يحضر المصطلح في بنية العملية العلمية حضوراً أصيلاً بوصفه مرجعية ضابطة تتضح من خلالها سياقات الطرح وتنضج عبرها جدليات البحث والمنهجية، وعلى هذا الأساس كان لزاماً علينا ونحن بصدد الإعداد لمؤتمر الإعلام الوطني الذي تنظمه الجامعة ممثلة بالكلية بحضور رفيع وثري من الأطياف الإعلامية الأكاديمية والمهنية، أن نعمل وفق إطار دلالي واضح تتسق في ضوئه أبعاد المؤتمر وطروحات المؤتمرين، فكانت جملة عنوان المؤتمر متركزة حول مفهوم (الإعلام الوطني)، حيث ارتسمت المرجعية المصطلحية للمؤتمر في فكرة الوطن وإعلام الوطن بوصفه روحنا التي لا شريك لها.
أما المنطلق الذي يتبناه المؤتمر عبر طروحات أرباب المهنة ومنظريها وأصحاب التجارب الرائدة ضمن ٣٠ جلسة موزعة ما بين ندوات رئيسية وورش عمل وحلقات نقاش وجلسات حوارية خلال يومي (٢١ و٢٢ مايو ٢٠٢٣)، بمركز الرياض للمعارض والمؤتمرات، فيحفل بالأسئلة وإثارة الجدليات الخلاّقة، أكثر مما يعنى بتمثيل الإجابات الحدية غير الواقعية، في بيئة العلم الإنساني المنفتحة نحو المزيد وباطّراد لا نهائي، فضلاً عما تحياه البشرية اليوم ضمن بيئات الاتصالية الرقمية القائمة في أصل اشتغالها على مبدأ أن الثابت الوحيد فيها هو التحول السريع والمتسارع على الدوام، وعلى هذا التأسيس تتوالى فورة التساؤلات حول فكرة الإعلام الوطني من قبيل؛ ملكية وسائل الإعلام وأدوارها وقيمها المهنية، والدور الذي يجب أن يتسم به الإعلام في الدول النامية من حيث العمل على تحقيق مصالح المجتمعات ودعم غاياتها الوطنية، وما يصاحب هذا الاتجاه من اضطراب في الممارسة، جراء غموض المفهوم بالأصل، وعلى هذا الامتداد يبرز الاستفهام حول مستوى التوفيق في ما بين العمل وفق مقتضيات السوق تلبية لرغبات الجماهير ومدى معايرة هذا المتطلب بالنظر إلى الأولويات الوطنية، إذ تنشغل بعض الممارسات الإعلامية في بعض الدول بالعمل الدعائي الذي يدّعي السعي لتحقيق الصالح العام، دون اعتبار لما تفرضه المتغيرات الاتصالية من ضرورة المزاوجة بين تطلعات الجماهير ومقتضيات الدور الوطني.
وعلى الرغم من تنادي وسائل الإعلام على مختلف ملكيتها وتوجهاتها، خلال أوقات الأزمات والتهديدات الخارجية، للاتحاد ضمن منظومة الرؤية الوطنية، إلا أن هذا الواقع غير كافٍ للقطع بتبلور مفهوم الإعلام الوطني، ففي المملكة مثلاً تحرص وسائل الإعلام على القيام بدور وطني مهم، وبخاصة في ظل التحديات التي تواجهها بلادنا بفعل التداعيات الإقليمية والدولية، إلا أن هذا الجهد الإعلامي بحاجة للمراجعة والتقويم بصورة نظرية ومهنية ضمن جهد منجهي رصين ودوري ومرن، وهو الاتجاه الذي تؤكده رؤية المملكة 2030 التي تدفع بمنظومة الإعلام نحو أداء دور فاعل وحيوي وقيادي بما يسهم في تحقيق مستهدافات الرؤية لحقل الإعلام ولغاياتها الوطنية الشاملة، وهو في المجمل جهد اتصالي يتوجب النهوض به على أكمل وجه.
وسعياً نحو النهوض بالدور الإعلامي والاتصالي الوطني المناط بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام، وهي المؤسسة الأكاديمية التي يناهز عمرها اليوم ٥٠ عاماً، يأتي مؤتمر الإعلام الوطني مستلهماً جملة من المساءلات منها؛ تحديات الممارسة المهنية، وحضور مفهوم القوة الناعمة والعلامة الوطنية وممارساتهما في إطار مفهوم الإعلام الوطني، ودور الاستثمارات السعودية في الإعلام العابر للحدود، وإعلام المؤسسات الحكومية وتشكيل الرأي العام الوطني، والدراما السعودية والقضايا الوطنية، والمسؤولية الوطنية للتأهيل الإعلامي، وإعلام الدبلوماسية وخدمة القضايا الوطنية، ومستقبل الإعلام الحكومي، في ظل توجهات الرؤية، والحضور السعودي في الإعلام الأجنبي، الشأن الوطني في اهتمامات مشاهير وسائل التواصل، وحضور الإعلاميين الشباب في المملكة، والإعلام الرياضي في المملكة، كل هذا ضمن معالجات ومناقشات الفكرة الجوهرية المتمثلة في مفهوم الإعلام الوطني.
ختاماً نأمل أن يسهم المؤتمر بكافة جلساته العلمية، والحوارية، ومبادراته، وفعالياته المصاحبة، في بلورة الأدوار الوطنية لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وتقديم مقاربة تطبيقات الإعلام الوطني في المملكة والعالم، إلى جانب تعزيز مسؤولية القطاعات المختلفة تجاه الجيل الجديد من الإعلاميين، وتعزيز دور الإعلاميين الشباب في منظومة الإعلام الوطني في المملكة.