت ماذا أريد!.. نعم؛ بمجرد استقرارك النفسي سترى الحياة بشكل مختلف، وسوف تستلذ بأبسط معاني الحياة حتى مشاركة الغريب بطريق رحلتك.. يا لها من خطوة رائعة في حياة كل إنسان يحلم بالنجاح ولديه الدافع القوي الذي يلهمه للمضي قدماً في طريق الغُربة.