-A +A
د. رشيد بن حويل البيضاني كاتب سعودي RAlbaidhani@
قيل: أشد سجون الحياة فكرة خائبة، يُسجن الحيّ فيها، لا يستطيع أن يدعها، ولا يقدر أن يحققها، «مصطفى صادق الرافعي».. وأقول: إن البعض يكتفي بذاته فيستمتع بالبقاء في عالمه الخاص، متمسكاً بأفكار بالية لا تتطور، فيعيش فقاعة منعزلة عن الآخرين.. إذن؛ ما الذي يجعلنا سجناء الفكرة؟، ولماذا نستمتع بالبقاء في زنزانة الأفكار البالية؟، ولماذا نكره المشاركة في تنمية الأفكار الجديدة؟.

•• •• ••


حين نغلق حواسنا بأقفال من حديد، ونظل عالقين بفقاعة العقل المنعزل عن الناس؛ سنعجز عن تطوير أفكارنا، لنعيش سجناء التطيُّر.. ومن يبتعد عن الحياة بموت أفكاره؛ يشيخ عليه الزمان فتهْرُم لحظاته البهيجة، وبذلك لا يستطيع هدم سجنه وكسر حواجز مشاعره.. أما من يعشِّب عقله بكتلة متشظية بالبَلادَة؛ سيقذف أي فكرة جديدة، لتبقى هواجسه المريرة مُحطِّمَة لأحلامه بموسيقى ذات تكوين جنائزي.

•• •• ••

بين خلل نفس مكتفية بعالمها الخاص، والوقوف ضد الطبيعة الإلهية المطوِّرة للفكر؛ سيسرقنا الزمان ويحولنا إلى سحابة سوداء من الكآبة.. وبين «عقل باطن» يُخزِّن معتقداتنا وسلوكياتنا، وآخر واعٍ متصرِّف بأفعالنا الناضجة؛ هناك حياة تُخضِّب فينا أحلام اليقظة أو تُشعِرنا باللذة.. فمن يستعيض هواجس من عقله «اللا واعي» بأفكار بنَّاءة يترجمها عقله «الواعي» إلى أفعال مبتكرة؛ لن تزحف شيخوخة الفكر نحوه.

•• •• ••

في سجن الفكر الظلامي بأغلاله وقهره وقسوته؛ سخرية من العصر الذي يعيش فيه أنسيه، لإظهار أُميَّة النَزِق وإضمار ثقافة الحياة.. ومن يدَّعي المعرفة ويخاصم على معتقداته التي يظن أنه لا حق سواها؛ يراوغ طرب الحياة بروح لم تُوقَظ من سُباتها.. أما سجناء جدران الرمزية المُصفَّدون بزنازين الفكر المظلمة؛ فيضعون لأنفسهم سياجاً شائكاً، كقصة صياد السمكات المسحورة لا يتوب عن حصادها.

•• •• ••

وعند كلام «فيليب آرنولد»: «لن تتحرر قبل أن تحرر نفسك من سجن أفكارك الخاطئة»؛ خروج من ضيق الفكرة إلى سعتها.. وأولئك المتقوقعون داخل فكرة سلبيَّة، الغارقون في سجن الحماقة والسذاجة، المُرضُون لغرورهم وأوهامهم؛ يعيشون مزاجاً معكَّر النسمة بفخامة نفس بغيضة.. فإذا نحتت الذهن فكرة سلبية حتى الثمالة؛ يشعر صاحبها أن ثمة شيئاً عزيزاً فقده وليس متأكداً أنه سوف يستطيع استعادته.